سعد بن معاذ-اهتزعرش الرحمن لموت سعد بن معاذ

سعد بن معاذ-اهتزعرش الرحمن لموت سعد بن معاذ

 سعد بن معاذ :في العام الواحد والثلاثين من عمره٬ أسلم..وفي السابع والثلاثين مات شهيدا.
.وبين يوم اسلامه٬ ويوم وفاته٬ قضى سعد بن معاذ رضي الله عنه أياما شاهقة في خدمة الله ورسوله..


سعد بن معاذ - هنيئا لك يا أبا عمرو

من هو سعد بن معاذ؟


انظروا..أترون هذا الرجل الوسيم٬ الجليل٬ الفارع الطول٬ المشرق الوجه٬ الجسيم٬ الجزل.؟؟ انه هو.يقطع الأرض وثبا وركضا الى دار أسعد بن زرارة ليرى هذا الرجل الوافد من مكة مصعب بن عمير الذي بعث به محمدا عليه الصلاة والسلام الى المدينة يبشر فيها بالتوحيد والاسلام..أجل.. هو ذاهب الى هناك ليدفع بهذا الغريب خارج حدود المدينة٬ حاملا معه دينه.. وتاركا للمدينة دينها.


ولكنه لا يكاد يقترب من مجلس مصعب في دار ابن خالته أسيد بن زرارة٬ حتى ينتعش فؤاده بنسمات حلوة هبت عليه هبوب العافية..

ولا يكاد يبلغ الجالسين٬ ويأخذ مكانه بينهم٬ ملقيا سمعه لكلمات مصعب حتى تكون هداية الله قد أضاءت نفسه وروحه .وفي احدى مفاجآت القدر الباهرة المذهلة٬ يلقي زعيم الأنصار جبته بعيدا٬ ويبسط يمينه مبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم..وباسلام سعد بن معاذ تشرق في المدينة شمس جديدة٬ ستدور في فلكها قلوب كثيرة تسلم مع حمد ﷲ رب العالمين.

أسلم  سعد بن معاذ .. وحمل تبعات اسلامه في بطولة وعظمة..وعندما هاجر رسول الله وصحبه الى المدينة كانت دور بني عبد الأشهل قبيلة سعد مفتحة الأبواب للمهاجرين٬ وكانت أموالهم كلها تحت تصر فهم في غير من ٬ ولا أذى.. ولا حساب..!!

سعد بن معاذ في غزوة بدر

وتجيء غزوة بدر..ويجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين والأنصار٬ ليشاورهم في الأمر.وييمم وجهه الكريم شطر الأنصار ويقول:" أشيروا علي أيها الناس.
ونهض سعد بن معاذ قائما كالعلم.. يقول:" يا رسول الله..لقد آمنا بك٬ وصد قناك٬ وشهدنا أن ما جئت به هو الحق٬ وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا..فامض يا رسول الله لما أردت٬ فنحن معك.ووالذي بعثك بالحق٬ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك٬ وما تخلف منا رجل واحد٬ وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا..انا لصبر في الحرب٬ صدق في اللقاء.ولعل الله يريك ما تقر به عينك..فسر بنا على بركة الله"..
**
أهلت كلمات سعد بن معاذ  كالبشريات٬ وتألق وجه الرسول رضا وسعادة وغبطة٬ فقال للمسلمين:" سيروا وأبشروا٬ فان الله وعدني احدى الطائفتين.. والله لكأني أنظر الى مصرع القوم"..وفي غزوة أحد٬ وعندما تشتت المسلمون تحت وقع الباغتة الداهمة التي فاجأهم بها جيش المشركين٬ لم تكن العين لتخطئ مكان سعد بن معاذ..لقد سمر قدميه في الأرض بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم٬ يذود عنه ويدافع في استبسال هو له أهل وبه جدير..


سعد بن معاذ في غزوة الخندق 


وجاءت غزوة الخندق٬ لتتجلى رجولة سعد بن معاذ وبطولته تجليا باهرا ومجيدا..وغزوة الخندق هذه٬ آية بينة على المكايدة المريرة الغادرة التي كان المسلمون يطاردون بها في غير هوادة  من خصوم لا يعرفون في خصومتهم عدلا ولا ذمة.


.فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحيون بالمدينة في سلام يعبدون ربهم٬ ويتواصون بطاعته٬ ويرجون أن تكف قريش عن اغارتها وحروبها٬ اذا فريق من زعماء اليهود يخرجون خلسة الى مكة محر ضين قريشا على رسول الله٬ وباذلين لها الوعود والعهود أن يقفوا بجانب القرشيين اذا هم خرجوا لقتال المسلمين..واتفقوا مع المشركين فعلا٬ ووضعوا معا خطة القتال والغزو..وفي طريقهم وهم راجعون الى المدينة حر ضوا قبيلة من أكبر قبائل العرب٬ هي قبيلة غطفان واتفقوا مع زعمائها على الانضمام لجيش قريش.وضعت خطة الحرب٬ ووظعت أدوارها.. فقريش وغطفان يهاجمان المدينة بجيش عرمرم كبير..واليهود يقومون بدور تخريبي داخل المدينة وحولها في الوقت الذي يباغتها فيه الجيش المهاجم.


ولما علم النبي عليه الصلاة والسلام بالمؤامرة الغادرة راح يعد لها العد ة.. فأمر بحفر خندق حول المدينة ليعوق زحف المهاجمين.


وأرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة الى كعب بن أسد زعيم يهود بني قريظة٬ ليتبينا حقيقة موقف هؤلاء من الحرب المرتقبة٬ وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يهود بني قريظة عهود ومواثيق..فلما التقى مبعوثا الرسول بزعيم بني قريظة فوجئا يقول لكم:" ليس بيننا وبين محمد عهد ولا عقد"


عز على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتعرض أهل المدينة لهذا الغزو المدمدم والحصار المنهك٬ ففكر في أن يعزل غطفان عن قريش٬ فينقض الجيش المهاجم بنصف عدده٬ ونصف قوته٬ وراح بالفعل يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم عن هذه الحرب٬ ولهم لقاء ذلك ثلث ثمار المدينة٬ ورضي قادة غطفان٬ ولم يبق الا أن يسجل الاتفاق في وثيقة ممهورة..

وعند هذا المدى من المحاولة٬ وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ لم ير من حقه أن ينفرد بالأمر٬ فدعا اليه أصحابه رضي الله عنهم ليشاورهم..

واهتم عليه الصلاة والسلام اهتماما خاصا برأي سعد بن معاذ٬ وسعد بن عبادة.. فهما زعيما المدينة٬ وهما بهذا أصحاب حق أول في مناقشة هذا الأمر٬ واختيار موقف تجاهه.

سعد بن معاذ في مواجهة غطفان 


قص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما حديث التفاوض الذي جرى بينه وبين زعماء غطفان..وأنبأهما أنه انما لجأ الى هذه المحاولة٬ رغبة منه في أن يبعد عن المدينة وأهلها هذا الهجوم الخطير٬ والحصار الرهيب..وتقدم السعدان الى رسول الله بهذا السؤال:" يا رسول الله.أهذا رأي تختاره٬ أم وحي أمرك الله به"؟؟ قال الرسول:" بل أمر أختاره لكم..والله ما أصنع ذلك الا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة٬ وكالبوكم من كل جانب٬ فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم الى أمر ما"..

وأحس سعد بن معاذ أن أقدارهم كرجال ومؤمنين تواجه امتحانا٬ أي امتحان..هنالك قال:" يا رسول الله..قد كنا وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه٬ وهم لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرة الا قرى أي كرما وضيفة  أو بيعا..أفحين أكرمنا الله بالاسلام٬ وهدانا له٬ وأعزنا بك وبه٬ نعطيهم أموالنا..؟؟ والله ما لنا بهذا من حاجة..ووالله لا نعطيهم الا السيف.. حتى يحكم الله بيننا وبينهم"..!!وعلى الفور عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه٬ وأنبأ زعماء غطفان أن أصحابه رفضوا مشروع المفاوضة٬ وأنه أقر رأيهم والتزم به..

وبعد أيام شهدت المدينة حصارا رهيبا..والحق أنه حصار اختارته هي لنفسها أكثر مما كان مفروضا عليها٬ وذلك بسبب الخندق الذي حفر حولها ليكون جن ة لها ووقاية..ولبس المسلمون لباس الحرب.وخرج سعد بن معاذ حاملا سيفه ورمحه وهو ينشد ويقول:

 شعرسعد بن معاذ في غزوة الخندق



لبث قليلا يشهد الهيجا الجمل


 ما أجمل الموت اذا حان الأجل

سعد بن معاذ يصاب في المعركة


 وفي احدى الجولات تلقت ذراع سعد سهما وبيلا٬ قذفه به أحد المشركين..وتفجر الدم من وريده وأسعف سريعا اسعافا مؤقتا يرقأ به دمه٬ وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل الى المسجد٬ وأن تنصب له به خيمة حتى يكون على قرب منه دائما أثناء تمريضه.وحمل المسلمون فتاهم العظيم الى مكانه في مسجد الرسول

 ورفع سعد بصره الى السماء وقال:" اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها.فانه لا قوم أحب الي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك٬ وكذبوه٬ وأخرجوه..وان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم٬ فاجعل ما أصابني اليوم طريقا للشهادة..ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة"



لك الله يا سعد بن معاذ..!فمن ذا الذي يستطيع أن يقول مثل هذا القول٬ في مثل هذا الموقف سواك..؟؟ ولقد استجاب الله دعاءه..فكانت اصابته هذه طريقه الى الشهادة٬ اذ لقي ربه بعد شهر٬ متأثرا بجراحه..ولكنه لم يمت حتى شفي صدرا من بني قريظة..ذلك أنه بعد أن يئست قريش من اقتحام المدينة٬ ودب في صفوف جيشها الهلع٬ حمل الجميع متاعهم وسلاحهم٬ وعادوا مخذولين الى مكة.

.ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترك بني قريظة٬ يفرضون على المدينة غدرهم كما شاؤوا٬ أمر لم يعد من حقه أن يتسامح تجاهه..هنالك أمر أصحابه بالسير الى بني قريظة.وهناك حاصروهم خمسة وعشرين يوما..ولما رأى هؤلاء ألا منجى لهم من المسلمين٬ استسلموا٬ وتقدموا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجاء أجابهم اليه٬ وهو أن يحكم فيهم سعد بن معاذ.. وكان سعد حليفهم في الجاهلية

سعد بن معاذ يقضي في يهود بني قريظة


أرسل النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه من جاؤوا بسعد بن معاذ من مخيمه الذي كان يمر ض فيه بالمسجد..جاء محمولا على دابة٬ وقد نال منه الاعياء والمرض..وقال له الرسول:" يا سعد احكم في بني قريظة".وراح سعد يستعيد محاولات الغدر التي كان آخرها غزوة الخندق والتي كادت المدينة تهلك فيها بأهلها..وقال سعد:" اني أرى أن يقتل مقاتلوهم..وتسبى ذراريهم..وتقسم أموالهم.."وهكذا لم يمت سعد حتى شفي صدره من بني قريظة..


كان جرح سعد بن معاذ يزداد خطرا كل يوم٬ بل كل ساعة..وذات يوم ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيادته٬ فألفاه يعيش في لحظات الوداع فأخذ عليه الصلاة والسلام رأسه ووضعه في حجره٬ وابتهل الى الله قائلا:" اللهم ان سعدا قد جاهد في سبيلك٬ وصد ق رسولك وقضى الذي عليه٬ فتقبل روحه بخير ما تقبلت به روحا"..

وهطلت كلمات النبي صلى الله عليه وسلم على الروح المودعة بردا وسلاما.فحاول في جهد٬ وفتح عينيه راجيا أن يكون وجه رسول الله آخر ما تبصرانه في الحياة وقال:" السلام عليك يا رسول الله..أما اني لأشهد أنك رسول الله"..وتملى وجه النبي وجه سعد آن ذاك وقال:" هنيئا لك يا أبا عمرو".

يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:" كنت ممن حفروا قبر سعد بن معاذ..وكنا كلما حفرنا طبقة من تراب٬ شممنا ريح المسك.. حتى انتهينا الى اللحد".وكان مصاب المسلمين في سعد بن معاذ عظيما..ولكن عزاءهم كان جليلا٬ حين سمعوا رسولهم الكريم يقول:" لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ"..



المصادر

رجال حول الرسول 

خالد محمد خالد

تعليقات