صمت الكليم-أحمد بخيت- كاملة مكتوبة

صمت الكليم-أحمد بخيت- كاملة مكتوبة



 قصيدة أحمد بخيت صمت الكليم لن أقدمها بكلمات تفسد القراءة

إليكم كما قرأتها وتصرفت قليلا في العرض.

أحبك حتى يؤمن الأصوليون ويدرك العلمانيون أن الحب فرض عَيْن أحمد بخيت.

سالتها في حنوٍّ:هل تدخلين الجنّة؟ فأجابت بوقارٍ نبيلٍ: عندما أقف أمام اللهِ -جلَّ جلاله- سأتقبَّلُ عطاياه برضا تامٍّ دون أن أطالبه بأي تعويضٍ عن عذابي!!- أحمد بخيت


صمت الكليم كاملة مكتوبة مسموعة




صمت الكليم.

1


هُناكَ ولا هُناكَ هُناكَ كانت تُقْطَفُ الأضواءْ

ولم تكُنِ الطبيعةُ قد تراءتْ -بَعْدُ- في الأسماءْ

مَشَى حُزنٌ إِلى حُزنٍ وماءٌ في اتجاهِ الماءْ

2

أكانَ عَلَيَّ أنْ أسعَى إِلى شجرٍ مِنْ النسيانْ

إِلى عُرْيٍ وعِصيان جَليلٍ يُبْدِعٌ العِرْفانْ

ليَبْتدئ الحِوارُ الفذُّ بينَ اللهِ والإِنسانْ؟!!

3

أجلْ لا بُدَّ منْ حَواءَ كي تنسَى ومنْ آدمْ

ومن "غارٍ"نُربِّي فيِهِ شوقَ العاشقِ الخَاتَمْ

ومن سرٍّ يُسمَّى الحبَّ نُنْجِبُ بِاسْمِهِ العَالَمْ
4

لقد ناديتْ حينَ وهنْتُ واشتعلَ الصِّبا شَيْباَ

وكان الرزقُ في المحرابِ رمزًا يكْشفُ الغَيْبا

وكانت عاقراً دُنيايَ ربِّي هَبْ لنا حُبَّا
5

طلبت السرَّ للدنيا فألهاني عن الدنيا

وحين أجاءني للغَارِ قال: عَزَاؤُكَ الرُّؤْيَا

فقلت: أنا الفتى الأُمِّيَّ قال: تَحَمَّلِ الوَحْياَ
6

أنا النشوانُ يا ليلايَ من خمرٍ بلا عِنَبِ

فهُزِّي القلبَ يا لَيلَى يُسَاقطُ وردةَ الحِقَبِ

حنيني طفلُ عِلِّيِّينَ  مولودٌ  بغيرِ أبِ
7

هنا دكَّ السّنَا جبلي وسُمِّيتُ الكليْمَ هناكْ

وقِيلَ: اذْهَبْ فقلتُ: أرَى فقِيلَ: كفاكَ قِيلَ كفاكْ

إِذا أَلْقَوا لكَ الأسحار يا موسَى فألقِ عَصَاكْ

8

رأيتُكِ فاجتليتُ النورَ من أَسْمَى مطالعِهِ

وأهدَتْنِي رؤاكِ الوحيَ من أنقَى منابِعِهِ

وبينَ يدَيْ كَلِيمِ الحبِّ أَكْشِفُ عن روائِعِهِ
9

ثَقَبْتُ سفينةَ الفقراءِ كي تَعمَى عيونُ البُغْضْ

ذَبَحْتُ نبوءةَ الطُغيانِ كَيْ ينمُو الحنانُ الغَضّْ

أقمتُ جدارَ أهلِ الحبِّ حينَ أرادَ أن يَنْقَضّْ
10

يداكِِ كأنما مَلَكانِ ينتميانِ للأعلَى

أراحَانِيْ وشقَّا الصَّدرَ عن دنياهُ واسْتلاَّ

فَحُبُّك في هُتافِ الرُّوحِ قرآني الذي يُتْلَىْ
11

أكان عليَّ أن ألقاكِ بَعْد حرائقِ الجَسَدِ

لِيُلْقي الموجُ آخرَ ما يَشينُ البحر من زَبَدِ

لكي ألقاكِ في المرآةِ ساطعةً إِلى الأبدِ؟!
12


كأني "يوسفُ" الصِّدِّيقُ يجتازُ الصِّراطَ الصَّعْبْ

به همَّتْ وهَمَّ بِهَا وحِينئذٍ. أضاءَ القلبْ

رأى برهانَهُ الأعلَى ولا برهانَ إِلاّ الحبّْ!!
13

خَلَعْتُ قمِيْصّي البشريَّ عند بدايةِ الدربِ

صعوداً نحو أُفْقِ الوعْدِ والإِسراءُ مِنْ قلبي

إِلى معراجِيَ الروحيِّ نحوَ حَدائِقِ الغَيْبِ
14


طلبت هوي التي احْتَجَبَتْ وزالتْ بِاسْمِها الحُجْبُ

وقلت: القلبُ مَسْكَنُهَا وكلُّ جوارحي قلْبُ
 
أليس الحبُّ أن يَمْضِي المُحبُّ ويَخلُدَ الحبُّ؟
15


أليس الحبُّ أقنومَ الحياةِ ومبدأَ التكوينْ

له شرَفٌ إِلهيٌّ يَصوغُ ويَكْسِرُ القانونْ؟

يشاءُ الحُبُّ حينَ يَشَاءُ ثم يقولُ: كُنْ فَيَكُونْ!!
16


أنا الكينونةُ الأولَى أنا بدءٌ وعنوانُ

أنا شوقٌ ونسيانٌ ومعصيةٌ وغفرانُ

أنا فَجْرُ الّذِي سَيَكُونُ.مِنِّي كُلُّ مَنْ كانوا
17


أنا الخوفُ الذي يَسعىْ ويسْعى نحوهُ الأملُ

حملتُ أمانةَ الحبِّ الكبيرِ وأَشْفَقَ الجَبَلُ

أنا أبديةٌ عَشِقَتْ فلحظةُ عِشْقِهَا أزلُ
18


أما ناجَيْتِني في البدءِ: كْن بدءاً وكُنْ خَاتمْ

أَفِضْ يا أحمدَ الأكوانِ مِنْ حُبِّي عَلَى العالَمْ

فكيفَ سَبَقْتِ بالموعودِ آدمَ وَهْوَ مِنْ آدمْ؟!!
19


وقفتُ على حدودِ الحزنِ والآزالُ مِنْ خَلْفِيْ

وقلتُ وَلَمْ أزَلْ في البدءِ إِن ذَخِيرَتي ضَعْفِي

إِذا لَمْ تَكْفِني الأعمارُ آهةُ عاشقٍ تَكْفِيْ
20


فإِن نُوديتُ: كيفَ بدأتَ؟ قُلْتُ: خَلَعْتُ أوحالي

 وكيف عرفتَ سرَّ القُرْبِ؟ قلتُ: الحبُّ أوحَى لي

فَلَمْ يَبْلُغْ بَنو الدنيا مَقامِي فِيكِ أو حالي
21


وقفتُ بِشاطِئِ العرفانِ حينَ وهَبتِني سَبْحَةْ

فكانت آيتي في الحبِّ رَحْمَانِيَّةَ النفحةْ

هناكَ أَحَطتُ بالأكوانِ والأزمانِ في لمحةْ!!
22


هناكَ سُئِلتُ مَنْ تَهْوَى؟ أجبتُ: حقيقةَ الأسماءْ

صدقتَ فماَ حقِيْقَتُها؟ فقلتُ: ضياءُ كلِّ ضياءْ

صَدَقْتَ فما تشاءُ الآنَ؟ قُلتُ: الآنَ لستُ أَشاءْ!!
23


مُنايَ مُناكِ يحْلوُ لِي شُهودي فيكِ أو غَيْبِي

فها أنا بَعْدَ هَتْكِ الحُجْبِ مُتُّ ولَمْ يَمُتْ حُبِّي

جميعُ العاشقينَ الآنَ يتَّحِدُونَ في قَلْبِي
24


أسافرُ في الدهورِ إِليكِ مُتَّكِئاً عَلَى وَجْدِي

وأرواحُ الأُلي عَشِقُوا الجمالَ تَموْجُ فِي بُرْدِي

كأنَّ الخلقَ أجمعَهم معي لكنَّنِي وَحْدِي!!
25


أنا المبعوثُ باسْمِ الحبِّ مِن مهْدي إِلى لَحْدِيَ

إِذا نادىْ فوارسهُ حملتُ لواءَهُمْ وَحْدِي

أنا المنذورُ للأشواقِ لا عُشّاقَ مِنْ بَعْدِي
26


ولَيلَى العُودُ حينَ يئِنُّ والأطيارُ إِذ تَسْجَعْ

ولَيلَى الرُّوحُ حينَ تَحِنُّ والأنوارُ إِذْ تَسْطَعْ

أشارتْ لِي بإِصْبَعِها وقلبي خَاتَمُ الإِصْبَعْ!!
27


هي العَبَراتُ حين تَجِفُّ والبسماتُ حينَ تَجُوْلْ

هي الأنْسامُ حين تَرِفُّ والأغصانُ حينَ تَميلْ

هي الحُسْنُ الذي يَبدو لمُبْصِرِهِ بِكلِّ جميلْ
28


هي الأزهارُ والأشجارُ والأعطارُ والأنهارْ

هي الأشواقُ والمشتاقُ والغُيَّابُ والحُضَّارْ

هي المتألقُ المَكْشُوفُ والمْحفُوفُ بالأسرارْ!
29


هي الشِّعْرُ الذي يأتي فأذْهبُ حيثمَا يذْهَبْ

هي القلبُ الذي يُمْلِيهِ والقَلَمُ الذي يكْتُبْ

هي الشاديْ الذي يجلوهُ والجمْعُ الذي يَطْرَبْ
30


هي الأبعادُ والأزمانُ والرحَّالُ والرحلةْ

هي الصَّهْباءُ والنشوانُ والشَّفَتان والقُبْلةْ

هي المرآةُ والرائِي هي الصلواتُ والقِبْلةْ
31


هي الفجْرُ الذي يُلقِي أشعَّتَهُ عَلَى الأكوانْ

هي الحُبُّ الذي ينثالُ في تسبيحةِ الكروانْ

هي النَّفَسُ الإِلهيُّ الذي يَحْيا بهِ الإِنسانْ
32


أنا فيها التقاءُ  الحُبِّ والإِيمانِ والأَشْعَارْ

ولكنِّي أَغَارُ عَلَى محبَّتِها من الأَغْيارْ

رموزُ الحبِّ تَحْرسُهُ كما حَرَسَ الَحمامُ الغارْ
33


جميعُ جوارحي سَجَدَتْ وماءُ وضوئِها شَوْقي

فإِنَ أخْفَيتُ ما حُمِّلتُ مِنْ وَجْدٍ ومِنْ تَوْقِ

رأَى أهلُ المحبّةِ في جبيني غُرَّةَ العِشْقِ
34

إِذا ناديتُ: يا لَيلَى يسيلُ القلبُ أشواقا

وإِن نُودِيْتُ من لَيلَى يفيضُ الكونُ إِشراقا

وإِنْ صَدَحَتْ مَزاميري ملأتُ الأرضَ عُشَّاقا
35


لكلَّ الناسِ في ليلاتِهم ليلٌ ولِيْ لَيلَى

ولَيلَى وَحْدَها وَحْدِي ولكِنْ وحدُها أعْلَى

فما حلَّت بِعاشِقهِا ولكنَّ الفتَى ولَّى
36


لها المجدُ الهوى الوهَّابُ أنساني صباباتي

وأنساني الجمالُ الحقُّ أقنعةَ الجميلاتِ

أنا تسبيحةُ النَّفَسِ القديم وجلْوةُ الآتي!!
37

لها المَجْدُ السّنا فينا ولكنَّ النفوسَ جِدَارْ

وفي قلب المُحبِّ هُداهُ لكنَّ القلَوبَ تحَارْ

فإِنْ سَقَطَ الجدارُ فقد تملَّتْ ذاتَها الأنوارْ
38 


لها المجدُ الفؤادُ يذوبُ والكلماتُ لا ترقَىْ

زوالي زالَ حينَ بلغتُ سدرةَ حبِّها الأبقَى

وقلتُ: خلقتِني عِشْقَاً أميتِيني إِذنْ عِشْقَا
39


طلبتُ جِوارَ محبوبي فشرَّقَني وغرَّبني

وها أنا تائهٌ عنِّي وعن أهلي وعن زَمني

إِذا ناديتُ: يا لَيلَى فقد ناديتُ: يا وطني
40


أنا في رحلةِ الأشواقِ ظمآنٌ إِلى نَهْلةْ

أنادي آنَ أنْ تعلُوْ بصحراءِ السُّرَى شُعلةْ

ويَلْقَى كلُّ عَشَّاقٍ غريبٍ عِنْدَكُمْ أهَلَهْ!!
41


أنا الآتي انتفِضْ يا قلبُ واصعدْ يا صهيلَ الرُّوحْ

وأَجِّجْ نارَ قافيَتِي وأنضِجْ صوتِيَ المبحوحْ

لقد أَسْرَتْ بِنا لَيلَى للَيلَى فَابْدأِ التسبيحْ
42


أعوذُ بحبِّيَ الوهّابِ من وَعْدٍ بلا لُقْيا

ومن يومٍ بلا صحوٍ ومن شوقٍ بلا رؤيا

متى سأُتِمُّ معجزتي لأُطْلِقَ طائرَ الدنيا
43


أعوذُ بمَن أُعذَّبُ فيهِ من حِسِّي بتعذيبِي

أعوذُ بواهبِ الأشواقٍ من هِبةٍ وموهوبِ

فمشغولٌ أنا عنِّي وعن حبِّي بمحبوبي
44


ومشغُولٌ ببوحِ الدمعِ عن بحبوحِة البهجةْ

ومشغولٌ بعمْقِ البحرِ عن حرِّيَّةِ الموجَةْ

ومشغولٌ بصفوِ الرمزِ عن صوفيةِ اللهَجةْ
45


ومشغولٌ بِصدقِ الوحْيِ عن إِيحاءِ أشعاري

ومشغولٌ بشمس الحبِّ عن حبِّي لأقماري

ومشغولٌ بلَحْظِ النورِ عن خَوْفي من النارِ
46


أتي الطوفانُ.ليس هناكَ إِلا الخوفُ والموجُ

ولكنِّي أَنا الجُودِيُّ والفُلْكُ الذيِ ينجَوُ

وما مِنْ عَاصمٍ كالحب حينَ يَضيقُ بِيْ اللُّجُّ!!
47


لكِ المجدُ الهوى الخَلاَّقُ سدرةُ منتهى هِمَمي

تهونُ لأجلِهِ الدنيا وتصبحُ مَوْطِئَ القَدَمِ

وأنتِ مَخَافَتِي وَرَجايَ فاتِحَتي ومختتَمِي!!
48


سأخبر مُوْقِدي النيرانِ أَنِّي غائبٌ ومقيمْ

وأن النارَ غيرُ النارِ إِنْ كانَ الفؤادُ يَهيِمْ

ستعجَزُ نارُ "إِبراهيمَ" عِنْ تعذيبِ "إِبراهيمْ"
49


وها أنا ذا أتلُّ دمي وقد هتَفَتْ بيَ الرؤيا

لقد آمنَتُ أن الحبَّ يَجْعَلُ ميِّتاً حيَّا

قطعتُ الطَيْرَ أشلاءً فجاءت وحدها سَعْيَا
50


وَقَفْتُ على حدودِ الخوفِ ثُمَّ جعلتُهُ كَهْفِي

إِذا استوحَشْتُ بينَ يدَيَّ أُبْصِرُهُ ومِنْ خَلْفي

وإِنْ أعددتُ مائدةَ الحنينِ وَجَدْتُهُ ضَيْفِي!!
51


بوادٍ غيرِ ذي زرعٍ أُواجهُ قسوةََ المجهولْ

وأنت أَحَنُّ مِِنْ أُمِّي التي رَضعَتْ وفاءَ النيلْ

وإِرثُ هواكِ يدعوني ذبيحَ الحبِّ "إسماعيلْ"
52


فَتَحتُ برُوحِيَ العزاءِ مملكةً منَ الرَّوعةْ

وها أنا للحنينِ معي حوارُ الليلِ والشمعةْ

رجوعُ الرُّوحِ للقُيا سحابٌ يُمْطرُ الدَّمَعةْ!!
53


إِذا عزَّ اللقاءُ هتفتُ يا شمسَ الضُحى غِيبْي

فمنذُ غيابِ هذا الحُسْن حُزْنِي حزنُ "يعقوبِ"

وقد نَهَبَ الأسى رُوحي فأينَ قميصُ محبوبي؟
54


أنادِي في ليالي البُعْدِ أيامُ الرؤَى مرَّتْ

كأَنَّ القلبَ لَمْ يَسْعَدْ بها والعينَ ما قَرَّتْ

سواءٌ بَعْدَكِ الأيامُ إِنْ ساءتْ وإِنْ سَرَّتْ!!
55


تلاقى كلُّ أهلِ الوَجْدِ في قلبِ الفَتَىْ الواجِدْ

وكلَُ الساجدينَ عَلَى جبينِ مُحبِّكِ الساجدْ

وها أنا صائرُ لـ"هناكَ" حيثُ الكلُّ في الواحدْ!!
56


بعيداً عن سماءِ رُواكِ ضِقتُ وضاقَ بِي الملكوتُ

ولم أَسكنْ لأنسِ الحبِّ فَاسْتُدرجْتُ للرَهَبَوتْ

ثلاثُ مَهَالكٍ حَولِي: الظلامُ البحرُ بطنُ الحوتْ!!
57


أنا وَمحَبَّتِي والبحرَ كيفَ أَخَذْتِ شُطآني؟!

فَلَمْ أعرفْ متى ألقاكِ يا لَيلَى لألقاني

معاذَ الحبِّ أن أنساكِ لكنِّي سأنساني
58


دعوتُكِ ظالماً نَفسِي وقَدْ عَصَرَ الأسَى رُوحِي

وقلتُ لِدَمْعَتي الخرساءِ مُوتي ثَمَّ أو بُوحِي

فألقاني بشطِّ رِضاكِ يا لَيلايَ تَسْبِيحِي!!
59


أَمَا أَوقْفَتِنِى في الصَّبْرِ ثمَّ هَتَفْتِ: يا أيوبْ

لقد أُنْضِجتَ في الضَّرَّاءِ فاخترنَاكَ للتقريبْ

فقلتُ: الصَّبرُ عَنْ لَيلَى بِلَيلَى والعطاءُ ضُروبْ!!
60


أما أَعْطَيِتني الأسبابَ ثم قَطَعْتِ أَسبابي؟

فلا الأعداءُ أعدائي ولا الأحبابُ أحبابي

فكيف حَجَبْتِنِي بالخَلْقِ ثُمَّ حَجَبْتِ حُجَّابي
61


سقامي فيكِ طِبُّ الرُّوحِ كم يَشْفِي الذي يُضْنِي

لقد أُعْفِيتُ مِنْ دائي إذا أبرأَتِنِي مِنِّي

شكرتُ السّهمَ والرامِي فهل رَضِيَ السَّناعنِّي؟!
62


معاذَ الحبِّ أن يشكو المحبُّ حبيبَهُ ويلومْ

فلمْ أسألْ على شكٍّ ولمْ أَخْرُجْ عن التَّسليمْ

وليست غايةُ التسآلِ غيرَ الآُنْسِ بالتَّكْلِيمْ
63


فأنتِ وقفتِ بي في الوعْدِ ثُمَّ هتفتِ:بُورِكَ مَنْ.

فقلتُ:أيستَطِيعُ القلبُ؟ قلتِ: انْظُرْ إِليهِ ولَنْ.

لكِ التنزيهُ يا مَنْ لا يجوزُ عَلَى سَناكِ كأنْ!!
64


وأنتِ وقفتِ بِي في الجَمْعِ مأخوذاًعَنِ الخَلْقِ

وحينَ رَدَدْتِنِي للفَرْقِ كدتُ أموتُ من فَرْقي

وكفِّي باطشٌ بالعرشِ مَجزِيٌّ عِنْ الصَّعْقِ
65


سأُلقِي آيةَ الإِعجازِ حتى يَسْجُدَ السَحَرةْ

وتَعْلُوهُمْ يَدِي البيضاءُ حتّى يُؤمِنَ الكَفَرةْ

وسوفَ أشقُّ بحرَ الحزنِ حتى يعبرَ الَبَرَرَةْ!!
66


أحبُّكِ إِنَّنِي اسْتَعْذَبتُ فيكِ عذابِيَ المُلْهَمْ

وحبك أنت علِّمَنِي وقبلك لمْ أكُنْ أَعْلَمْ

أقام الحبُّ مَسْجِدَهُ ولستُ مؤذّناً أَبكَمْ!!
67


شهدتُ صلاةَ عصفورينِ تحتَ مآذنِ الغيمةْ

وهزّتْني دموعُ الطَّوْدِ عِنْدَ تَبَتُّلِ النَجْمَةْ

أنا الألحانُ يا لَيلَى وأنتِ حقيقةُ النَغْمَةْ
68


فُؤادي هيكلُ الأنوارِ شِعْرِي هُدْهُدُ النّبأِ

يباغتُ بالرؤَى رُوحي ويَدْعُوني عَلَى الملأِ

ويَأْتِينِي بعرشِ الحبِّ يا ليلايَ من "سَبأِ"
69


وأنَتِ وَقَفْتِ بِي في الرَّمزِ ثُمَّ حَرَمْتِنِي التفسيرْ

وقلتِ: النورُ ليسَ لهُ مِنَ الأسماءِ إِلاّ النورْ

قطوفُ الحبِّ دانيةٌ ولكنَّ القبورَ قبورْ!!
70


أنا يَحْيَى الذي يَحْيَا برأسٍ لمْ يُطِقْ خَفْضَهْ

ولِى في كبرياءِ الحبِّ عهدٌ لَمْ أُرِدْ نَقْضَهْ

دفعتُ الرأسَ قرباناً على طَبَقٍ مِنَ الفِضَّةْ 
71


وأنتِ وقفتِ بْي في الزهدِ قائلةً: خُذِ الدنيا

فَأَغْمَضْتُ العيونَ وسِرتُ نحو الغابةِ العليا

دَعِي للناسِ دنيا الناسِ خالصةً ولِى الرؤيا
72


وها أنا ذا بتاجِ الشّوكِ أدخلُ هَيْكَلَ الأحزانْ

وقد نَصَبُوا لمعجِزَتي صليبَ الخوفِ والنسيانْ

وبِاسْمِ الحبِّ يا لَيلَى تكونُ قِيامةُ الإِنسانْ
73


أحبُّك فلَتغِبْ شَمْسِي لتُشرِقَ بَعْدَها شَمْسِي

ففيكِ اسْتَشْرَفَتْ رُوحي غَدِي المولودَ مِنْ أَمْسِي

وَحسْبِي أنَّ عِلِّيِّينَ ميعادي مَعَ العُرْسِ
74


نطقتُ بآيتي في المَهْدِ فانتظري بِشَاراتي

سأُبهِر بِاسْمِكِ الدُّنْيا وأُعْجِزُها بآياتي

وإِنْ أنا غِبْتُ يا لَيلَى فَبَعْدِي يُشرِقُ الآتي
75


لِيَ الإِسراءُ والمعراجُ يا مسطوري المُنْزَلْ

بُراقُ الشِّعْرِ لوَّحَ للجَمَالِ وطارَ للأجملْ

وكانَ عَزَاءَنا أنَّا بَلَغْنَا المُطْلَقَ الأكملْ
76


هناك وقَفْتِ بِي في الشوقِ عِنْدَ نهايةِ الشوقِ

وعِنْدَ نهاية الأبعادِ لا تحتي ولا فوقي

هناكَ بَلغْتُ في حُبِّيكِ سِدرةَ منتهَى عِِشْقِي
77


صَعَدْتُ لغايةِ الغاباتِ بالرُّوحِ التي اشْتَعَلَتْ

وبالقلبِ الذي أفضَى وبالعينِ التي اكْتَحلَتْ

ليعلمَ أنبياءُ الحبِّ أنَّ الرحلَة اكْتَمَلَتْ
78


فبِاسْمِكِ ذُبتُ حينَ خَلَوتُ ثمَ علَوتُ في التَجْرِيدْ

وصار الفَقْدُ عينَ الوجْدِ غابَ الحَدُّ والمحدودْ

أُحِبُّكِ، لا أحبُّ سواكِ تلك شَهادةُ التوحيدْ!!
79


وما كانْت صلاةُ الحبِّ إِلاَّ موعداً ولقاءْ

دقائقَ تجمعُ الأزمانَ أرضٌ تلتقي وسماءْ

وتُشرِقُ وحدَها لَيلَى فتمتلئُ القلوبُ ضِياءْ
80


وما كانتْ زكاةُ الرُّوحِ إِلا خَلْعَها الدنيا

يصيرُ رجاؤها المرمُوقٌ ألا تَرتَجي شيَّا

وتدِركُ أنَّ وَعْدَ الحبِّ أمراً كَانَ مَقْضِيَّا
81


وأَروعُ لذةٍ في الصَوَمِ صَوْمِي عن سِوَى المحبوبْ

تطلُّعُ أعيْنُي العَطَشَى لكوثر حُسنهِ المحجوبْ

وشوقُ جوانِحي الجوَعَى لمائدةِ الهَوى الموهوبْ
82


وأعظمُ حَجَّةٍ في العُمْرِ حَجَّةُ قلبِيَ العارفْ

يطوفُ هناك حَوْلَ البيتِ وهْوَ البيتُ والطائِفْ

هنالكَ حيثُ يسمو الوصفُ حتى يُعْجِزَ الواصِفْ
83


أتَيتُ وأترك الدنيا قريراً سالِمَ الصَدْرِ

صلاةُ محبَّتي شِعْرِي زكاةُ محبَّتي عُمْري

أحاذرُ رِدَّةً في الحبِّ ليس لها "أبو بَكرِ"
84


فَرَقتُ بصوتِيَ الضوئي بين الحبِّ والبَغْضَاءْ

وكنتُ على فمِ العُشّاقِ في الصحْراءِ قطرةَ ماءْ

 فهل مَهْرُ الحنينِ البِكْرِ تلك الطعنةُ النَجْلاَءْ؟!
85


لقد ضاقَ الحصارُ وبابُنَا للمُلْتَقَى طَعْنةْ

وليس وراءَها إِلاَّ قميصٌ يقْطُرُ الفِتْنَةْ

أنا أَتْمَمْتُ فيكِ الصومَ والإِفطارُ في الجنَّةْ
86


سَيَنْبُتُ من دمِي شَجَرٌ على أغصانِهِ الشهداءْ

ومسكونونَ بالأسرارِ يحترقُونَ دون رياءْ
 
وبكَّاؤونَ في الأَسْحَارِ ليسَ لَهُمْ سواكِ عَزاءْ
87


أحُبُّكِ فليصدِّقْني الصَّدَوقُ ويجْحَدِ الجاحدْ

ففيكِ هزَمتُ من سَخِروا بزهرةِ حُبِّيَ الخالدْ

أُحِبُّكِ فليكُنْ مِنِّي الشهيدُ ومنهُمُ الشاهدْ!!
88


فأنتِ وقفتِ بِي في الصمتِ ثم هتفتِ بِيْ: غَنِّ

فقلتُ:الحتفُ دونَ الوصفِ إِنَّ الشِّعرَ لا يُغْنِي

فأنتِ منحتِني إِياهُ ثم أخذْتِني مِنيِّ
89


وأنتِ وقفتِ بِي فِي البَوْحِ ثم هتفتِ: مِتْ صَمْتا

فلمْ أعرفْ مَعَ الأحياءِ قَلْبي أَمْ مَعَ الموتَى!

فكيف نَذَرتنِي للشوقِ سائلةً: هل اشتقتا؟
90


"بلالُ" العاشِقْينَ أنا وسيِّدُ أهلِ طائفَتي

هَزارُ السِّدْرةِ العصماءِ فَوْقَ الفَوْقِ قافيتي

هديلُ الوجْدِ في قلبي وصدْقُ الوحْيِ في شَفَتِي
91


أضِئنِي مرةً يا حُبُّ قِدِّيساً وُصْوفيَّا

وخُذْ شِعْراً مِنَ الفردوسِ يبقَى دائماً حيَّا

فليسَ يموتُ من سَيموتُ موتاً "سَهْرَوَرْدِيّا "
92


وكَمْ مِنْ مدَّعٍ في العشقِ كَمْ مِنْ كاذبٍ وَصَفَهْ!

ونحنُ ملوكُ أهَلِ العشقِ نَعرِفُ وحدَنَا شَرَفَهْ

لقد ذُقْنَا فَصْدَّقْنَا ومن ذاقَ الهوى عَرَفَهْ!!
93


أنا الأقطابُ والأبدالُ بازُ الوَجْدِ والهِمَّةْ

إِمامُ أَئِمةِ العُشَّاقِ شَطْحِي يُمْطِرُ الحِكْمَةْ

أنا (كافُ) الكًمًالِ بـ"ِكُنْ" و(نونُ) النورِ في الكِلْمةْ
94


أُحِبُّ كأنَّ "رابعةً" أَضَاءَتْ فِيَّ وائتَلَقَتْ

بأحَدَاقي فإِنْ نَطَقَتْ بَكَتْ وإِذا بَكَتْ نَطَقَتْ

وإِنْ نَظَرَتْ رأَتْ سُفَنَ الرجوعِ جميعَها احْتَرقتْ
95


سَأَسْكُبُ دَمْعَتي في النارِ تُطفِئُ حَرَّها التَّقْوى

وأشعلُ نارَ أشواقي لتَحْرِقَ جنَّةَ المأوى

لتبقَى رؤيةُ المحبوبِ غاية حبي القصوى!!
96

حَنِيْنِي ترجمانُ الشوقِ إِسْرائي فُتوحاتي

سماءُ العاشقينَ أَنا وأنتِ سَما سماواتي

فولِّى الوجهَ حيثُ أردتِ ثمَّ تكونُ مرآتي
97


أنا العلماءُ والرهبانُ والكُهَّانُ والأَحْبَارْ

وحُبُّكِ شَادَ مِئذَنَتي وشَدَّ بخَصْرِيَ الزُّنّارْ

وحبُّكِ فِتنتِي وهُدَايَ حبُّكِ جَنَّتِي والنارْ

98


أَديِنُ بِدينِ أهلِ الحبِّ قَلْبي قِبْلَةُ الإِحساسْ

أكونُ مؤذِّناً في الفَجْرِ يُوقِظُ أطهَرَ الأنفاسْ

وشَمَّاساً بِجَوفِ الدّيرِ يُوقِدُ شمعةَ القُدَّاسْ
99


أما أَوْقَفْتنِي في الشَطْحِ ثُمَّ سألتِ: ما التمكينْ؟

فناديتُ: اليقينُ رضاكِ والدنيا سواكِ ظنونْ

فقلتِ: اِذْهبْ فحيثُ يكونُ صِدْقُ الحبِّ سوفَ تكونْ
100


أما أوقفتِنِي في الصَحْوِ ثُمَّ سألتِ: ما السُّكْرُ

فقلتُ: تأكُّدُ الشطآنِ أَنَّ الموجَةَ البَحْرُ 

وإِحساسُ الربيعٍ بأنَّ شوْكَ الوردةِ العِطْرُ
102


أما أَوْقَفْتِنِي في الحُسْنِ فاستعذبتُ مَورِِدَهُ

فقلتِ: أزائلاً تَرجُو؟ فقلتُ: سَناكِ خلَّدَهُ

فقلتِ: فهل تَراني فيهَ؟ قلتُ أَجَلْ فأعْبُدهُ
103


أما أَوْقَفْتِنِي في المحْوِ ثُمَّ هتفتِ: أنتَ بِنا

فُتِنْتَ عن السنا حيناً وحين دنوتَ مِنْهُ دَنَا

فقلتُ: لِمنْ أكونُ الآنَ قلتِ: الآنَ أنتَ لنا
104


أنا المفقودُ في الموجودِ يا حِلِّي وتَرحالي

مريرٌ ماءُ تَغْرِيبِي وماءُ الملتقَى حالِ

وغيرُ الشوقِ لاريٌّ ولا زادٌ لرحَّالِ
105


سأشربُ وحدتي وأذوبُ في صَمْتَي وإِطراقي

وفي صمتي أروِّي الكونَ مِنْ ينبوعِ أشواقي

أنا الحاناتُ والأقداحُ والصهباءُ والساقي!!
106


سأصْرَخ صرخة "الشِّبْلِيِّ" حين أنارَةُ التعذيبْ

أُحِبُّكِ عَذِّبِي ما شئتِ ما يُعطِي الحبيبُ حَبيبْ

فلا كانَ الفؤادُ الصَّبُّ إِنْ لم يَدْرِ كيفَ يَذوبْ
107


أرى قَدَمِي أراقَ دَمي وهانَ دَمي وهاَ ندَمي

هتفتُ بجملةِ "الحلاَّجِ" حينَ سكِرت من ألمي

صَلاتي في رضاك تَصحُّ إِن كانَ الوضوءُ دَمي
108


فأوَّلَ ما تجلَّي الحبُّ لِي أصبحتُ إِنسانَا

وحين دَخلتُ مَعْبَدَهُ جَعَلتُ الشِّعرَ قربانا

وها أنا صرتُ قِديساً وصارَ الحبُّ إِيمانا
109


وصفتُ فَفزتُ بالفلذاتِ حتى طاحتِ الفلذاتْ

فقد أفنَى شهودُ الذّاتْ سافرةً شهودَ الذّاتْ

وليستْ تُوصَفُ اللّذّاتُ عند نهايةِ اللّذّاتْ
110


فَحَسْبِي أن يضيقَ الوصفُ -عَمَّا ارتجِي- وَصْفا

وأن أَجْلُوْ غوامضَهُ سُدىً فيشِفّ كي يَخْفَى

لكي يبقَى على الآبادِ كَشْفاً يَطْلُبُ الكَشْفَا
111


وحسبي لذَّتي في الوجدِ إِن لَمْ أُدرِكِ الموجودْ

وأن أَهَب الّذي أُعطَى لكي أُعطَى بغيرِ حدودْ

ليبقَي حبُّنَا رمزاً لوحدانيةِ التوحيدْ!!
112


أنا لكِ منْكِ فيكِ إِليكِ من أزلٍ إِلى أبدِ

ومن روحٍ إِلي جَسدٍ إِلى روحٍ بلا جسدِ

ومن أحدٍ إِلى كلٍّ ومن كلٍّ إِلى أحدِ
113


وَهِمتَ فَهِمتَ ثُمَّ فَهِمت فاظمأْ أيها النشوانْ 

\وأثقَلكَ الترابُ فَمِتْ لتخلعَ وحشةَ الأبدانْ

هناكَ -ولا هناكَ هناكَ- حَسْبُ العارفِ العرفانْ!!
114


ظمئتَ لنهلةٍ في الحبِّ ثُمَّ رويتَ وِجْدَانَك

فكُن أهلاً لكى تتلو عَلَى العُشّاقِ قرآنَكْ

هَنِيئاً قد بَلَغْتَ مُناك قُلْ: يا حبُّ سبحانَكْ!!

















































تعليقات