موقع يهتم بالعلوم العربية مثل :العروض والقافية ، علم المواريث ،علم النحو والصرف، كما يهتم بالقصائد جميلة ،الشعر جاهلي ،الشعر حديث ،والسيرة النبوية وسير أصحاب رسول الله ،سيرة الصحابيات ،أحكام التلاوة،البلاغة،التاريخ
الطفيل بن عمرو الدوسي : في أرض دوس نشأ بين أسرة شريفة كريمة.
وأوتي موهبة الشعر٬ فطار بين القبائل صيته ونبوغه.
من هو الطفيل بن عمرو الدوسي؟
.وفي مواسم عكاظ حيث يأتي الشعراء العرب من كل فج ويحتشدون ويتباهون بشعرائهم٬ كان الطفيل بن عمرو الدوسييأخذ مكانه في المقدمة..كما كان يتردد على مكة كثيرا في غير مواسم عكاظ..
وذات مرة كان يزورها٬ وقد شرع الرسول يجهر بدعوته..وخشيت قريش أن يلقاه الطفيل ويسلم٬ ثم يضع موهبته الشعرية في خدمة الاسلام٬ فتكون الطامة على قريش وأصنامها..
من أجل ذلك أحاطوا بالطفيل بن عمرو الدوسي.. وهيئوا له من الضيافة كل أسباب الترف والبهجة والنعيم٬ ثم راحوا يحذرونه لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم٬ ويقولون له: ان له قولا كالسحر يفرق بين الرجل وابيه.. والرجل وأخيه.. والرجل وزوجته.. وإنا نخشى عليك وعلى قومك منه٬ فلا تكلمه ولا تسمع منه حديثا"..!!
ولنصغ إليالطفيل بن عمرو الدوسيذاته يروي لنا بقية النبأ فيقول:" فوالله ما زالوا بي حتى عزمت ألا أسمع منه شيئا ولا ألقاه..وحين غدوت الى الكعبة حشوت أذني كرفسا كي لا أسمع شيئا من قوله اذا هو تحدث..
وهناك وجدته قائما يصلي عند الكعبة٬ فقمت قريبا منه٬ فأبي الله الا أن يسمعني بعض ما يقرأ٬ فسمعت كلاما حسنا..وقلت لنفسي: وا ثكل أمي.. والله اني لرجل لبيب شاعر٬ لا يخفى علي الحسن من القبيح٬ فما يمنعني أن أسمع من الرجل ما يقول٬ فان كان الذي يأتي به حسن قبلته٬ وان كان قبيحا رفضته.
يقول الطفيل بن عمرو الدوسيومكثت حتى انصرف الى بيته٬ فاتبعته حتى دخل بيته٬ فدخلت وراءه٬ وقلت له: يا محمد٬ ان قومك قد حدثوني عنك كذا وكذا.. فوالله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك..ولكن الله شاء أن أسمع٬ فسمعت قولا حسنا٬ فاعرض علي أمرك..فعرض الرسول علي الاسلام٬ وتلا علي من القرآن..فأسلمت٬ وشهدت شهادة الحق٬ وقلت: يا رسول الله: اني امرؤ مطاع في قومي واني راجع اليهم٬ وداعيهم الى الاسلام٬ فادع الله أن يجعل لي آية تكون عونا لي فيما أدعهوهم اليه٬ فقال عليه السلام:اللهم اجعل له آية"..
لقد أثنى الله تعالى في كتابه على " الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه"..وها نحن أولاء نلتقي بواحد من هؤلاء..انه صورة صادقة من صور الفطرة الرشيدة..فما كاد سمعه يلتقط بعض آيات الرشد والخير التي أنزلها الله على فؤاد رسوله٬ حتى تفتح كل سمعه٬ وكل قلبه. وحتى بسط يمينه مبايعا.. ليس ذلك فحسب.. بل حم ل نفسه من فوره مسؤولية دعوة قومه وأهله الى هذا الدين الحق٬ والصراط المستقيم..!
من أجل هذا٬ نراه لا يكاد يبلغ بلده وداره في أرض دوس حتى يواجه أباه بالذي من قلبه من عقيدة واصرار٬ ويدعو أباه الى الاسلام بعد أن حدثه عن الرسول الذي يدعو الى الله.. حدثه عن عظمته.. وعن طهره وأمانته.. عن اخلاصه واخباته ﷲ رب العالمين..وأسلم أبوه في الحال..ثم انتقل الى أمه٬ فأسلمت ثم الى زوجه٬ فأسلمت..ولما اطمأن الى أن الاسلام قد غمر بيته٬ انتقل الى عشيرته٬ والى أهل دوس جميعا.. فلم يسلم منهم أحد سوى أبي هريرة رضي الله عنه..ولقد راحوا يخذلونه٬ وينأون عنه٬ حتى نفذ صبره معهم وعليهم. فركب راحلته٬ وقطع الفيافي عائدا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو اليه ويتزو د منه بتعاليمه..
الرسول يدعو لدوس بالهداية
وحين نزل الطفيل بن عمرو الدوسيمكة٬ سارع الى دار الرسول تحدوه أشواقه..وقال للنبي:" يا رسول الله..انه قد غلبني على دوس الزنى٬ والربا٬ فادع الله أن يهلك دوسا"..!!وكانت مفاجأة أذهلت الطفيل حين رأى الرسول يرفع كفيه الى السماء وهو يقول:" اللهم اهد دوسا وأت بهم مسلمين"..!!ثم التفت الى الطفيل وقال له:" ارجع الى قومك فادعهم وارفق بهم".
ملأ هذا المشهد نفس الطفيل بن عمرو الدوسي روعة٬ وملأ روحه سلاما٬ وحمد اله أبلغ الحمد أن جعل هذا الرسول الانسان الرحيم معلمه وأستاذه. وأن جعل الاسلام دينه وملاذه.ونهض عائدا الى أرضه وقومه وهناك راح يدعوهم الى الاسلام في أناة ورفق٬ كما أوصاه الرسول عليه السلام.وخلال الفترة التي قضاها بين قومه٬ كان الرسول قد هاجر الى المدينة وكانت قد وقعت غزوة بدر٬ أحد والخندق.وبينما رسول الله في خيبر بعد أن فتحها الله على المسلمين اذا موكب حافل ينتظم ثمانين اسرة من دوس أقبلوا على الرسول مهللين مكبرين ..
وبينما جلسوا يبايعون تباعا..ولما فرغوا من مشهدهم الحافل٬ وبيعتهم المباركة جلس الطفيل بن عمرو مع نفسه يسترجع ذكرياته ويتأمل خطاه على الطريق..!!تذكر يوم قدوم الرسول يسأله أن يرفع كفيه الى السماء ويقول:اللهم اهلك دوسا٬ فاذا هو يبتهل بدعاء آخر أثار يومئذ عجبه..ذلك هو:
" اللهم اهد دوسا وأت بهم مسلمين"..!!ولقد هدى الله دوسا..وجاء بهم مسلمين..
وها هم أولاء.. ثمانون بيتا٬ وعائلة منهم٬ يشكلون أكثرية أهلها٬ يأخذون مكانهم في الصفوف الطاهرة خلف رسول الله الأمين.
الطفيل بن عمرو الدوسي يحرق الصنم المسمي ذي الكفين
ويواصل الطفيل بن عمرو الدوسي عمله مع الجماعة المؤمنة..ويوم فتح مكة٬ كان يدخلها مع عشرة آلاف مسلم لا يثنون أعطافهم زهوا وصلفا٬ بل يحنون جباههم في خشوع واذلال٬ شكرا ﷲ الذي أثابهم فتحا قريبا٬ ونصرا مبينا..ورأى الطفيل رسول الله وهو يهدم أصنام الكعبة٬ ويطهرها بيده من ذلك الرجس الذي طال مداه..وتذكر الدوسي من فوره صنما كان لعمرو بن حممة. طالما كان عمرو هذا يصطحبه اليه حين ينزل ضيافته٬ فيتحنث بين يديه٬ ويتضر ع اليه..!!الآن حانت الفرصة ليمحو الطفيل بن عمرو السدوسي عن نفسه اثم تلك الأيام..
هنالك تقدم من الرسول عليه الصلاة والسلام يستأذنه في أن يذهب ليحرق صنم عمرو بن حممة وكان هذا الصنم يدعى٬ ذا الكفين٬ وأذن له النبي عليه السلام..ويذهب الطفيل ويوقد عليه النار.. وكلما خبت زادها ضراما وهو ينشد ويقول:يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا!!اني حشوت النار في فؤادكا
الطفيل بن عمرو الدوسي يموت شهيداً في موقعة اليمامة
وهكذا عاش مع النبي يصلي وراءه٬ ويتعلم منه٬ ويغزو معه.وينتقل الرسول الى الرفيق الأعلى٬ فيرى الطفيل أن مسؤوليته كمسلم لم تنته بموت الرسول٬ بل انها لتكاد تبدأ..وهكذا لم تكد حروب الردة تنشب حتى كان الطفيل يشم ر لها عن ساعد وساق٬ وحتى كان يخوض غمراتها وأهوالها في حنان مشتاق الى الشهادة..اشترك في حروب الردة حربا.. حربا..وفي موقعة اليمامة خرج مع المسلمين مصطحبا معه ابنه عمرو بن الطفيل".ومع بدء المعركة راح يوضي ابنه أن يقاتل جيش مسيلمة الكذاب قتال من يريد الموت والشهادة..وأنبأه أنه يحس أنه سيموت في هذه المعركة.وهكذا حمل سيفه وخاض القتال في تفان مجيد..لم يكن يدافع بسيفه عن حياته.بل كان يدافع بحياته عن سيفه.حتى اذا مات وسقط جسده٬ بقي السيف سليما مرهفا لتضرب به يد أخرى لم يسقط صاحبها بعد..!!
وفي تلك الموقعة استشهد الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه..وهو جسده تحت وقع الطعان٬ وهو يلو ح لابنه الذي لم يكن يراه وسط الزحام..!!يلو ح له وكأنه يهيب به ليتبعه ويلحق به..ولقد لحق به فعلا.. ولكن بعد حين..ففي موقعة اليرموك بالشام خرج عمرو بن الطفيل مجاهدا وقضى نحبه شهيدا..
وكان وهو يجود بأنفاسه٬ يبسط ذراعه اليمنى ويفتح كفه٬ كما لو كان سيصافح بها أحدا.. ومن يدري..؟؟ لعله ساعتئذ كان يصافح روح أبيه..!!