هيكل القصيدة الشعرية

هيكل القصيدة الشعرية



مكونات القصيدة


إذا كانت مفاهيم النقد الأدبي الحديث ترفض التمييز بين شيئين مثل "المضمون" و"الصورة" في الشعر، وتأبى إلا أن تعدهما شيئًا واحدًا لا يمكن تجزئته إلى اثنين، فإننا في بحثنا هذا مضطرون -ولو ظاهريًّا- إلى أن نعود إلى المفهوم القديم فنجزئ القصيدة إلى عناصرها الخارجية؛ لندرس العلاقات الخفية التي تربط بعض هذه العناصر ببعضها حتى تجعل منها ذلك النسيج الحي المتكامل الذي هو القصيدة. ولعلنا نحتاج إلى أن نذهب أبعد حتى من النظرة الدارجة فلا نكتفي بالتمييز بين المضمون والصورة، وإنما نميز أيضًا بين الصورة الوزنية الموسيقية التي تقوم على الأبيات والأشطر والتفعيلات، والصورة البنائية التي تستند إلى موضوع القصيدة. ومن دون هذا التمييز المبدئي الذي نريده في بداية بحثنا هذا لن نستطيع أن نشخص الأسس النظرية التي يطيعها الشاعر -غير واعٍ- وهو ينظم قصيدته.

وهكذا نجدنا نبدأ بتكسير القصيدة إلى عناصرها الرئيسية التي لا تزيد، في نظرنا، على أربعة

  1.  الموضوع، وهو المادة الخام التي تقدمها القصيدة.
  2.  الهيكل، وهو الأسلوب الذي يختاره الشاعر لعرض الموضوع.
  3.  التفاصيل، وهي الأساليب التعبيرة التي يملأ بها الشاعر الفجوات في أضلع الهيكل.
  4. الوزن، وهو الشكل الموسيقي الذي يختاره الشاعر لعرض الهيكل.

وسوف يلوح لنا، كلما أمعنا في دراسة هذه العناصر مجزأة، أن بينها ترابطًا خفيًّا لا يمكن فصمه، وأن القصيدة ليست إلا هي كلها مجموعة. ومع أننا سنحرص على أن نقول كلمة عابرة عن الموضوع والتفاصيل والوزن، إلا أن هذا البحث مكرس لدراسة الهيكل وحده، والحق أنه أهم عناصر القصيدة، فهو العمود الذي ترتكز إليه العناصر الأخرى كلها

موضوع القصيدة الشعرية


أما الموضوع فهو، من وجهة نظر الفن، أتفه عناصر القصيدة؛ لأنه في ذاته، قاصر عن أن يصنع قصيدة، مهما تناول من شئون الحياة. إنه مجرد موضوع خام، فليست فيه خصائص تدل الشاعر على طريقة يعالجه بها. وإنما هو أشبه بطينة في يد نحات، يستطيع أن يصنع منها ما يشاء. إن القصيدة ليست كامنة في الموضوع، وإن كان هذا لا ينفي أن من الممكن أن نصوغ، من أي موضوع، عددًا لا نهاية له من القصائد. وهذا يجعل من الضروري أن نقرر أن الموضوع شيء غير القصيدة ولا دخل له في تكوينها.

إن نظرتنا هذه إلى الموضوع تجعل الدعوة الاجتماعية -أو دعوة الالتزام- التي تضج بها الصحافة منذ سنين - دعوة غير منطقية بالنسبةللشعر. ذلك أنها تطالب بتحديد ما لا صلة له بالقصيدة، وهو الموضوع، وبذلك تقحم على الشعر عنصرًا غريبًا عنه. والواقع أن قيام القصيدة على موضوع اجتماعي شيء لا غبار عليه إطلاقًا، بشرط ألا نعد هذه الاجتماعية فضيلة فنية مميزة تعطي الموضوع شعرية خاصة غير عادية.

وإنما يصبح الموضوع مهمًّا، ويستحق الالتفات، في اللحظة التي يقرر فيها الشاعر أن يختاره لقصيدته، فهو إذ ذاك يوجه الهيكل ويمشي معه. وأول شرط في الموضوع أن يكون واضحًا محددًا، لا كموضوعات تلك القصائد التي تدور وتدور فلا يخرج منها القارئ بطائل. ومن هذا الصنف تلك القصائد التي يكون موضوعها عامًّا يشمل جوانب واسعة لا حدود لها من الأفكار والتصورات وهو صنف يتخلص منه الشاعر عندما يضع له عناوين عامة مثل "خواطر" أو "تأملات" أو "رباعيات" ونحو هذا. مثل هذه القصائد تستند، في واقع الأمر، إلى عقيدة واهمة من الشاعر في أن الموضوع وحده يكفي لإنشاء قصيدة، وما دامت القصيدة تعالج أفكارًا مفيدة ذات طلاوة فهي تبرر وجودها تبريرًا تامًّا. وليس هذا مقبولًا من وجهة نظر الشعر. وإنما ينبغي أن تكون القصيدة موحدة، مبنية، لا أن تمتلئ بمادة تكفي لإنشاء عشرين قصيدة.

وخلاصة ما يمكن أن نقول في الموضوع أن القصيد ليست موضوعًا وحسب وإنما هي موضوع مبني في هيكل

هيكل القصيدة الجيد وصفاته:

لا ريب في أن الهيكل هو أهم عناصر القصيدة وأكثرها تأثيرًا فيها. ووظيفته الكبرى أن يوحدها ويمنعها من الانتشار والانفلات ويلمها داخل حاشية متميزة. ولا بد من الإشارة إلى أن الموضوع الواحد لا يفترض هيكلًا معينًا وإنما يحتمل أن يصاغ في مئات من الهياكل بحسب اتجاهالشاعر وقدرته الفنية والتعبيرية. ومهما يكن فلا بد لكل هيكل جيد من أن يمتلك أربع صفات عامة هي التماسك والصلابة والكفاءة والتعادل.

أما التماسك فنقصد به أن تكون النسب بين القيم العاطفية والفكرية متوازنة متناسقة، فلا يتناول الشاعر لفتة في الإطار ويفصلها تفصيلًا يجعل اللفتة التالية تبدو ضئيلة القيمة أو خارجة عن نطاق الإطار. ومثال هذا الخروج على التماسك قصيدة لبدر شاكر السياب عنوانها "حفار القبور"2 تقع في أربعة مشاهد واضحة كان ينبغي أن ينال كل منها من عناية الشاعر ما يساوي عنايته بغيره، ولكن الشاعر، لسبب ما، تلكأ طويلًا في المشهد الأول وحلل نفسية الحفار في بطء شديد. ثم تقدم في عجلة، إلى المشاهد الثلاثة الباقية فأجهز عليها في غير عناية. ذلك مع أن القصيدة لم تبلغ قمتها العاطفية ومن ثم قمتها الدراماتيكية، إلا في المشهد الرابع. وهذا كله قد أخل بتماسك الهيكل وضعضعه فتفكك وأساء إلى هذه القصيدة التي تمتاز بما فيها من صور وانفعالات وحركة ملموسة يحسها القارئ عبر المشاهد المتلاحقة.

وثاني صفات الهيكل الجيد، الصلابة، ونقصد بها أن يكون هيكل القصيدة العام متميزًا عن التفاصيل التي يستعملها الشاعر للتلوين العاطفي والتمثيل الفكري. وتكبر قيمة هذه الصفة في الهيكل الهرمي كما سيأتي. والتشبيهات والأحاسيس ينبغي أن تكون تفاصيل سياقية عارضة يحرص الشاعر على كبح جماحها بحيث لا تضيع فيها حدود الخط الأساسي في الهيكل. ويتضمن هذا أن الصور والعواطف ينبغي ألا تزيد عما يحتاج إليه الهيكل، فقد ثبت في حالات عديدة أن هذه الزيادة المعرقلة تفقدالقصيدة كثيرًا من قيمتها الجمالية. ومن نماذج الإطار الرخو الذي لا يملك مزية الصلابة قصيدة محمود حسن إسماعيل "انتظار"1 التي ضاع إطارها العام في كثير من الصور الجميلة والتفاصيل، وقد تصيدها الشاعر تصيدًا ناسيًا الخطة العامة لقصيدته حتى طغت على الهيكل وطمست معالمه.

أما الكفاءة فنعني بها أن يحتوي الهيكل على كل ما يحتاج إليه لتكوين وحدة كاملة تتضمن في داخلها تفاصيلها الضرورية جميعًا دون أن يحتاج قارئها إلى معلومات خارجية تساعده على الفهم. ويتضمن هذا معنيين:

أولهما، أن لغة القصيدة تكوِّن عنصرًا أساسيًّا في كفاءة الهيكل، فهي أداته الوحيدة، ولذلك ينبغي أن تحتوي على كل ما تحتاج إليه لكي تكون مفهومة، وهذا هو السبب في نفورنا اليوم من استعمال الألفاظ القاموسية غير المألوفة في لغة العصر. ذلك أن هذا يحتفظ بجزء من معنى القصيدة في خارجها، في القاموس. وهذا، في صميمه، يتعارض مع التعبير ومع لحظة الإبداع عند الشاعر.

وثانيهما، أن التفاصيل ونعني بها التشبيهات والاستعارات والصور – التي يستعملها الشاعر في القصيدة ينبغي أن تكون واضحة في حدود القصيدة، لا أن تكون قيمتها ذاتية بحيث تأتي أهميتها من مجرد تعلق ذكريات الشاعر الشخصية بها. وإنما ينبغي أن يعتمد المعنى الكامل للقصيدة على القصيدة نفسها لا على شيء في نفس الشاعر. ولعل معترضًا أن يحتج علينا لأننا نستبعد عن سياق القصيدة كل ما له قيمة ذاتية عند الشاعر. وجوابنا على ذلك أننا لا نمانع في أن يدخل الشاعر ما يشاء من تفاصيله الشخصية الأثيرة لديه، ولكن على أن يمنح هذه التفاصيل قيمة فنية تنبع من الهيكل نفسه. والقانون في هذا أن على الشاعر أن يحترس من الخلط بين ما لهقيمة في القصيدة وما له قيمة في نفسه. فللقصيدة عالمها الخاص المنفصل عن عالم الشعر. إنها كيان حي ينعزل عن مبدعه منذ اللحظة الأولى التي يخط فيها على الورق. وذلك هو الذي يجعل الشاعر مضطرًا إلى أن يكف عن اعتبار تجاربه كافية في ذاتها لإبداع قصائد، فالشعر لا يعترف بأية قيم عاطفية أو جمالية في خارجه، ولا بد لمن يريد أن يتغنى بمكان يحبه أو شخص يعزه أن يجعل هذا الشخص وذلك المكان حبيبًا في داخل القصيدة نفسها بمختلف وسائل الفن المشروعة.

ولا بد لنا أن نشير هنا إلى فشل تلك المحاولات التي يلجأ إليها الشعراء حين يضيفون إلى قصائدهم حواشي وشروحًا عن تاريخ الأماكن التي يتغنون بها في قصيدة ما، فليس أبعد عن روح الشعر من مثل هذا. وذلك، ولا ريب، يجعل أكداسًا كثيرة من الشعر الوطني الذي ينظم اليوم عاطلًا من القيمة الفنية؛ لأن الشاعر يعتمد فيه على المعرفة السابقة التي يملكها الجمهور المعاصر عن الأشخاص والأماكن والأحداث، فلا تكون قصيدته إلا هامشًا أو تعليقًا على الأشياء، دون أن تملك في ذاتها المستلزمات الكافية لقصيدة حول تلك الأشياء. وأما حين ستتطور حياتنا وتصبح تلك الأحداث معلومات تاريخية لا يحتاج إليها جمهور عربي متأخر، فإن نقص تلك القصائد سيظهر وسيفقدها مكانتها الفنية. ولذلك ينبغي للشاعر أن يتطلع إلى قصيدته وينسى الجمهور. فإنما التعبير المكتمل إرضاء للحس الفني المتعطش في نفس الشاعر مهما كان الجمهور قانعًا ومستعدًّا للمسامحة ومد يد المساعدة. والقصيدة التي تحوجنا إلى أن نقرأ عنها حاشية أو شرحًا نثريًّا ليست قصيدة جيدة، ولعلها -من وجهة نظر الفن- فشل يعترف به الشاعر نفسه حين يرضى أن يضع القصيدة حواشي وهوامش.

وأما التعادل الذي هو آخر صفات الهيكل الجيد فنقصد به حصول التوازن بين مختلف جهات الهيكل وقيام نسبة منطقية بين النقطة العليا فيه والنقطة الختامية. وإنما يحصل التعادل على أساس خاتمة القصيدة، حيثيقوم توازن خفي ثابت بينها وبين سياق القصيدة. فإذا كانت القصيدة تتناول موضوعًا ساكنًا كالنهر مثلًا فتصفه كما يلوح للشاعر في لحظة معينة، جاءت القصيدة تعاقب صور وانفعالات وأفكار متتالية ذات قيمة متساوية. وفي هذه الحالة تكون خاتمة القصيدة أقوى من سائرها حيث يقوم نوع من التعارض الخفي بين البيت الأخير وبقية الأبيات. أما حين تتناول القصيدة حادثًا "أو امتدادًا زمنيًّا، بكلمة أخرى" فإن الحركة تأتي من تعاقب الزمن الذي يستغرقه الحادث ويمر عبر القصيدة أمامنا. وفي هذه الحالة تكون الخاتمة متميزة عن سائر القصيدة بأن توقف هذه الحركة عند نقطة منطقية. وهي حالة يقوم فيها التعارض بين الحركة الزمنية في القصيدة والسكون في ختامها.

ومن الأساليب التي قد يختتم بها الشاعر قصيدته ما يقوم على أساس الإيقاع والموسيقى كأن تكون القصيدة ذات مقطوعات متساوية الطول رباعية أو أكثر، فيجعل المقطوعة الأخيرة ذات طول مختلف. والقصر أكثر تأثيرًا في هذه الحالة، ومنه قصيدة جميلة لمحمود حسن إسماعيل عنوانها "فاتنتي مع النهر" ختم فيها قصيدته ببيتين، بعد مقطوعات أطول بكثير، فكانت خاتمة مؤثرة من أجمل ما يقرأ للشعر من خواتم. وهذا هو المقطع الثالث منها والخاتمة:


سألته: يابن الأسى رحمة 

 فالنوح لا يُطرب سمع الصباح

فجرك رفراف السنا والمنى

 فوقك طير عبقري الجناح

ما لك لا تُلْهم غير الأسى 

 ولا تغني غير نار الجراح؟

فقال: يومًا، ستلاقي هنا 

 عذراء من حور السماء الملاح

تبحث عني، فأجبها مضى

 صبك في الدنيا شريد النواح

أنت التي أسلمته زورقًا 

 في لجة الدنيا لهوج الرياح

فمر كالنسيان بي وانطوى

 صباحه عني شقيًا وراح

فاتنتي، سر الهوى سابح

 في نور عينيك فلا تسألي

في زهوة المرج شذى نائم

 أخشى عليه يقظة المنجل


ولعل في وسعنا أن نستخلص قانونًا عامًّا يشمل الحالات التي يستعملها الشاعر في اختتام قصيدته، ومضمون القانون أن القصيدة تميل إلى الانتهاء إذا استطاع الشاعر أن يحدث تعارضًا واضحًا بين السياق والخاتمة. فإذا كان السياق هادئًا جعل الخاتمة جهورية مجلجلة وإذا كان السياق متحركًا مال بالخاتمة إلى السكون وهكذا. واحسبنا لا نحتاج إلى أن نقول إن الشاعر الحق، كل شاعر، يعرف هذا القانون بفطرته الفنية فلا يحتاج إلى أن يتعلمه أو يفكر فيه وهو ينظم. وقد نظم الشعراء في العصور كلها قصائد ذات خواتم ناجحة، دون أن يحتاجوا إلى أن أجيء اليوم لأستخلص لهم هذه القاعدة. ولكن مهمة النقد تبقى مع ذلك قائمة، والعالم مملوء دائمًا بالنظامين ومحترفي الشعر، وهؤلاء قلما يعرفون متى ينبغي أن يسكتوا. والمشاهد اليوم أن مئات من القصائد التي تنشرها الصحف تنقصها لمسة الختام وهي تترك في النفس أثرًا يشبه العطش. ذلك أنها تثير في أنفسنا توترًا ثم تتركنا لمخالبه دون أن تزيله أو تنهيه.



والحقيقة أن قراءتنا للقصيدة ليست أقل من معاناة فعلية للتجربة التي مر بها الشاعر، فإذا لم يحسن الشاعر أن يختمها ذلك الختام الطبيعي كان يخوننا ويلعب بنا ولو دون أن يقصد. وهو في ذلك كمن يسير بنا خطوة خطوة في طريق صاعد المفروض أنه يؤدي بنا إلى غاية، حتى إذا بلغنا نصف الطريق تركنا ونكص راجعًا. أن القصيدة غير الكاملةإساءة إلى القارئ وإيلام لا يبرره شيء والشاعر، بهذا المعنى، مسئول عن جماعة القراء الذين يلقون إليه قياد أنفسهم، يزرع فيها أفكاره ومشاعره فأقل ما عليه أن يخرجهم من التوتر العاطفي الذي يوقعهم فيه. وبذلك تكتمل انفعالية التي يمر بها الشاعر والقارئ، يدًا بيد، عبر القصيدة

‌‌ثلاثة أصناف من هياكل القصيدة


لم تزل هناك ملاحظات عن الملامح العامة للهيكل، غير أنني أُوثر أن يرد ذكرها عبر دراستنا التالية لأصناف الهيكل، لكي نتحاشى التكرار، ولقد استخلصت من مراجعة مئات من القصائد العربية قديمها وحديثها أن هيكل القصيدة يقوم على ثلاثة أصناف عامة لكل منها خصائص مميزة ثابتة. ولقد رأيت أن أطلق على هذه الأصناف أسماء، تسهيلًا لمهمة النقد الأدبي والبلاغة فكانت كما يلي:

1- الهيكل المسطح وهو الذي يخلو من الحركة والزمن.
2- الهيكل الهرمي وهو الذي يستند إلى الحركة والزمن.
3- الهيكل الذهني وهو الذي يشتمل على حركة لا تقترن بزمن.

ولسوف يتضح سبب اختياري لهذه التسميات حين ندرس هذه الهياكل بالتفصيل.

أ-هيكل القصيدة المسطح:




أبسط تعريف لقصائد هذا الهيكل أنها تدور حول موضوعات ساكنة مجردة من الزمن، وإنما ينظر إليه الشاعر في لحظة معينة ويصف مظهرها الخارجي في تلك اللحظة وما يتركه من أثر في نفسه. مثال ذلك أن تدورالقصيدة حول تمثال أو سفينة أو بركة فلا تصف أحداثًا تعاقبت على هذه الموصوفات، ولا تغييرات جدت عليها خلال زمن ما، وإنما ترسمها كما كانت في تلك اللحظة التي رآها الشاعر فيها: جامدة ثابتة في المكان. وفي وسعنا أن نقول إن نظرة الهيكل المسطح هي نظرة ذات ثلاثة أبعاد، على حد تعبير الرياضيين ينقصها البعد الرابع الذي تنشأ عنه الحركة الزمنية. على أن القصيدة التي تخلو من الحركة بشكلها الزمني لا تستطيع أن تستغني عن شكل آخر من أشكال الحركة يعوض لها ويبني كيانها. ومن ثم فإن شاعر الهيكل المسطح يلجأ عادة إلى أساليب أخرى يخلق بها الحركة فيسد الفراغ. وهو يصل إلى ذلك التعويض باستعمال الصور والتشبيهات والعواطف، وبذلك يمد الموضوع الساكن بلون ما من ألوان الحركة، وهكذا نجد أن الشاعر -حين يجد بين يديه موضوعًا جامدًا مغلفًا بلحظة واحدة من لحظات الزمن- يلجأ إلى التفجير عاطفيًّا ويحيط موضوعه بشحنة مشاعر قوية تعطي القصيدة نوعًا من الحبكة المعوضة. ومن هذا التعويض نشأ الشعر الغنائي الذي اغتنى به الأدب القديم. إنها حالة يؤدي فيها سكون الإطار وتسطحه إلى الارتكاز على محور القصيدة أو الموصوف فيها، وحوله يجمع الشاعر سلسلة من الأفكار والعواطف والصور.

ولكي نمثل لهذا الهيكل المسطح نستشهد بقصيدة لنزار قباني عنوانها "شباك":

حييت يا شباكها الملفوف بالبنفسج 

 أصبحت ديرًا للشحارير ومأوى العوسج

لسورك الرحيم أسراب السنونو تلتجي

 يا جنة على السحاب غضة التأرج

يا ضاحك الأستار ذات اللين والترجرج

يا راية للحب لم تخطر ببال منسج

أنا لديك، هل تعي همسي وحدو هودجي

بي لهفة تحصد أصباغ الستار الأهوج

إلا انفتحت لي فإن الشمس في توهج

هل أقرع البلور دون حلمها المموج

أم أسبق الشمس إلى غطائها المضرج

أرده على ذرع طفلة التبرج

وأجمع الشعر الذي مات من التموج

يحرسك العبير يا شباكها البنفسجي



إن الشباك، في هذه القصيدة الجميلة، ساكن، وقد وقف الشاعر أمامه في لحظة معينة، ذات صباح وراح يصفه، وقد جاء الامتداد على حساب أفكار الشاعر وتخيلاته عما وراء الشباك من أصباغ الستائر ولين قماشها وشعر الفتاة النائمة ونحو ذلك. إن تعاقب هذه التصورات غير مرتبط ارتباطًا عضويًّا، وإنما تقف كل صورة معزولة عن الصور الأخرى حتى لنستطيع، إذا أردنا، أن نقدم بيتًا على بيت وأن نحذف بيتًا هنا وبيتًا هناك دون أن تنقص القصيدة نقصًا مخلًّا. وذلك يرجع إلى كون الهيكل مسطحًا. إنه يتركب من جزيئات مرصوصة لا من وحدة كاملة مشدودة. ولو أردنا أن نضع هذا المضمون في صيغة أخرى لقلنا أن القصيدة مستوية، سائبة، غير مشدودة ذلك الشد المحكم الذي نجده في القصائد التي تصف أحداثًا. إنها قصيدة تقوم على خليط من الأبيات الجميلة، كل بيت فيها منفصل عما حوله، قائم بذاته. ومن مجموعة الأبيات لا تنشأ فكرة عامة غير الفكرة التي وردت في كل بيت، ولا يصعد الشعور إلى قمة. إن العاطفة في القصيدة موزعة بالتساوي على الأبيات، كل بيت، يصف لمسة شعورية جديدة، والإحساس لا يتكاثففي موضع دون موضع. كما أن القوى لا تتجمع لتلتقي في ذروة متشابكة وإنما تجري عناصر الموضوع مستقلة مجزأة كما يجري جدول في أرض منبسطة لا تعلو ولا تنخفض ولا تتخللها غابات كثيفة معرقلة. ولهذا نستطيع أن نحذف ما نشاء من أبيات ونقدم ونؤخر دونما حرج.

على أن أبرز خاصية لقصائد الهيكل المسطح أنها مملوءة بالفجوات، فمن السهل أن نضيف إليها ما شئنا من الأبيات دون أن نفقدها وحدة أو نسيء إلى رابطة فيها. وهذا لأنها في الأصل أشبه بأرض فضاء ممتدة لا بداية لها ولا نهاية، ولا تختلف جهة فيها عن جهة، إن في وسع الشاعر أن يوصلها إلى ما شاء من الأبيات، والشرط الوحيد أن يشدها شدًّا ما ويحدث فيها رابطة ولو شكلية. ولعل خير رابطة يلجأ إليها الشاعر في القصيدة المسطحة هي استعمال القافية الموحدة، كما يصنع نزار قباني في شعره دائمًا. وذلك لأن هذه القافية تصبح أشبه بسياج متين يشد الأبيات المفككة في داخله. والقافية الموحدة عظيمة القوة في القصيدة فهي تلمها وتمنعها من الانفلات منعًا صارمًا. ولعل هذا هو السبب في أن أغلب الشعر العربي كان مسطحًا. فقد كانت القافية الموحدة من القوة بحيث أغنت الشاعر عن التماس هيكل معقد يقوم الرابط فيه على ما هو أعمق من القافية الموحدة.

وبسبب هذا التفكك الطبيعي في القصائد المسطحة تحتاج القصيدة إلى خاتمة شامخة تكون هي الأخرى أشبه بسياج عالٍ يحد البقعة الصغيرة الممتدة وينهيها. إن ترك القصيدة المسطحة غير كاملة يضجر القارئ المرهف ويشعره بأنه لم يخرج بشيء، وهذا لأنه يوحي أن الامتداد لا ينتهي، والذهن والإنساني لا يستريح إلى الامتداد المطلق ويفضل أن ينتهي كل شيء نهاية ما. والواقع أن خاتمة القصيدة تخرجنا من هذا التمادي غير المريح، ومن هذا الاستواء، وتشعرنا بأن التيه قد انتهى إلى حدود ما. وما دامت القصيدة المسطحة – بطبعها مستوية تتساوى فيها القيمالشعورية والفكرية للأبيات، فإن الخاتمة ينبغي أن تكون جهورية مجلجلة قاطعة بحيث تبرز على سائر الأبيات وتشعرنا بالانتهاء. ومعنى الجهورية أن يحتوي البيت الأخير على حكم قاطع قوي أو عبارة بتارة تصلح لاختتام القصيدة. ومن ذلك، الدعاء اللطيف الذي ختم به نزار قباني قصيدته، فقد ألقاه بلهجة قاطعة وكأنه عبر به عن أعمق أعماق إحساسه نحو الشباك. ومهما يكن فإن البيت الأخير ينبغي أن يكون بارزًا مثيرًا ليختم القصيدة.

وختام ما ينبغي أن نقوله حول الهيكل المسطح أنه لا يتيح فرصًا لقصيدة طويلة. ذلك أن الامتداد المنبسط يضايق، والأوصاف المتتالية تصبح مملة متعبة حين لا تتخللها ذروة عاطفية تثير حماسة القارئ وذلك هو السبب في الرتابة التي نلمسها في بعض قصائد أنور العطار وهي لا تخلو من أبيات مفردة جميلة، غير أن طولها واستواء المستوى العاطفي والتعبيري في الأبيات كلها يجعل النغم ممطوطًا دون داعٍ. وخير وسيلة للنجاة من مثل هذا المزلق أن تكون القصائد المسطحة قصيرة، وتلك لفتة أدركها نزار قباني بفطرته، فهي تكاد تكون القانون في شعره كله، لا يخرج عليه إلا حين ينظم قصيدة هرمية الهيكل مثل القصيدة الرائعة الجمال "طوق الياسمين".

القوى الحركية في القصيدة:


رأينا ونحن ندرس "الهيكل المسطح" أن الموضوع الساكن لا يستطيع أن يمد قصيدة بكيان غني مقبول، وأنه ينبغي، في الغالب، أن يقوم على عناصر أخرى خارجية كالعواطف والصور لتنجح القصيدة، والواقع أن هذه الشحنة من الصور والمشاعر التي يلتمسها الهيكل الساكن إنما هيفي حقيقة الأمر، صورة من صور الحركة يحاول بها الشاعر -وهو غير واع- أن يدخل عنصر الحركة إلى هيكلة لينقذه من الجمود.

إن كل قصيدة جيدة لا بد أن تحتوي على عنصر الحركة على صورة ما، وإلا كانت قصيدة رديئة، والشاعر يدرك هذا بإحساسه ويحاول، غير واعٍ، أن يضفي هذا العنصر على قصيدته من إحدى جهاتها. فإذا كانت نقطة الارتكاز في القصيدة ساكنة كشباك نزار قباني، امتد الهيكل عاطفيًّا وصوريًّا، وكأن الشاعر -وهو يرى موضوعه ساكنًا- يدرك أنه لا يستطيع أن يصوغ من سكونه شيئًا نابضًا بالحياة، ما لم يضف إليه امتدادًا من نوع ما، فيبدأ بالأقرب وهو الصور والمشاعر التي توسع نقطة الارتكاز وتجعل نطاقها أكبر وأكثف.

ولو راجعنا قصيدة "شباك" لرأينا أن هذا الشباك -وهو ساكن- وقد اكتسب امتدادات رائعة الحسن بما أضفاه عليه الشاعر من نعوت. إنه يتسع عندما يصفه الشاعر بأنه "ملفوف بالبنفسج" ويتسع ثانية عندما يسميه الشاعر "ديرًا للشحارير" وهي صورة تمنح الذهن فرصة لتخيل مجموعة من الشحارير تتطاير وتحط عند الشباك … وبذلك اتسع أفق الشباك مكانيًّا حتى شمل المنطقة التي تحيط به، وسرعان ما تتدخل "الستائر" التي تمد الشباك إلى داخل الغرفة وتصله بكل ما فيها من حياة، وهكذا نرى الشاعر قد جعل الشباك ينبض بالحركة ووصله بأعمق أعماق الحياة المتدفقة حوله.

ب- الهيكل الهرمي للقصيدة:


الفرق الأساسي بين قصائد هذا الهيكل، وقصائد الهيكل المسطح، أن الشاعر هنا يمنح الأشياء بعدها الرابع. بدلًا من أن توصف الأشياء وهي ساكنة، ذات ثلاثة أبعاد، في لحظة واحدة من لحظاتها -كما في الصور-يبدو وكأن الشاعر قد تجرد من الزمن فراح الماضي والحاضر والمستقبل تبدو له كلها واحدًا، ومن خلالها يبدو الموصوف متحركًا، متغيرًا، مؤثرًا فيما حوله متأثرًا به. وهو عين ما يحدث في الحياة الواقعية حين تسمح للزمن أن يمر على الأشياء. فما من شيء إلا ويتحرك ويتغير وتحول عليه الأحوال.

ومن هذا يبدو أن نقطة الارتكاز في القصائد الهرمية لا بد أن تتضمن "فعلًا" أو "حادثة" لا مجرد شيء جامد يحتل حيزًا من المكان وحسب. وفي نطاق هذا الفعل يتحرك الأشخاص والأشياء ويمر الزمن. فالأشخاص مثلًا يتبدلون وتتقلب عليهم الأحداث بحيث نجدهم في أول القصيدة يختلفون عنهم في آخرها على وجه ما. والأشياء تتغير قيمتها ومدلولاتها وأماكنها. والزمن ينصرم: فإذا بدأت القصيدة في طفولة بطلها انتهت وهو شيخ، وإن رأيناه، في بدايتها، صباح الثلاثاء ختمت القصيدة وهو قد عانى متاعب الأربعاء، وهكذا. وخلال ذلك تتغير المشاعر فتمتد وتضيق وتتسع كما يرسم لها الشاعر، ولذلك يغلب أن نجد فوارق عاطفية وزمنية بين بداية القصيدة ونهايتها. وذلك ما يميز الهيكل الهرمي عن سواه.

وفي مثل هذه القصائد، قصائد "الفعل" و"الحادثة" التي تتميز عن قصائد "الأشياء" نجد أن الأحداث تميل إلى أن تتكاثف في مكان من القصيدة دون مكان. فهي تبدأ عادة هادئة العواطف، غير ثائرة، والأشخاص يتحركون بتؤدة، وكأن الشاعر يمر بفترة "العرض" التي يمر بها القصاص، وهمه الأول أن يقدم أطراف الموضوع لقارئه. ثم تأتي لحظة تندفع خلالها المشاعر والأحداث إلى قمة شعورية، "قمة الهرم" فتتجمع القوى التي بدأت فعلها في المرحلة السابقة تجمعًا عنيفًا وتبلغ القصيدة أعلى مراتب التوتر ويحس القارئ أنه إزاء مشكلة فنية إنسانية. وسرعان ما تبدأ النهاية بعد لك حين يبدأ الشاعر بفك المشكلة وحل العقدة وتشتيت القوى المتجمعةولا بد لنا أن نلاحظ هنا أن خاتمة القصائد الهرمية، تمتلك قابلية الانتهاء بسكون. وهو أمر غير ممكن في قصائد الهياكل المسطحة حيث ينبغي أن تكون الخاتمة جهورية على شيء من العلو، وكأن هذه "الجهارة" نوع من الحركة التي تجيء بعد السكون الطويل فتوحي بالانتهاء.

نموذج للهيكل الهرمي:


تصلح قصيدة علي محمود طه "التمثال" أن تكون نموذجًا ممتازًا للهيكل الهرمي لما تحتوي عليه من بناء مكتمل وصور جميلة ورموز وعاطفة. إنها تكاد تكون أجمل وأكمل قصيدة نظمها هذا الشاعر على الإطلاق، وهي بلا ريب قمة من قمم الشعر العربي الحديث كله. ولذلك سنقف عندها وقفة تحليلية متريثة لندرس ما فيها من أصالة وقوة بناء وجمال. يقول الشاعر في تقديم قصيدته إنها "قصة الأمل الإنساني" وهو بهذا يخبر القارئ أن "التمثال" ليس حقيقيًّا، وإنما هو رمز للأمل الذي بناه الشاعر، أو تبنيه الإنسانية كلها، فما يلبث الزمن حتى يحطمه تحطيمًا. على أن هذا التعريف لا يضيف إلى القصيدة شيئًا، فلو لم يصرح به الشاعر لما فقدت القصيدة أي شيء، سواء أكان هذا التمثال هو الحب أم الفن أم الجمال أم السعادة، كانت القصيدة كاملة. وذلك لأن نقطة الارتكاز هنا هي التمثال وما يحدث لهذا التماثل متضمن في داخل الهيكل، بحيث تكون القصيدة كاملة حتى ولو كان التمثال تمثالًا حقيقيًّا. المهم هو أن الزمن قد تعاقب على هذا التمثال في القصيدة، من الليل، إلى الضحى، إلى آلاف الليالي والأضاحي ابتداء من شباب الشاعر حتى شيخوخته. ولقد وصلت هذه الحركة الزمانية تمثال الشاعربالحياة كلها فكأنه عاد ينبض نبضًا.

والقصيدة تبدأ في شباب الشعر فنراه يمضي كل صباح ليصطاد غرائب البر والبحر، فلا يعود إلا مع المساء حاملًا صيده ليلقيه "على قدمي" تمثاله. وهو، في نشوة هذا الشباب المتفجر بالحيوية، يصعد إلى النجوم ويهبط إلى أعماق البحر، ويجوب البراري، ويقتحم الضحى في آسيا وإفريقيا، ويجوب عصور التاريخ، كل ذلك بحثًا عن الحلي التي يريد أن يتوج بها تمثاله الجميل. ولكن القصيدة لا تنتهي إلا بعد أن يشيب الشاعر فلا يعود يقوى على دفع عادية العواصف والسيول عن تمثاله، ويصيح لا مفر له من أن يقف جامدًا مغلوبًا ليراه يتحطم وتجرفه الأمواج. وبهذا نجد الزمن قد تحرك خلال أبيات القصيدة حركة سريعة مدهشة افتنَّ الشاعر في أساليب تصويرها وإبرازها. وسوف ندرس فيما يلي القصيدة بالتفصيل لنلاحظ وسائل الشاعر في صياغتها وبنائها.

لنلاحظ أولًا الحركة في الأبيات الافتتاحية في القصيدة:

أقبل الليل واتخذت طريقي لك

النجم مؤنسي ورفيقي

وتوارى النهار

خلف ستار شفقي من الغمام رقيق

مد طير المساء فيه جناحًا

كشرع في لجة من عقيق

نلاحظ أولًا الحركة في الفعل "أقبل" وفي ما توحيه عبارة "واتخذت طريقي لك" حيث نرى الشاعر يسير في طريقه نحو التماثل. ويؤكد الشاعر هذه الصورة بقوله "توارى النهار" فالفعل "توارى" بطبعه ممطوط، فيه بطء وانسحاب متريث، وتلك خاصية الأفعال المقيسة على"تفاعل" مثل تلاشى وتهادى وتمادى، فهي توحي بحركة مرتخية متمهلة.

ومن المؤكد أن الشاعر لو استعمل كلمة "غاب" في مكان "توارى" لما استطاع أن يعطي هذا الأثر.

وينتقل المشهد الغروبي إلى الليل الكامل فنرى الشاعر قد انتهى من اجتياز الطريق وبلغ موضع التمثال وراح يخاطبه:

أيهذا التمثال، هأنذا جئت لألقاك،

في السكون العميق

حاملًا من غرائب البر والبحر،

ومن كل محدث وعريق

ذاك صيدي الذي أعود به ليلًا

وأمضي إليه عند الشروق

وأبرز ما يلفت النظر هنا عبارة "أعود به ليلًا" التي كان الفعل فيها مضارعًا، وهو أول مضارع استعمله الشاعر، بعد سلسلة الأفعال الماضية "أقبل، توارى، مدَّ، جئت".

والسبب في استعمال المضارع هنا أنا الشاعر يريد أن يوحي بالاستمرارية في حركة هذه "العودة". فهو يخرج كل صباح ويعود كل مساء ليصطاد الكنوز ويلقيها على قدمي تمثاله. وفائدة هذه الاستمرارية أنها تمد الزمن وتطيله حتى يشيب الشاعر في القسم الثاني من القصيدة، وهي فترة عانى الشاعر كثيرًا قبل أن يبلغها كما يتضح من الأبيات التالية يخاطب بها الشاعر تمثاله:

بيدي هذه جبلتُكَ، من قلبي

ومن رونق الشباب الأنيق

كلما شمتُ بارقًا من جمال طرتُ في أثره أشق طريقي

شهد النجم كم أخذت من الروعة عنه

ومن صفاء البريق

شهد الطير كم سكبت أغانيه

على مسمعيك سكب الرحيق

شهد الكرم كم عصرت جناه

وملأت الكئوس من إبريقي

شهد البر ما تركت من الغار

على معطف الربيع الوريق

شهد البحر

لم أدع فيه من در جدير بمفرقيك خليق

إن هذه الأبيات تقدم حركة واسعة، لا في الزمان وحسب، ولكن في المكان أيضًا، في عرض العالم وطوله: إلى النجوم لاقتباس بريقها وروعتها وإلى الكروم لملء الكئوس بالعصير لشفتيه، وإلى البحر اصطيادًا للؤلؤ والمرجان وكل ما يليق بمفرقه. ومما لا شك فيه أن هذه الحركة المكانية قد استغرقت زمانًا طويلًا، وقد قصد الشاعر أن يرينا كيف استنزف شبابه وسعادته في تنميق تمثاله وتزينه ومنحه العمق والجمال. وقد أفادت كلمة "كم" إذ أوحت بتعدد "الحدث" مما يقتضي زمانًا أطول وأبطأ. ثم تأتي، بعد ذلك، الطبيعة بغاباتها وجبالها ووديانها وممالكها وقاراتها وتواريخها فيمضي الشاعر يلفها حول تمثاله العجيب:

ولقد حير الطبيعة إسرائي لها

كل ليلة وطروقي

واقتحامي الضحى عليها

كراعٍ آسيوي أو صائد إفريقي

أو إله مجنح يتراءى

في خيالات شاعر إغريقي

في هذه الأبيات نجد الشاعر ما زال يذرع العالم والزمن من أجل تمثاله، وقد استعمل لفظي "الإسراء" و"الطروق" وهما فعلان يدلان على الزمن. وجعل الشاعر إسراءه "كل ليلة" وجعل اقتحامه الضحى تارة على صورة راعٍ من رعاة آسيا وتارة على صورة صياد من إفريقيا، ثم رجع بالزمن إلى الوراء أكثر من عشرين قرنًا فاتخذ هيئة شاعر إغريقي تتراءى له خيالات الآلهة القدماء.

إلى هنا انتهى الشاعر من مرحلة "العرض" فأحاط القارئ بظروف تجربته الإنسانية. وقد رأينا أن العاطفة كانت متكافئة في الأبيات فلم تتركز في مكان خاص، وإنما تحركت في الزمن في خطوات دائبة مستمرة متشابهة في سرعتها وسعتها. وكان المقصد في كل بيت أن يضفي الشعر صورة جديدة من جهده ومتاعبه، في خلق هذا التمثال وتزيينه وتخليده. وفجأة يبدأ الشعور بالتعقد والاندفاع نحو قمة عاطفية يوحي بها جو القصيدة وكأنه ينذر بعاصفة رهيبة. وتظهر بوادر هذا في خطاب يوجهه الشعر المجهد إلى "الطبيعة":

قلت: لا تعجبي! فما أنا إلا

شبح لج في الخفاء الوثيق

أنا، يا أم، صانع الأمل الضاحك

في صورة الغد المرموق

صغته صوغ خالق يعشق الفن



ويسمو لكل معنًى دقيق

وتنظرته حياة،

فأعياني دبيب الحياة في مخلوقي

كل يوم أقول: في الغد. لكن

لستُ ألقاه في غد بالمفيق

ضاع عمري، وما بلغت طريقي

وشكا القلب من عذاب وضيق

الفعل "تنظر" أكثف من الفعل "انتظر" ويوحي بفترة انتظار أطول وأمر. وهذه هي حالة الشاعر الذي أضاع عمره في صنع تمثاله الفذ أملًا بأن تدب فيه الحياة، وقد طال به انتظاره، وعبث به الأمل، وبدأ يثقل عليه. وقد راحت طلائع اليأس الأخير تلوح إذ اقترب الشاعر من الشيخوخة. ولذلك يبعث صرخته الدامية:

ضاع عمري … وما بلغت طريقي …

ولا بد لنا أن ننتبه إلى الفرق الواضح في كثافة الشعور بين الأبيات الثلاثة الأولى، والثلاثة الأخيرة، ففي وسعنا أن نجزم بأنه أكثف في الأخيرة. إلا أننا لو أردنا الدقة لقلنا إن هذه الكثافة تزداد بنسبة شبه ثابتة كلما تقدمنا في الأبيات. ففي البيت الأول يصف الشاعر نفسه بأنه شبح وثيق الخفاء وهذا يكاد يخلو من الانفعال وكأن الشاعر يحس أن عليه أن يقدم نفسه لأمه الطبيعة بهدوء. إلا أنه في البيت الثاني يبدأ بتفصيل أمره قائلًا

إنه "صانع الأمل الضاحك" ويعرض هذا إلى بداية الانفعال فيصرخ في البيت الثالث:

صغته صوغ خالق يعشق الفن

ويسمو لكل معنًى دقيق



وفي هذا أول بوادر الشكوى، فهو يذكِّر الطبيعة بأنه قد "جهد"

في خلق تمثاله كما يجهد فنان أصيل. ولهذا التذكير دلالته النفسية التي تنذر بما بعدها. وسرعان ما يشتد انفعال الشاعر فيبرز بوضوح في الأبيات الثلاثة التالية حيث يشكو طول انتظاره وعدم دبيب الحياة في ذلك التمثال، ويبلغ الشعور درجة المرارة في قوله:

كل يوم أقول: في الغد

لكن لست ألقاه في غد بالمفيق

ويصل إلى درجة اليأس حين ينادي:

ضاع عمري، وما بلغت طريقي

وشكا القلب من عذاب وضيق

وبعد هذه الصرخة اليائسة تبدأ "قمة" القصيدة فيتركز الشعور في مشهد العاصفة التي يرمز بها الشاعر إلى فترة الشيخوخة في حياة الفنان، وسنكتفي هنا بنسخ الأبيات التي تنوب عنا في الحديث عن نفسها:

معبدي، معبدي، دجا الليل إلا

رعشة الضوء في السراج الخفوق

زأرت حولك العواصف لما

قهقة الرعد لالتماع البروق

لطمت في الدجى نوافذك الصُم

ودقت بكل سيلٍ دفوق

يا لتمثالي الجميل احتواه

سارب الماء كالشهيد الغريق

لم أعد ذلك القوي فأحميه

من الويل والبلاء المحيق



ليلتي، ليلتي، جنيت من الآثام

حتى حُملت ما لم تطيقي

فاطربي واشربي صبابة كأسٍ

خمرها سال من صميم عروقي

هنا تبلغ المأساة قمتها، فبعد أن شاركنا الشاعر في صنع تمثاله وجُبنا معه العالم لتزيينه، وقفنا معه نشهد تحطمه، في سورة العاصفة الرهيبة، وانجرافه في تيارات الماء الساربة، وتنبعث صرخة "الخالق" المدحور أحدّ وأمرّ من أية صرخة سابقة:

لم أعد ذلك القوي فأحميه

من الويل والبلاء المحيق

ونحس أننا هنا بإزاء القمة نفسها، وقد تجمعت قوى الشعور والحياة لتخلق هذه القمة، فلا بد أن تبدأ القوى بالانخفاض بعدها. ويجيء البيتان التاليان مصداقًا، فالفنان قد استسلم وانهزم وهو يدعو ليلته المخيفة إلى أن تسكر من دمه.

وتسرع القوى العاطفية بعد ذلك إلى الانحلال والتشتت، وتبدأ النهاية، وقد أتمها الشاعر في سبعة أبيات بديعة الجمال:

مر نور الضحى على آدمي مطرقٍ

في اختلاجة المصعوق

في يديه حطامة الأمل الذاهب

في ميعة الصبا المرموق

واجمًا، أطبق الأسى شفتيه

غير صوت، عبر الحياة، طليق

صاح بالشمس: لا يَرُعك عذابي



فاسكبي النار في دمي وأريقي

نارك المشتهاة أندى على القلب

وأحنى من الفؤاد الشفيق

فخذي الجسم حفنة من رمادٍ

وخذي الروح شعلة من حريق

جنّ قلبي فما يرى دمه القاني

على خنجر القضاء الرقيق

إن هذا المشهد يمتلك كل خصائص النهاية الجيدة لهيكل هرمي، فبعد الحركة العنيفة التي دار بنا الشاعر خلالها في رحاب القرون ومجاهل العالم، وبعد مشهد العاصفة الجنونية وهي تزأر وتلطم النوافذ وتتدفق سيولها محطمة مدمرة جارفة، بعد تلك الحركة وهذه الضجة، يهدأ كل شيء فجأة، ويطلع الضحى … وفي الضوء يبرز المشهد الأليم فترى الشاعر مختلجًا، مصعوقًا، واجمًا، صامتًا، وبين يديه بقايا تمثاله المحطم. وتتلاشى القصيدة شيئًا فشيئًا حتى تخبو في آخر تأوهات الفنان وهو يتوسل إلى الشمس أن تسكب نارها في دمه دونما رأفة ولا شفقة.

هذا التلاشي والوجوم والصمت هو عنصر السكون في خاتمة هذه القصيدة الحركية الفذة ذات الهيكل الهرمي المحكم.

ولا بد لنا، قبل أن ننتهي من دراسة الهيكل في هذه القصيدة، أن نشير إلى أسلوب لفظي استعمله الشاعر في ربط القصيدة وشدها إلى بعضها داخل إطار، ذلك أن القصيدة تقع في قسمين رئيسيين، ينتهي أولهما بهذا البيت:

ضاع عمري وما بلغت طريقي

وشكا القلب من عذاب وضيق



وما بعده هو القسم الثاني. ولو دققنا النظر لوجدنا أن الشاعر قداستعمل في القسم الأول لفظتين كررهما في القسم الثاني، وهما "الليل" و"الضحى". وقد كان هذا التكرار نافعًا في المقارنة بين حالتين: ففي القسم الأول كان الليل هو الوقت الذي يلتقي فيه الشاعر بتمثاله، منتصرًا، حاملًا إليه غرائب البر والبحر. وكان الضحى مغلوبًا، فالشاعر-كما يخبرنا- "يقتحم الضحى". أما في القسم الثاني فقد انعكست الحالة انعكاسًا مؤلمًا فما يكاد الليل يهبط حتى تزأر العاصفة وتلطم النوافذ وتحطم التمثال. ونسمع الشاعر المدحور ينادي صارخًا:

ليلتي، ليلتي، جنيت من الآثام

حتى حملت ما لم تطيقي

فاطربي. واشربي صبابة كأس

خمرها سال من صميم عروقي

أما "الضحى" فهو هذه المرة، يمر على إنسان محطم انقطعت علاقته بذلك "المقتحم" القديم الغلاب بزهوه وشبابه وانتصاره. وهكذا استعان الشاعر بالليل والضحى في خلق هذا التضاد الفني الذي يسر المقارنة وكثف جو القصيدة وأحكم بناءها.

وقد جاءت في هذه القصيدة صور أخرى من المقارنة غير المباشرة، فالشاعر في القسم الأول، قد سمى نفسه "خالقًا". أما في القسم الثاني فهو ليس إلا "آدميًّا" وقد ساعد ذلك في تكثيف الجو النفسي لهذه القصيدة الرائع.

ج- الهيكل الذهني:


رأينا أن هيكل القصيدة ليس إلا الأسلوب الذي يدخل به الشاعر الحركة في قصيدته فعندما كان الهيكل مسطحًا والارتكاز ساكنًا عوض الشاعربالعواطف والصور عن هذا السكون وعندما كان الهيكل هرميًّا والارتكاز متحركًا لم يحتج الشاعر إلى أي تعويض. ونحن الآن بإزاء النوع الثالث الذي سنسميه بالإطار الذهني. ونحن نعزله عن النوعين الآخرين لأنه يقدم عنصر الحركة على أسلوب فكري. فبدلًا من أن يستغرق التحرك زمانًا، كما في قصيدة "التمثال" نجد الحركة لا تستغرق أي زمن لأنها حركة في الذهن يقصد بها بناء هيكل فكري لا وصف حدث يستغرق زمانًا. وأكثر ما ينجح هذا الهيكل في القصائد التي تحتوي على فكرة يناقشها الشاعر بالأمثلة المتلاحقة. وهذا نوع من الشعر يكثر في شعر شعراء المهجر جبران ونعيمة وأبي ماضي.

ونموذج هذا الهيكل قصيدة العنقاء1 لإيليا أبي ماضي. وقد رمز الشاعر بالعنقاء إلى السعادة -كما يلوح- ومن ثم بقي يسأل عنها ويبحث لعله يعثر عليها. التمسها أولًا في الطبيعة، ثم في القصور، ثم في الزهد، ثم في الأحلام، ولكنه لم يصادفها. وبعد فوات الأوان أدرك أنها كانت معه طوال الوقت وهو لا يدري. وتتجلى الحركة الذهنية في الانتقال من الطبيعة إلى القصور، إلى الزهد، وهكذا. ذلك أن هذه ليست حركة في الزمن، ولا هي حركة في المكان. وإنما قصد الشاعر أن يوازن بين مختلف منابع السعادة موازنة ذهنية فيمر بكل منها ويستعرض الإمكانيات لينتهي إلى أن السعادة إنما تنبع من نفس الإنسان لا من خارجها. وهكذا نرى أن التتابع الزمني ليس مقصودًا هنا، والدليل أننا نستطيع أن نقدم البحث في الأحلام، على البحث في القصور أو الصوامع دون أن تضطرب القصيدة أو يتغير مدلولها العام. وهذا ما لا يمكن أن نصنعه في قصيدة "التمثال" حيث كان الإلحاح على التسلسل الزماني جزءًا ضروريًّا من كيان القصيدة ومدلولها. ولذلك نميز بين الهيكلين هذا التميز التام: فالهيكلالهرمي يدخل الزمن في كيان القصيدة في حين لا يحتاج الهيكل الذهني إلى أن يحيا في زمان.

مثال عليه: ومع ذلك فالهيكل الذهني ليس ساكنًا وإنما هو هيكل حركي، ينتقل فيه الذهن من فكرة إلى فكرة خارج حدود الزمن. لنأخذ مثلًا قصيدة "أنت وأنا" لأمجد الطرابلسي وهي نموذج جيد للهيكل الذهني يقول الشاعر:

أما رأيت الليلة الحالكه 

 تجلو دجاها البرقة الساطعة

والطفلة المشرقة الضاحكة

 تحزنها لعبتها الضائعة

فإني الليلة يا برقتي

وإنني الطفلة يا لعبتي

يا فرحتي أنت ويا دمعتي

إن تجدي الناسك في ديره 

 تهزه نغمة أرغنه

والفاجر العربيد في سكره 

 ترعشه النظرة من دنه

فإنني الناسك يا نغمتي

وإنني السكران يا خمرتي

يا سقري أنت ويا جنتي

أما رأيتِ الشاعرا السادرا 

 يقدس الحسن على سبحته

والأهوج المضطرم الفائرا

 تهيج الأجساد من نهمته

فإنني الشاعر يا سبحتي

وإنني الأهوج يا نهمتي

يا جسدي أنت ويا فكرتي

إن تجدي المبتهل المؤمنا 

 يصبو إلى الحورية الطاهره

والماجن المستهتر الأرعنا

 يستعذب السم من العاهره

فإنني المبتهل المؤمن

وإنني المستهتر الأرعن

دليلتي أنت وحوريتي



الفكرة الأساسية في هذه القصيدة أن الشاعر يرى في حبيبته الحياة كلها على اختلاف أحاسيسها وتقلب أهوائها. وقد عبر عن هذه الفكرة بأن أدخل حركة ذهنية في القصيدة، فراح ينقل ذهن القارئ بين المظاهر المتعددة للفكرة دون أن يحتاج إلى استعمال الزمن. فقال في المقطوعة الأولى إن إحساسه تجاه هذه الفتاة يتضمن المتعاكسين من العواطف: الفرح والحزن. وفي المقطوعة الثانية تحدث عن عنصر الخير والشر في هذا الحب. وفي المقطوعة الثالثة ركز الفكرة حول الجسد والجمال الفكري. وكانت المقطوعة الأخيرة شبه ختام إذ قال للحبيبة إنها في الوقت نفسه"دليلته" وحوريته فهي تجمع في ذاتها الإيمان والمجون معًا.

إن الهيكل هنا غير هرمي، فمن الممكن أن ننقل مقطوعة مكان أخرى دون أن تمس القصيدة، وهذا لأن الحركة كانت ذهنية خارجية، ولم يتدخل فيها الزمن لتكون هناك عقدة ذات سياق تسلسلي يمنع من التقديم والتأخير.

والخاتمة في الهيكل الذهني تستدعي شيئًا من البروز والجهورية، فقلما تتلاشى هذه الهياكل في سكون، لخلوها من عنصر الزمن. ولكن جهورية الختام في الهيكل الذهني نوع خاص يختلف عن جهوريته في الهيكل المسطح. فبينما يستطيع الشاعر هناك أن يختم القصيدة بأية عبارة قاطعة حادة قوية المعنى، تجده في الهيكل الذهني يحتاج إلى أن يختمها بحكم عام ينهي المشكلة الفكرية التي أثارها، وذلك بإحداث موازنة بين نقط الحركة الذهنية كلها.

وهكذا وجدنا إيليا أبا ماضي، بعد البحث عن عنقائه في الطبيعة والقصور والصوامع والأحلام، يختتم القصيدة بموازنة عامة يخبر فيها القارئ أن السعادة تنبع من نفس الإنسان لا مما حوله. ومن دون هذه الموازنة تبقى قصائد هذا النوع من الهيكل ناقصة بحيث تترك في نفس القارئ إحساسًا بما يسمى في علم النفس بالفعالية الناقصة. ولعل قصيدة أمجد الطرابلسي تفتقد مقطعًا ختاميًّا ينتهي بالقارئ إلى فكرة أعم تخرج القصيدة من صيغتها الغنائية الحالية، فهي تكاد تكون -بمقاطعها كلها- صورة لفكرة واحدة وهي اجتماع المتعارضات كلها في هذه الفتاة التي يحبها الشاعر. وقد يكون الشاعر تعمد التخلص من مأزق الختام بتغييره الصيغة اللفظية التي ختم بها المقاطع الثلاثة السابقة:

يا فرحتي أنت ويا دمعتي

يا سقري أنت ويا جنتي

يا جسدي أنت ويا فكرتي

فقد خرج عنها إلى هذا:

دليلتي أنت وحوريتي



غير أن هذا، في الواقع، ليس من القوة بحيث يختم قصيدة ذات هيكل ذهني. إلا إذا أردنا أن نعتبرها أغنية حلوة تحاول التعبير عن المعنى الواحد في مقاطع متتالية، وليس لنا أن نطلب الفكرة فيها





المصادر


قضايا الشعر المعاصر 



نازك الملائكة








حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-