العباس بن الأحنف-شعر العباس في فوز

 العباس بن الأحنف-شعر العباس في فوز



 العباس بن الأحنف: من بنى حنيفة. ويكنى أبا الفضل، وكان منشأه بغداد. 

 وكان  العباس بن الأحنف صاحب غزل، ويشبّه من المتقدّمين بعمر بن أبى ربيعة. ولم يكن يمدح ولا يهجو.


ويدلّك على أنّ العباس بن الأحنف من بنى حنيفة قوله للمرأة:


فإن تعتلونى لا تفوتوا بمهجتى


 مصاليت قومى من حنيفة أو عجل 


      


العباس بن الأحنف-Al-Abbas bin Al-Ahnaf




 وقال فيه مسلم:


بنو حنيفة لا يرضى الدّعىّ بهم


 فاترك حنيفة واطلب غيرهم نسبا


اذهب إلى عرب ترضى بنسبتهم 


 إنى أرى لك وجها يشبه العربا 


وكان كل شعر العباس في فوز وأشهر القصائد 

أزين نساء العالمين أجيبي


 ومن حسن شعر العباس بن الأحنف:



أشّكو الّذين أذاقونى مودّتهم 


 حتّى إذا أيقظونى بالهوى رقدوا


 وقول  العباس بن الأحنف



لو كنت عاتبة لسكّن روعتى


 أملى رضاك وزرت غير مراقب 


لكن مللت فلم تكن لى حيلة


 صدّ الملول خلاف صدّ العاتب


ما ضرّ من قطع الرّجاء ببخله


 لو كان علّلنى بوعد كاذب


 وشبيه به قول الآخر:


أمتّينى فهل لك أن تردّى


 حياتى من مقالك بالغرور 


أرى حبّيك ينمى كلّ يوم 


 وجورك فى الهوى عدلا فجورى


ومن جيد شعر العبّاس قوله:


أحرم منكم بما أقول وقد 


 نال به العاشقون من عشقوا


صرت كأنى ذبالة نصبت 


 تضىء للناس وهى تحترق


 يقول العباس بن الأحنف



بكت غير آنسة بالبكاء


 ترى الدّمع فى مقلتيها غريبا


وأسعدها نسوة بالبكاء


 جعلن مغيض الدّموع الجيوبا 


وفيها يقول:


أيا من تعلّقته ناشئا 


 فشبت ولم يأن لى أن أشيبا


ويا من دعانى إلى حبّه 


 فلبّيت لمّا دعانى مجيبا


وكم باسطين إلى وصلنا 


أكفّهم لم ينالوا نصيبا


لعمرى لقد كذب الزاعمو 


 ن أنّ القلوب تجازى القلوبا


ولو كان ذاك كما يذكرو 


 ن ما كان يشكو محبّ حبيبا


وفيها يقول:


وأنت إذا ما وطئت التّرا 


 ب صار ترابك للناس طيبا


يقول العباس بن الأحنف


أيا من سرورى به شقوة 


 ومن صفو عيشى به أكدر


تجنّيت تطلب لمّا مللت 


 علىّ الذّنوب ولا تقدر


فلو لم يكن بى بقيا عليك


 نظرت لنفسى كما تنظر


وماذا يضرّك من شهرتى


 إذا كان أمرك لا يظهر


أمنّى تخاف انتشار الحديث 


 وحظّى فى صونه أوفر


وقال فيها:


هبونى أغضّ إذا ما بدت 


 وأملك طرفى فلا أنظر


فكيف استتارى إذا ما الدّموع 


 نطقن فبحن بما أضمر


 ومن بديع تشبيهه قوله فى المرأة إذا مشت:


كأنّها حين تمشى فى وصائفها 


 تخطو على البيض أو خضر القوارير


يقول العباس بن الأحنف


قلبى إلى ما ضرّنى داعى


يكثر أسقامى وأوجاعى


كيف احتراسى من عدوّى إذا 


 كان عدوّى بين أضلاعى


يعنى قلبه.


 ومن إفراط العباس بن الأحنف قوله:



ومحجوبة بالسّتر عن كلّ ناظر


ولو برزت باللّيل ما ضلّ من يسرى 


أخذه من قول الأوّل 


وجوه لو أنّ المعتفين اعتشوا بها


 صدعن الدّجى حتّى ترى اللّيل ينجلى 


وقول الآخر


أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم 


 دجى الّليل حتّى نظّم الجزع ثاقبه


ثم قال  العباس بن الأحنف:



لخال بذاك الوجه أحسن عندنا 


 من النّكتة السّوداء فى وضح البدر


  العباس بن الأحنف هو القائل:



ردّ الجبال الرّواسى من مواضعها 


 أخفّ من ردّ نفس حين تنصرف


همّوا بهجرى وكانت فى نفوسهم 


 بقيّة من هوى باق فقد وقفوا

 العباس بن الأحنف مع الرشيد وجاريته


 وكان الرّشيد هجر جارية له ، ونفسه بها متعلّقة، وكان يتوقّع أن تبدأه بالترضّى، فلم تفعل الجارية ذلك، حتى أقلقته وأرّقته، وبلغ ذلك العبّاس فقال:


صدّت مغاضبة وصدّ مغاضبا 


 وكلاهما ممّا يعالج متعب


إنّ التّجنّب إن تطاول منكما 


 دبّ السّلوّ له فعزّ المطلب 


وبعث إليه بالبيتين، وبعث إليه ببيتين آخرين، وهما:


لا بدّ للعاشق من وقفة 


 تكون بين الوصل والصّرم


حتّى إذا الهجر تمادى به 


 راجع من يهوى على رغم


فاستحسن الرشيد إصابته حاليها، وقال: أراجعها- والله- مبتدئا على رغم، وفعل ذلك وأمر للعباس بصلة سنيّة، وأمرت له الجارية بمثلها


ومن جميل قصائد العباس بن الأحنف



أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي


دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ


كَتَبتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ


لِشِدَّةِ إِعوالي وَطولِ نَحيبي


أَخُطُّ وَأَمحو ما خَطَطتُ بِعَبرَةٍ


تَسُحُّ عَلى القُرطاسِ سَحَّ غُروبِ


أَيا فَوزُ لَو أَبصَرتِني ما عَرَفتِني


لِطولِ شُجوني بَعدَكُم وَشُحوبي


وَأَنتِ مِنَ الدُنيا نَصيبي فَإِن أَمُت


فَلَيتَكِ مِن حورِ الجِنانِ نَصيبي


سَأَحفَظُ ما قَد كانَ بَيني وَبَينَكُم


وَأَرعاكُمُ في مَشهَدي وَمَغيبي


وَكُنتُم تَزينونَ العِراقَ فَشانَهُ


تَرَحُّلُكُم عَنهُ وَذاكَ مُذيبي


وَكُنتُم وَكُنّا في جِوارٍ بِغِبطَةٍ


نُخالِسُ لَحظَ العَينِ كُلَ رَقيبِ


فَإِن يَكُ حالَ الناسُ بَيني وَبَينَكُم


فَإِنَّ الهَوى وَالوِدَّ غَيرُ مَشوبِ


فَلا ضَحِكَ الواشونَ يا فَوزُ بَعدَكُم


وَلا جَمَدَت عَينٌ جَرَت بِسُكوبِ


وَإِنّي لَأَستَهدي الرِياحَ سَلامَكُم


إِذا أَقبَلَت مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ


وَأَسأَلُها حَملَ السَلامِ إِلَيكُمُ


فَإِن هِيَ يَوماً بَلَّغَت فَأَجيبي


أَرى البَينَ يَشكوهُ المُحِبونَ كُلُّهُم


فَيا رَبُّ قَرِّب دارَ كُلِّ حَبيبِ


وَأَبيَضَ سَبّاقٍ طَويلٍ نِجادُهُ


أَشَمَّ خَصيبِ الراحَتَينِ وَهوبِ


أَنافَ بِضَبعَيهِ إِلى فَرعِ هاشِمٍ


نَجيبٌ نَماهُ ماجِدٌ لِنَجيبِ


لَحاني فَلَمّا شامَ بَرقي وَأَمطَرَت


جُفوني بَكى لي موجَعاً لِكُروبي


فَقُلتُ أَعَبد اللَهُ أَسعَدتَ ذا هَوىً


يُحاوِلُ قَلباً مُبتَلاً بِنُكوبِ


سَأَسقيكَ نَدماني بِكَأسٍ مِزاجُها


أَفانينُ دَمعٍ مُسبَلٍ وَسَروبِ


أَلَم تَرَ أَنَّ الحُبَّ أَخلَقَ جِدَّتي


وَشَيَّبَ رَأسي قَبلَ حينِ مَشيبي


أَلا أَيُّها الباكونَ مِن أَلَمِ الهَوى


أَظُنُّكُمُ أُدرِكتُمُ بِذَنوبِ


تَعالَوا نُدافِع جُهدَنا عَن قُلوبِنا


فَيوشِكُ أَن نَبقى بِغَيرِ قُلوبِ


كَأَن لَم تَكُن فَوزٌ لِأَهلِكَ جارَةً


بِأَكنافِ شَطٍّ أَو تَكُن بِنَسيبِ


أَقولُ وَداري بِالعِراقِ وَدارُها


حِجازيَّةٌ في حَرَّةٍ وَسُهوبِ


وَكُلُّ قَريبِ الدارِ لا بُدَ مَرَّةً


سَيُصبِحُ يَوماً وَهوَ غَيرُ قَريبِ


سَقى مَنزِلاً بَينَ العَقيقِ وَواقِمٍ


إِلى كُلِّ أُطمٍ بِالحِجازِ وَلوبِ


أَجَشُّ هَزيمُ الرَعدِ دانٍ رَبابُهُ


يَجودُ بِسُقيا شَمأَلٍ وَجَنوبِ


أَزوّارَ بَيت اللَهَ مُرّوا بِيَثرِبٍ


لِحاجَةِ مَتبولِ الفُؤادِ كَئيبِ


إِذا ما أَتَيتُم يَثرِباً فَاِبدَؤوا بِها


بِلَطمِ خُدودٍ أَو بِشَقِّ جُيوبِ


وَقولوا لَهُم يا أَهلَ يَثرِبَ أَسعِدوا


عَلى جَلَبٍ لِلحادِثاتِ جَليبِ


فَإِنّا تَرَكنا بِالعِراقِ أَخا هَوىً


تَنَشَّبَ رَهناً في حِبالِ شَعوبِ


بِهِ سَقَمٌ أَعيا المُداوينَ عِلمُهُ


سِوى ظَنَّهُم مِن مُخطِئٍ وَمُصيبِ


إِذا ما عَصَرنا الماءَ فيهِ مَجَّهُ


وَإِن نَحنُ نادَينا فَغَيرُ مُجيبِ


تَأَنَّوا فَبَكّوني صُراحاً بِنِسبَتي


لِيَعلَمَ ما تَعنونَ كُلُّ غَريبِ


فَإِنَّكُمُ إِن تَفعَلوا ذاكَ تَأتِكُم


أَمينَةُ خَودٍ كَالمَهاةِ لَعوبِ


عَزيزٌ عَلَيها ما وَعَت غَيرَ أَنَّها


نَأَت وَبَناتُ الدَهرِ ذاتُ خُطوبِ


فَقولوا لَها قولي لِفَوزٍ تَعَطَّفي


عَلى جَسَدٍ لا رَوحَ فيهِ سَليبِ


خُذوا لِيَ مِنها جُرعَةً في زُجاجَةٍ


أَلا إِنَّها لَو تَعلَمونَ طَبيبي


وَسيروا فَإِن أَدرَكتُمُ بي حُشاشَةً


لَها في نَواحي الصدرِ وَجسُ دَبيبِ


فَرُشّوا عَلى وَجهي أُفِق مِن بَليَّتي


يُثيبُكُمُ ذو العَرشِ خَيرُ مُثيبِ


فَإِن قالَ أَهلي ما الَّذي جِئتُمُ بِهِ


وَقَد يُحسِنُ التَعليلَ كُلُّ أَريبِ


فَقولوا لَهُم جِئناهُ مِن ماءِ زَمزَمٍ


لِنَشفيهِ مِن داءٍ بِهِ بِذَنوبِ


وَإِن أَنتُمُ جِئتُم وَقَد حيلَ بَينَكُم


وَبَيني بِيَومٍ لِلمَنونِ عَصيبِ


وَصِرتُ مِنَ الدُنيا إِلى قَعرِ حُفرَةٍ


حَليفَ صَفيحٍ مُطبَقٍ وَكَثيبِ


فَرُشّوا عَلى قَبري مِنَ الماءِ وَاِندُبوا


قَتيلَ كَعابٍ لا قَتيلَ حُروبِ


المصادر


الشعر والشعراء 

ابن قتيبة 







حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-