شهد العزلة - قصيدة أحمد بخيت ،كاملة مكتوبة

شهد العزلة - قصيدة أحمد بخيت ،كاملة مكتوبة

جمعت أبيات قصيدة :شهد العزلة كاملة من مواقع الانترنت المختلفة وقمت بإعادة كتابتها بطريقة الأبيات الشعرية بدلا من طريقة الشعر الحر .

خاصة وأن  أبيات قصيدة شهد العزلة كلاسيكية موزونة  ولعل الشاعر يأذن لنا في ذلك.

 وقمت بتصحيح بعض الاختلافات وأخطاء الاملاء بالرجوع إلي تسجيلات الشاعر نفسه أو رواية بعض الموثوقين.

شهد العزلة


شهد العزلة




(1)

رأيتُ الصمتَ والنسيانَ يجتهدان دون ضجيجْ

وأبواباً بلا معني دخولاً مرةً وخروجْ

فقلتُ أُخلّدُ البستانَ يا ليلى ببعضِ أريجْ


(2)


وقلتُ أعلّمُ الفخَّارَ شيئاً من ذكاءِ الماءْ

وأُوقظُ غفلةَ الأشياءِ كي تتكلّمَ الأشياءْ

لعلَّ زجاجةَ المصباحِ تحفظُ حكمةَ الأضواءْ


(3)


أنا ضيفٌ على الدنيا وأوشكُ أن أودّعها

وُلدتُ بحضنِ قافيةٍ وأختمُ رحلتي معها

وغايةُ شهوةِ الكلماتِ أن تغتالَ مبدعها!!


(4)


أراوغُ شهوتي للموتِ منذُ صرختُ في الميلادْ

وأعبرُ برزخي وأعودُ منتصراً على الأبعادْ

لكي أصطادَ خُلدَ الروحِ قبل تحلّلِ الأجسادْ



(5)


وأمي في صلاة الفجرِ ترفعُ وجهها للّهْ

ليُرجعَ طفلها المخطوفَ يوماً واحداً لتراهْ

فمنذُ رأى عروسَ البحرأصبح شِعْرُهُ منفاهْ!!


(6)


لقد ندهتْه جنّياتُهُ فانساحَ في الملكوتْ

ومسّتْه الرؤى فاختارَوعد النارِللكبريتْ

إذا هجرته نارُ الشعرِ ماتَ وإن دعتْهُ يموتْ!!


(7)


أنا قنينة الفوضى ولا ترتيب للصعلوك

ولا أحد سيجعلني أقدم ُ بيعة المملوك

حديثي نصف سوقي ٍ ولكن الجراح َ ملوك


8


ولدت على سرير الحب شأن أعز من ولدوا

وأتقن لعبة الأشواق أعرف ُ كيف أتقِدُ

وأعرف ما يحس الناس إن وجدوا ولم يجدوا !!


9


ولدت هناك في صبح الجنوب ِولدت والأمطار

وكان الحب يستر عريه ُفي خرقة الأنوار

وطارت صرختي الأولى يماما يلقط الأسرار



10


ولدت هناك حيث النيل والقرآن والأجراس

ودفء البوح بوح الدمع دمع الصدق صدق الناس

وكل بكارة في مصر لا يبتاعها النخاس !!


11


هنالك حيث يفضي العابر اليومي للمطلق

ولا نحتاج للكلمات والتنهيد إذ نعشق

وحيث الجبهة السمراء أفصح عندما تعرق


12


هنالك حيث تعلو الروح في زهو عل الأوجاع

وحيث فجاجة الأيام سافرة بغير قناع

وحيث تجابه الدنيا بقلب أعزل وذراع


13


هنالك حيث تشربنا الحياة فتنتشي وندوخ


وحيث طفولة الأحلام تبلغ رشدها وتشيخ


وحيث الناس ياليلاي ليست تدخل التاريخ


14


هنالك حيث يبدو العمر سعيا لاهثا وشتات


وتبدو الذات غائبة دفاعا عن وجود الذات


هنالك خيث عنف الموت يجعلنا هواة حياة


15


طريقي رحلةُ الزرزورِ يا ليلايَ للتغريدْ

ورحلةُ سيفِيَ الخشبيِّ مِنْ طفلٍ لجُرحِ شَهيدْ

ورحلةُ مُبحرٍ في الشكِّ نحوَ شواطئ التوحيدْ!!


16


خُطايَ تردُّني لخُطايَ متجهاً إلى (الكُتّابْ)

فأشرَبُ صَوتَ سيّدِنا الأجشَّ وسُورةَ الأحزابْ

وأحلامي التي تنمومهدَّدةً بألفِ عقابْ!!


17


خُطايَ سجينةُ الصوتِ الأجشَّ تراوغُ السجّانْ

تراقبُ ساعةَ الشمسِ التي تنمو على الجدرانْ

وعندَ خروجِها ترنو إليهِ فتلمَحُ الإنسانْ


18


وتلمَحُ صورةَ الأُمِّ التي حقَنَتْ دمي زهوا

تردُّ يداً تمدُّ لطفلِها الحلوى بلا شكوى

فأشعُرُ أنني مازلتُ أكرهُ قطعةَ الحلوى!!


19


وكان أبي يطاردُ خبزَنا في بلدةٍ أخرى

يراني مرة ويُحِبُّنِي في لحظةٍ عمرا

ويدرك أنني سهواً أضفتُ لقامتي شبرا!!


20


سلاماً يا غيابَ أبي ألم تشتَقْ لتقبيلي؟

لقد خرَجَ الفتى الوهّاجُ من برْدِ الكوافيلِ

وما عاد الصغيرُ يسيرُ مبتلَّ السراويلِ!!


21


ذهبتُ إلى بياضِ الموتِ عبْر نعومةِ الثعبانْ

وكنتُ أحسّ موسيقا الفناءِ تَخِبُّ في الشريانْ

وأُمّي تشتري بالدمعِ أيامي من الأكفانْ!!



22


سلاماً يا غيابَ أبي بريدُكَ فصلُ غبطتِنا

فهل تتقبّلُ المدنُ البعيدةُ طعمَ خُطوَتِنا؟!

وهل أعددتَ متّكَأً لنهبطَ في محطّتِنا؟!


23


أذان الفجر يبلعه عواء قطارنا الأسيان

ويحمِلُنا لمجهولٍ نشيرُ إليهِ بالعنوانْ

شَمالاً في اتجاهِ الخوفِ والأحلامِ والنسيانْ!!


24


أتينا من صعيدِ الشوقِ أفئدةً جنوبيّةْ

نفتّشُ تحتَ وجهِ الشمسِ عن خبزٍ وحرّيّةْ

وعن بيتٍ نربّي فيهِ لهجتَنا الصعيديّة!!


25


أتينا طيبةَ الغرباءِ من أبوابِها السبعةْ

فَراشاً صاعداً للكشفِ في صوفيّةِ الشمعةْ

فكانَتْ طيبةٌ أنثى تلخّص عمرَها دمعةْ!!


26


بيوتٌ لا تراها الشمسُ لا تَنْسَى ولا تُنْسَى

وأحزانٌ معتَّقةٌ وصبرٌ يهزِمُ البؤسا

وآمالٌ مؤجَّلةٌ ولم تتعلمِ اليأسا!!


27


(حَوَارِي) مِصْرَ حانيةٌ على الفقراءِ كالسكِّينْ

تدسُّ خشونةَ الأيامِ في أبنائها الماشينْ

وتُشبِعُ جُوعَ تَوْرِيَتِي وتدعوهم حَوَاريِّينْ!!


28


رأيتُ هناكَ طفلاً ما يرى الدنيا بأعيُنِهِمْ

يزوِّج مستحيلَ خُطاهُ يا لَيلَى لممكنِهم

يرقّ لهم إذا قرأَ الرضا في وجهِ مؤمنِهم!!


29


وكانَ هناكَ شعرٌ ما قريباً من أصابعِهِ

عميقٌ ساخنٌ عذْبٌ مريرٌ في فواجِعِهِ

طقوسُ طفولتي وصِبايَ بعضٌ من مقاطعِهِ!!


30


أنا هو ذلك الولدُ المصابُ بكبرياء الرُّوحْ

كثيراً ما يُرى خَشِناً وممتلئاً أسىً وجموحْ

فإنْ أبحرتِ داخلَهُ تَكَشَّفَ عن حنانِ مَسيحْ!!


31


أنا زهوُ الأبِ الحدّادِ حُلْمُ شبابِهِ الناضرْ

على إيقاعِ ساعدِهِ الفَتِيِّ ترنّمَ الطائرْ

أنا الحدَّادُ يا لَيلَى وزنْدُ أبي هُوَ الشّاعِرْ!!



32


خُذِي ما شِئتِ من سَهَرِي وكُوني الليلَ والشمْعا

خُذِي ما شِئْتِ من تَعَبِي وكُوني الخبزَ والنّبْعا

عسانا نلتقي بالصبح في مُدُنٍ بلا جوعى!!


33


أنا من هؤلاء الناسِ أبناءِ الترابِ الحيّْ

وأبناءِ العذابِ الفرضِ أبناءِ الأسى الجبريّْ

يَمُرُّ السهمُ في دَمِهِمْ فيرتدُّ النزيفُ إليّْ!!




34

هُمُ الفقراءُ مِلْحُ الأرضِ قلبُ العالَمِ الدافئْ

خُطاهمْ في مدائِنِهِ المُدانةِ تَوبَةُ الخاطئْ

فهل تَتَنَكَّرُ الأمواجُ يا ليلايَ للشاطئْ؟!!



35


قرأتُ كتابَ من يمشونَ مقهورينَ منسيِّينْ

فأسمَعَنِي هُتافَ الرُّوحِ يخفقُ في عذابِ الطينْ

فكيفَ أغمِّضُ العينين عن صوفيّةِ الماشينْ؟!


36


أهاجرُ من تفاعيل الخليل لحزنيَ الرائعْ

ألحّنُ ضحكةَ الأطفالِ أو تنويمةَ الجائعْ

فهل علِمَ البلاغيّونَ أن الشِّعْرَ في الشارعْ؟!


37


رأيت شجارَ أرملةٍ تغالط بائعَ الألبانْ

وثقبُ ردائِها المبتلِّ يجلِدُ جارَها الشهوانْ

وطفلاً عاريَ الفخذَيْنِ يحبو نحوَها بأمانْ


38


وكهلاً يحرسُ الإعياءَ في ركنٍ من المقهى

وكلُّ هزائمِ الأيامِ خلفَ الضّحْكَةِ البلها

يرى تنُّورةً فيُطِيلُ عمرَ النظرةِ الولهى!!


39


وخلفَ نوافذِ الأوهامِ تقعي العانسُ الشمطاءْ

تخبّئُ في الليالي السُّودِ عجْزَ الخصلةِ البيضاءْ

وحُلمُ العُرْس في أهدابها يغفو على استحياء!!


40

هنالِكَ رغمَ هذا الضعفِ وجهُ القوّةِ البسّامْ

سطوعُ الرُّوحِ في الإنسانِ ضدَّ جهامةِ الآلامْ

صمودُ الساعدِ العالي أمامَ ضراوةِ الأيامْ!!




41

أُسَمِّي الشِّعرَ دائرةَ الدمِ الوهَّاجِ حولَ الجُرْحْ

لأنَّ صِياحَ هذا الديكِ حينَ يرشُّ ضوءَ الصبحْ

يخيِّرُني فإمّا البَوحُ يا لَيلَى وإمّا البَوحُ!!


42


رأيتُ إرادةَ الفقراءِ وَهْيَ تخوضُ حربَ الخبْزْ

وتنزِفُ دونَ فلسفةٍ ودونَ بلاغةٍ أو عجْزْ

رأيتُ صلاةَ دمعتِهِمْ فكيفَ أرى ولاَ أهتزّْ!!



43


أضيئيني بنارِ الخلقِ وانتسبي إلى نبضي

أكُن مِشكاةَ عرفانٍ وإنجيلاً منَ الرفضِ

أضيئيني أكُن وحياً إلهيّاً على الأرضِ


44


رأيتُ الحبَّ في شجنِ الأزِقّةِ يحرُسُ الإنسانْ

سمعتُ سعالَهُ في الفجرِ يُطعِمُ رُوحَهُ القرآنْ

ويغسِلُهَا من الأيامِ في تسبيحةِ الكروانْ


45


أليسَ الحبُّ معجزةَ السماءِ وموسمَ النعمةْ؟

فكيفَ يصيرُ في عُلَبِ الأسى ومدائنِ النقمةْ

حصاناً عاجزاً في القَيدِ يطلُبُ طلقةَ الرحمةْ؟!


46


أضيئني بماءِ الحُبِّ حتّى أقهَرَ الأحزانْ

وأُبدِعَ آيةَ الخُلْدِ التي لا تعرِفُ النسيانْ

وأقطفَ مِنْ سماءِ اللهِ فجراً ساطعَ الإيمانْ!!


47


على شبّاك جارتِنا رأيتُ الفُلَّ والريحانْ

أغاني العندليبِ تقولُ ما لا يفهَمُ الجيرانْ

فيا شُبّاكَ جارتِنا تُراكَ تقولُ: كانَ.. وكانْ؟!


48


ذهبتُ إلى زمانِ الحُبِّ حتّى لحظةِ التوديعْ

وفيهِ عرفتُ أنّ خطايَ في ليل الحنينِ شموعْ

وأني فيهِ سوفَ أضيعُ أحياناً وسوفَ أضوعْ!!


49


ذهبتُ لشارعٍ يُفضي إلى أسوارِ مدرستي

لأوّلِ رعشةٍ في العمرِ لا تحتاجُ للّغةِ

لضحكةِ طفلةٍ للآنَ تكبُرُ في مخيِّلَتي


50


هناكَ عرفتُ كيف أعطِّرُ الذكرى لأبكِيها

وأحملُ يُتْمَ دمعتِها بقلبي كي أربِّيها

وأحرسُها من النسيانِ منّي من لياليها!!


51


هناكَ عرفتُ كيفَ أتوهُ في برّيةِ الأشواقْ

وأقرأُ صمتَ عاشقةٍ مكلَّلةٍ بدمعِ فراقْ

لأعرفَ أنه لا بدّ من ألمٍ ومن عُشّاقْ!!


52


وراءَ أصابعِ المخلوقِ تقبَعُ شهوةُ الخلْقِ

ومن قلقِ الجمالِ المرِّ تُقطَفُ وردةُ الشوقِ

ومن شطحِ الخيالِ الحرِّ تُشرِقُ آيةُ الصدقِ


53


أضيئيني فإنَّ الشِّعْرَ هندسةٌ إلهيّةْ

تَرُدُّ لكائناتِ الأرضِ نفحتَهَا السماويّةْ

تحوِّلُ قسوةَ الدنيا إلى حُبٍّ وحرّيّةْ!


54


رأيتُ أمومةً في الفجرِ تعجِنُ خُبزَنا بالحُبّْ

وتُنْضِجُهُ على مَهَلٍ على مَهَلٍ بنارِ القلْبْ

وتعطينا الصِّبا وتسيرُ باسمةَ الخُطى للشَّيبْ!!


55


رأيتُ ملابسي تنمو على حَجَرٍ بشطِّ النِّيلْ

وأمي في خيالِ الشطِّ تعصِرُ قلبِيَ المبلولْ

رأيتُ ملابسي تنمو هل الأيامُ حبلُ غَسيلْ؟!


56


رأيتُ الكائناتِ هناكَ تكتُبُ شِعرَها العالي

وترفَعُ وجهَهَا للهِ في صمتٍ وإجلالِ

وكنتُ على ضفافِ النايِ أشرَبُ دمعَ موّالي!!


57


تقولُ شُجَيْرَةٌ للريحِ: جرِّبْ مهنَةَ الأشجارْ

رَضِيتُ أنا بأنْ أرضَى وأنتَ اخترتَ أن تختارْ

إذا أوغلتَ في الأعماقِ تعرفُ لذّةَ الإثمارْ!!


58


يقولُ الرِّيحُ للأشجارِ ذُوقِي لذّةَ الإبحارْ

رأيتُ ابنَ الترابِ يُقيمُ حولَ ثمارِكِ الأسوارْ

ضربتُ شراعَهُ فمضى  وجرَّبَ  واصطفى وأنارْ!!



59


وتهمِسُ وردةٌ للشوكِ: ما أقساكَ! ما أقساكْ!

أقابلُ زائري بالعطرِ تجرَحُ أنتَ مَن يلقاكْ

لماذا يُصبِحُ الوخْزُ الأليمُ هِوايةَ الأشواكْ؟!



60


يقولُ الشوكُ: يا أختاهُ لم تتفهّمِي لُغزِي

فليسَتْ حِرفَةَ الآلامِ شرّاً فاشكُرِي وَخْزِي

فبالقبحِ الجميلِ حرسْتُ عجزَ الحُسنِ لا عجزي!!


61


رأيتُ الشمعةَ الخرساءَ ترفَعُ قلبَها المشبوبْ

وتهمِسُ: في سَبيلِ النورِ هذا القلبُ حينَ يذوبْ

فأنتَ اخترتَ لي يا حُبُّ أن أُهْدِي السَّنا وأغيبْ!!


62


رأيتُ زواجَ عصفورِ الصّباحِ بطلقةِ الصيّادْ

وناياً صادقاً كالموتِ يعزفُ كَذْبةَ الميلادْ

وحقلاً بامتدادِ العُمْرِ يشكُرُ مِنجَلَ الحصّادْ!!


63


ذهبتُ لرَفِّ مكتبتي تهاوَتْ كلُّ أصنامي

كبرتُ بداخلي كبرَتْ على كتِفَيَّ أحلامي

فهل صارَ الزّحامُ أنا أمِ الأوراقُ أيامي؟!


64

ذهبت لقيصرٍ لأموتَ تحت عباءَةِ الضِلِّيلْ

سمعتُ تلاوةَ ابنِ العاصِ عندَ زواجِهَا بالنيلْ

وذقتُ مَواجِدَ الشِّبْلِيِّ وَهْوَ يصولُ دونَ وُصُولْ


65


ذهبتُ إلى يقينِ البحرِ عبرَ تشكُّكِ الموجةْ

دلفتُ إلى نضوجِ الصمتِ عبرَ سذاجةِ اللهجةْ

فهل يأتي صباحٌ ما تضيِّفُنِي به البهجةْ؟!


66


دخلتُ مقاهياً ومنافياً وخنادقاً وسجونْ

وجاء لغرفتي قتلى وعُشّاقٌ وصوفيُّونْ

وثُوّارٌ وأزلامٌ  وأبطالٌ ومهزومونْ!!


67


وجاءَ الشِّعْرُ كالضيفِ الغريبِ يدقُّ في استحياءْ

فتحتُ لَهُ فأطفأَ شمعتي وأضاءني وأضاءْ

ومنذُ لبستُ خِرقَتَهُ عرفتُ الرقصَ فوقَ الماءْ!!


68


وفيهِ عرفتُ أنَّ "يكونُ" تَعنِي أنهُ قدْ كانْ

وأن "الآنَ" لا معنى لها في لُعبَةِ الأزمانْ

وأني في غدٍ سأكونُ شخصاً لا أراهُ الآنْ!!


69


وفيهِ عرفتُ أنّ الموتَ وجهٌ دُونَمَا قَسَماتْ

وأني غارقٌ في الجُرْحِ حتّى أغسِلَ الكلماتْ

وأنّ الحزنَ والألَمَ العظيمَ هما مرايا الذّاتْ!!


70


أنا المتغرِّب الأبديُّ والمتفلسفُ المجنونْ

أُحبُّ البحرَ والشهداءَ والشِّعْرَ الذي سيكونْ

وأصحابي صعاليكٌ وعُشّاقٌ إلهيُّونْ!!


71


وأصحابي مزيجٌ مِنْ نقاءِ الثلجِ والنارِ

ومن عذريَّةٍ جُرحَتْ بنابِ الشَّهوةِ الضّاري

ومن تاجِ الملوكِ على جبينِ الزاهدِ العاري


72


وأصحابي الذينَ رأَوْا عِناقَ الخُلْدِ للعابرْ

يحبّونَ الحياةَ بكلِّ ما في قلبِها الزاخرْ

طرائدُ هذه الدنيا رماهم حبُّها الكافرْ!


73


ذهبتُ لشارع الأصحابِ ذُقتُ حلاوةَ الغربَةْ

وذقتُ مرارة الـ وَحدي وَوَحدي كنتُ في الصحبَةْ

يئنُّ طُمُوحِيَ المجروحُ عبرَ مدائنِ الرغبَةْ!!


74


صَحَابِي غرَّبَتهُمْ مِصْرُ عن أزهارها المُرّةْ

فتاهوا في فيافي الحزنِ محزونينَ بالفطرةْ

ومِصْرُ يتيمةُ الضَّحِكَاتِ تقطفُ وردةَ الحسرَةْ!!


75


سنترُكُ مِصْرَ كمْ بلدٍ سيهدمُنا لكي نبنيهْ!

وكمْ بلدٍ سنشكُرُهُ وتشتمُنا عيونُ بَنِيهْ!

سنخرُجُ دائماً مِنْ مِصْرَ أصبحنا يهودَ التِّيهْ


67


صديقي لاعبُ الشِّطْرَنْجِ يرشقُ في دَمِي قَوْلَهْ

لنا جيشانِ من خَشَبٍ هنا سنؤسِّسُ الدولَةْ

وقبلَ النقلةِ الأولى كلانا يخسِرُ الجولَةْ!!


77

بلادٌ صُبْحُها خَرَسٌ وعمياءٌ لياليها

رؤوسُ رجالها انخفضَتْ لكي تعلو مبانيها

بلادٌ كلّما انطفأَتْ أضاءت رُوحُنا فيها


78


بلادٌ ترمُقُ الجلاّدَ وهْوَ يهيّئُ التابوتْ

فترفَعُ قلبَها العاري علي سيفٍ من الجَبَرُوتْ

بلادٌ رغمَ هذا الموتِ ليسَ تَموتُ ليسَ تموتْ!!


79


تعرِّي نهدَها الكلماتُ تفضَحُ شهوتي شَفَتي

أكونُ أنا ولستُ أنا وتُصبِحُ ذاتُها لُغَتِي

وحينَ أنامُ يصحو الفَجرُ في أهدابِ أغنيتي!!


80


ذهبتُ لشارعِ الأنثى وكانت وردةً من نارْ

أدوسُ بزهوِ أغنيتي بريقَ حُلِيِّها تنهارْ

وتلبَسُ جَمْرَ أيامي وتخلَعُ عُرْيَها بوقارْ!!


81

إذا حضنَتْ يدايَ الموجَ تخسرُ كبرياءَ الماءْ

وإن عبرَت خُطايَ الرملَ تهتكُ عفّةَ الصحْراءْ

هل العرفانُ قتلٌ ما نمارسُهُ بغيرِ دماءْ؟!


82


صداقتُنا معَ الدنيا صداقةُ شمعةٍ للرِّيحْ

ورحلتُنا مع الأيامِ رحلةُ شاهدٍ لضريحْ

وجُلْجُلَتِي على كَتِفي كلانا ذابحٌ وذبيحْ


83

قرأتُ فضاءَ أيامي كما قرأ السما عصفورْ

كلانا يجتلي قمرَ الحقيقةِ من وراءِ السورْ

نخافُ الليلَ أحياناً وأحياناً نخافُ النُّورْ!!


84

صباحي مُتخَمٌ بالتبغِ والكلماتِ والقهوةْ

بصوتِ المرأةِ المعجونِ بالأحزانِ والشهوةْ

فهلْ تتكرّرُ الدنيا كما تتكرَّرُ الهفوةْ؟!


85


ستُوقِظُ أُمِّيَ الطفلَ الذي لم تَنْسَهُ فيّا

وتُوقِظُ عمرَها المسفوحَ في أضواءِ عَينَيّا

فأصحو والدعاءُ الحُلوُ  يخفقُ بينَ كفَّيّا


86

وتصحو لذّةُ الضَّحكاتِ في فُرشاةِ أسناني

ويصحو كبرياءُ الرُّوحِ في ياقاتِ قمصاني

ويصحو الشايُ والإفطارُ  والذكرى وأحزاني


87


أُعِدُّ طفولتي للماءِ رُوحِي للأسى الساطعْ

وصدري للمدى المفتوحِ قلبي للهوى الجائعْ

عزائي لليقينِ الحُرِّ مِلحَ خطايَ للشارعْ!!


88


خُطايَ دمٌ بلا معنى يسيلُ على رَصيفِ الشمسْ

فهل يتوجع الإفريزُ مثلي والدروبُ تُحِسّْ

أأرقُصُ رقصةَ المذبوحِ محتفلاً بِعِيدِ اليأسْ؟!


89


أرى مدناً من الإسْمَنْتِ تعلو عالَماً ينهارْ

وأرصفةً بلا شجرٍ وأزمنةً بلا أشعارْ

وأعواماً مفخَّخةً تحاصرُني بنصفِ نَهَارْ!!


90


أرى صرخاتِ حافلةٍ تَخَضَّبَ وجهُها الجافي

وطفلاً من رصيفِ الموتِ يصعَدُ صوتُهُ الصافي

يبيعُ الفُلَّ والإسفلتُ يأكُلُ قلبَهُ الحافي!!



91


أرى دُكّانَ بقّالٍ يبيعُ الحُبَّ للعشاقْ 

وبَنْكاً دُونَ حُرّاسٍ يبيعُ الحلمَ والأشواقْ

فمِنْ أينَ اشترينا الحزنَ يا لَيلَى بغيرِ فِراقْ؟!!


92


أرى نهدَينِ يشتعلانِ في ليلٍ بغيرِ حبيبْ

ويشتريان فاكهةً وأثواباً وأجرَ طبيبْ

أرى نهدَينِ يبتاعانِ خُبزَهُما ببعضِ ذنوبْ!!


93


أرى بغلاً يبيعُ الوعظَ ذئباً يرتدي البابْيُونْ

وكونْشِرْتو الحَمِيرِ يبشِّرُ الدنيا براسْبُوتِينْ

وشِيكِسْبِيرَ في مَقْهَى الجرادِ يسبُّ لامارْتِين!!


94


أرى الرشّاشَ وهْوَ يُطيلُ لحيتَهُ الظلاميّةْ

مؤخّرَةَ الشُّعُوبِيِّينَ في الصُحُفِ الإباحيّةْ

أرى ليلاً مغوليّاً ومقبرةً جماعيّةْ


95


أرى فيما أرى عُريَ الكلامِ على رصيفِ الصوتْ

بياضَ الدمعِ حين يسيلُ مرتدياً سوادَ الصمتْ

وعارَ الأبجديّةِ في تبجُّحِها أمامَ الموتْ!!


96


فما جدوى العثورِ على خُطَى زمني لأمشِيهَا

وتمشيني ظَهِيرَتُها إلى مَعْنَى لياليها

أيُمكِنُني العثورُ على عزاءٍ فيّ أو فِيها؟!


97


وما جَدْوَى ضَمِيرِ الجمعِ والشعراءِ والكِلْمَةْ

وقدْ شاخَ الحِصانُ الصعبُ قبلَ بلوغِهِ القِمّةْ؟

أفي وُسْعِ القصيدةِ أن تؤجِّلَ طلقةَ الرحمةْ؟!


98


وما جَدْوَى العثورِ على نبيذِ القلبِ في الجملةْ

وتنسيقِ الجراحِ على طُقُوسِ الطعنَةِ السهلةْ؟

أيُمكِنُنِي العثورُ على سماءِ الرُّوحِ في العُزْلَةْ؟!


99


صهيلُ الجبهةِ السمراءِ يَنسبِنُي لشمسِ اللهْ

فأصعَدُ في نشيدِ الأرضِ قلباً مشرقاً بأساهْ

وأهتفُ: ما أمرَّ نَدَاكَ يا شِعْرِي وما أحلاه!!


100


تُرَى أتكونُ أنتَ عزاءَ أُمِّي في الفتى الأسمرْ؟

وهل تَحْمِي أمومَتَها الجريحةَ عندما تسهَرْ؟

تُرَى أتُطِيقُ قهوتَهَا الحزينةَ دونما سُكّرْ؟!


101


تُرَى أتعلِّقُ الذكرى على أسوارِ نِسياني

لطفلٍ يحمِلُ اسْمِي الصعبَ ممتنّاً لأشجاني

وسيِّدةٍ تفتِّشُ في ابْنِها عنّي لتلقاني؟!


102


تُرى أتكونُ تعويضَ الأُبُوّةِ عَنْ أمانيها؟

وعن مستقبَلِ الشجرِ الذي روّاه ماضيها

وعنْ ميلادِها الثاني إذا شابَتْ لياليها؟!


103


تُرَى أتذكِّرُ الأصحابَ بي وبصحوِ أفكاري

بِزَهْوِ يفاعتي بحنانِ أغنيتي بأمطاري

بتاريخي المدجَّجِ بالجراحِ وبالأسى الضاري؟!


104


كمالي في زوالي فِضْ فليسَ القلبُ إلاَّ النبضْ

عزائي أنّهُ ما من عزاءٍ يُرتجى في الأرض

وما مِنْ فرصةٍ أخرى لهذا الرفضِ إلاَّ الرفضْ!!


105


فعلِّقْ حُرقَتِي بِكَ فِيكَ حفنةَ أَنْجُمٍ وشموعْ

وأَنْبِتْ سلوتي بِكَ عنكَ غرساً من دمٍ ودموعْ

لعلِّي في خريفِ الجدْبِ أُزهِرُ مرّةً وأضوعْ!!


106


وخُذْ من شاطئِ الأهدابِ أصدقَ ما يبلِّلُها

وخُذْ من جبهةِ الأيامِ أروعَ ما يكلِّلُها

فلي وترٌ وأغنيةٌ ستُكمِلُني وأُكمِلُها!!


107


قليلٌ من جنونِ البحرِ يُبدِعُ حكمةَ الشاطئْ

قليلٌ من صُرَاخِ الجُرْحِ يُبدِعُ موتَكَ الدافئ

فقُلْ ما شِئتَ قُلْ ما شِئتَ يا قِدِّيسِيَ الخاطئْ


108

أنا المصنوعُ من تبغي الرخيصِ وقهوتي المرّةْ

ومن ماءٍ سماويٍّ يرطِّبُ صرختي الحرّة

ولا أحتاجُ مقبرةً تسمِّي نفسَهَا الشُّهْرةْ!!


109


أنا اللصُّ الذي يستلُّ من أيامِهِ العمرا

يغربلُهُ ويخبزُهُ ويصنَعُ كعكةَ الذكرى

ومن رَحِمِ الأغاني البِكْرِ يُولَدُ مرّةً أخرى


110


سنمشِي ما يزالُ القلبُ يعشَقُ مَجْدَهُوأساهْ 

وما زِلْنا نُريدُ الحُبَّ حُبّاً والحياةَ حياةْ

سيصعَدُ صوتُنا للهِ إنْ كانَ النشيدُ صلاةْ!!


111


سنمشِي ما تزالُ الشمسُ تُشرِقُ والرؤى عذراءْ

ومازالَتْ سماءُ اللهِ تعشَقُ طلعَةَ الشُّهَدَاءْ

ومازالَت يدا جِبْريلَ تمسَحُ جبهةَ الشّعَرَاءْ


112


سنمشِي لا تَقُلْ إنَّ الدروبَ لَهَتْ بعابرِها

وإنّ غريزَةَ النسيانِ أقوى من مشاعِرِها

وإنَّ الأغنياتِ تموتُ بعدَ غيابِ شاعِرِها!!


113


سنمشِي تعرِفُ الخُطُوَاتُ كيفَ تخطُّ سيرَتَها

وتعرِفُ لذّةَ الفشلِ النبيلِ أمامَ كبوتها

وتعرِفُ أنها في الضَّعْفِ تبلُغُ أَوْجَ قُوّتِها!!


114


سنمشِي.رُبّما وَصَلَ الكلامُ لشاطئِ المعنى

سنلعَبُ لُعبَةَ الدّنيا إلى أنْ تنتهي منّا

سنمشِي.. سِرْ معي في الدَّربِ حَسْبُكَ أنّنا سِرْنا







حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-