هل قابل موسي شعيباًعليهما السلام ؟

 هل قابل موسي شعيباًعليهما السلام ؟


يجمع عددغير قليل من المفسرين أن رحلة موسي عليه السلام إلي مدين والذي  قابل فيها الرجل الصالح الذي زوجه إحدي بناته إن هذا الرجل الصالح هو نبي الله شعيب عليه السلام .

وإذا نظرنا إلي القصة وسياقها التاريخي والاحداث نجد أن هذا الزعم لا يصح وسأثبت لك  ذلك بعد ان تقرأ السطور القادمة.


لم يقابل موسي شعيباً



يقول اله تعالي في سورة القصص :
(وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ(28))

هذه الآيات المباركات تصف رحلة فرار سيدنا موسي عليه وغلي نبينا السلام من مصر إلي مدين ناحية الشرق من مصر

لماذا مدين ولماذا الشرق؟

جميع المسلمين يعلمون ان موسي رسول الله من بني إسرائيل وأن بني إسرائيل في ذلك الزمان هم أهل الإيمان وشعب الله المختار وأنهم كانوا يعيشون في أرض مصر كأرض غريبة  ولا شك أن موسي سمع من أهله أنهم مختلفون عن أهل هذه الارض التي يعيشون فيها وانهم مهاجرون وأن اصولهم ترجع إلي أرض الشام حيث ولد أجدادهم فيحس كل طفل في بني إسرائيل بالإنتماء إلي أرض الاجداد ويعرف أنه غريب بتلك الأرض خاصة وأن أهل مصر لم يحسنوا معاملة بني اسرائيل واتخذوهم عبيداً يسومونهم سوء العذاب يقول تعالي في سورة القصص:
 ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4))
إذن عندما يشعر موسي بالخوف فأين يتوجه؟ الجواب يتوجه حيث ينتمي يتجه شرقاً حيث مسقط رأس أهله واجداده علي أن موسي لم يعتمد علي تفكيره ولا علي حدسه بل أوكل الامر لله فقال :قال الله تعالي:

 ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22))

موسي يصل أرض مدين

أرض مدين هذه من أرض الشام في الاردن تحديداً حين وصل موسي العمران وأول ما وقعت عيناه عليه هم الرعيان يسقون أغنامهم ويتزاحمون علي بئر ووجد بالقرب منهم امرأتين تمنعان أغنامهما أن تختلط بأغنام القوم .

أثار الموقف موسي وسأل لماذا لا تسقون كما يسقي الناس ؟ وجاءه الجواب الوجيز الشافي الكافي الذي يمكن ان نتخذه اليوم معباراً لعمل المرأة .قال تعاليفي سورة القصص:
(وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) )
قالتا لانسقي حتي يفرغ الرعاة وينصرفوا لأننا لا يجب أن تختلط بالرجال وقبل أن يسألهما وأين رجالكم قالتا وأبونا شيخ كبير.من هنا نستخلص القوانين المنظمة لعمل المرأة.

القوانين المنظمة لعمل المرأة 


أنه يمكن للمرأة العمل في حالتين:

  1. أن لاتجد من يعولها غيرها وقد تهلك إذا لم تعمل.
  2. أن لا تخالط الرجال مااستطاعت إلي ذلك سبيلاً.
وهنا تحركت شهامة موسي وكرم أخلاقه فشمر عن ساعده وسقي للفتاتين، وأظهر موسي قوة خارقة حيث يقال أنه رفع حجراً لا يرفعه إلا عشرة رجال أو أكثر .

رأت الفتاتان قوة وشهامة وأمانة موسي وطارتا إلي أبيهما الذي لم يسمه القرآن وإنما كان من ظاهر الحوار مع موسي أنه علي دين وانه واسع المعرفة والتجربة .

سمع الرجل قصة الفتاتين فأرسل واحدة منهما لتدعوه إلي بيت أبيها ليشكره ويعطيه اجر العمل الذي قام به ،حضر موسي وقابل الرجل وقص عليه قصته وعرف الرجل المؤمن قصة موسي فطمانه ، ثم فكر في حل عبقري يناسب الموقف، ويبدو أنه كان صاحب تجربة كبرة وخبرة عطيمة بالحياة والناس فقد حل عدة مشاكل بخطوة واحدة .هي ان يزوج موسي إحدي بناته
  1. زوج موسي -الرجل الغريب- الذي لايملك شيئاً، زوجه بالاجل.
  2. جعل إقامته في بيته شرعية حيث أصبح زوج واحدة من البنات.
  3. وجد من يعينه في عمله ويحفظ بناته ويردهم إلي البيت مكانهم الطبيعي.

هل كان الرجل الصالح هوسيدنا شعيب.


يقول بن كثير:(كَانَ أَهْلُ مَدْيَنَ قَوْمًا عَرَبًا يَسْكُنُونَ مَدِينَتَهُمْ مَدْيَنَ الَّتِي هِيَ قَرْيَةٌ مِنْ أَرْضِ مُعَانٍ مِنْ أَطْرَافِ الشَّامِ مِمَّا يَلِي نَاحِيَةَ الْحِجَازِ قَرِيبًا مِنْ بُحَيْرَةِ قَوْمِ لُوطٍ، وَكَانُوا بَعْدَهُمْ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ، وَمَدْيَنُ قَبِيلَةٌ عُرِفَتْ بِهِمُ الْمَدِينَةُ، وَهُمْ مِنْ بَنِي مَدْيَنَ بْنِ مديَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَشُعَيْبٌ نَبِيُّهُمْ هُوَ ابْنُ ميكيلَ بْنِ يَشْجَنَ ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ: بَثْرُونُ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَيُقَالُ: شُعَيْبُ بْنُ يشجنَ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، وَيُقَالُ: شُعَيْبُ بْنُ ثَوِيبَ بْنِ عَبَقَا بْنِمَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَيُقَالُ: شُعَيْبُ بْنُ صِيفُورَ بْنِ عَبَقَا بْنِ ثَابِتِ بْنِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَيُقَالُ: جَدَّتُهُ وَيُقَالُ: أُمُّهُ بِنْتُ لُوطٍ وَكَانَ مِمَّنْ آمَنَ بِإِبْرَاهِيمَ وَهَاجَرَ مَعَهُ وَدَخَلَ مَعَهُ دِمَشْقَ. وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ: شُعَيْبٌ وَبَلْعَمُ مِمَّنْ آمَنَ بِإِبْرَاهِيمَ يَوْمَ أُحْرِقَ بِالنَّارِ، وَهَاجَرَا مَعَهُ إِلَى الشَّامِ فَزَوَّجَهُمَا بِنْتَيْ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ نَظَرٌ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبِرِّ فِي " الِاسْتِيعَابِ " فِي تَرْجَمَةِ «سَلَمَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْعَنَزِيِّ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، وَانْتَسَبَ إِلَى عَنَزَةَ فَقَالَ: نِعْمَ الْحَيُّ عَنَزَةُ مَبْغِيٌّ عَلَيْهِمْ، مَنْصُورُونَ، قَوْمُ شُعَيْبٍ وَأَخْتَانُ مُوسَى» . فَلَوْ صَحَّ هَذَا لَدَلَّ عَلَى أَنَّ شُعَيْبًا صِهْرُ مُوسَى، وَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ يُقَالُ لَهُمْ: عَنَزَةُ لَا أَنَّهُمْ مِنْ عَنَزَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِّ بْنِ عَدْنَانَ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ بَعْدَهُ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ فِي ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ قَالَ: «أَرْبَعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ؛ هُودٌ، وَصَالِحٌ، وَشُعَيْبٌ، وَنَبِيُّكَ يَاأَبَا ذَرٍّ» . وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُسَمِّي شُعَيْبًا خَطِيبَ الْأَنْبِيَاءِ، يَعْنِي لِفَصَاحَتِهِ وَعُلُوِّ عِبَارَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ فِي دِعَايَةِ قَوْمِهِ إِلَى الْإِيمَانِ بِرِسَالَتِهِ، وَقَدْ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، وَمُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ شُعَيْبًا قَالَ: ذَاكَ خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ.»)

إذن شعيب قريب العهد علي أكبر الظن بزمن إبراهيم عليه السلام كما يروي ابن كثير بينه وبين إبراهيم رجلان أو ثلاثة .

لكن الإشارة الزمنية الثابتة في القرآن عن زمن شعيب ما ورد في سورة هود قوله تعالي:
(وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89))

ذكرسيدنا شعيب قوم لوط ووصفهم بالقرب وهو القرب المكاني حيث أنهم من القرب بحيث تبلغ قومه قصتهم  فجميعهم بأرض الشام أو ما يسمي الآن الأردن فقوم لوط قرية سدوم عند البحر الميت ومدين يقال أنها قرب العقبة .

وكذلك القرب الزماني حيث لم يكن مر وقت طويل علي حادثة قوم لوط الرهيبة حتي تنسي وتمحي من الذاكرة وقد هددهم نبيهم شعيب بمصير يشبه مصيرهم .

إذن أين هذا الزمان من زمان موسي وشعيب قبل زمان يعقوب أو في زمانه ويعقوب ربما الجد العاشر لموسي فموسي من سبط لاوي بن يعقوب، إذن كيف يلتقيان ؟

وما حمل الناس علي ذكر شعيب هو معرفتهم بأن شعيب عليه السلام  بعث في مدين وهجرة موسي عليه السلام كانت إلي مدين فكان الربط الخاطئ دون النظر في الفارق الزمني الكبير بينهما عليهما السلام والله أعلم .

(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)




المصادر

القرآن الكريم 

تفسير بن كثير




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-