مقتل عثمان بن عفان

 

مقتل عثمان بن عفان 




مقتل عثمان بن عفان الخليفة المظلوم الذي قتلته يد الغدر والخيانة ، وجريمة مقتل عثمان جريمة مفصلية في تاريخ الاسلام ، الوقوف عليها واجب كل مسلم لنتعلم الدرس .

بداية المؤامرة

قال إسماعيل بن أبي خالد: لما نزل أهل مصر الجحفة، وأتوا يعاتبون عثمان صعد عثمان المنبر فقال: جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شرا: أذعتم السيئة وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس، أيكم يذهب غلى هؤلاء القوم فيسألهم ما نقموا وما يريدون؟ قال ذلك ثلاثا ولا يجيبه أحد.

 فقام علي فقال: أنا. فقال عثمان: أنت أقربهم رحما فأتاهم فرحبوا به، فقال: ما الذي نقمتم عليه؟ قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله -يعني كونه جمع الأمة على مصحف- وحمى الحمى، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مائة الف وتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرد عليهم عثمان: أما القرآن فمن عند الله، إنما نهيتكم عن الاختلاف فاقرؤوا على أي حرف شئتم، وأما الحمى فوالله ما حميته لإبلي ولا لغنمي، وإنما حميته لإبل الصدقة. وأما قولكم: إني أعطيت مروان مائة ألف، فهذا بيت مالهم فليستعملوا عليه من أحبوا وأما قولكم: تناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإنما أنا بشر أغضب وأرضى، فمن ادعى قبلي حقا أو مظلمة فها أنا ذا، فإن شاء قودا وإن شاء عفوا. فرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة.


جريمة مقتل عثمان

أهل الكوفة مع سعيد بن العاص

وقال محمد بن سعد: قالوا: رحل من الكوفة إلى المدينة: الأشتر النخعي -واسمه مالك بن الحارث- ويزيد بن مكنف، وثابت بن قيسن وكميل بن زياد، وزيد، وصعصعة ابنا صوحان، والحارث الأعور، وجندب بن زهير، وأصفر بن قيس، يسألون عثمان عزل سعيد بن العاص عنهم فرحل سعيد أيضا إلى عثمان فوافقهم عنده، فأبى عثمان أن يعزله.

 فخرج الأشتر من ليلته في نفرن فسرى عشرا إلى الكوفة واستولى عليها وصعد المنبر فقال: هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أن السواد بستان الأغيلمة من قريش، والسواد مساقط رؤوسكم ومراكز رماحكم، فمن كان يرى لله عليه حقا فلينهض إلى الجرعة. فخرج الناس فعسكروا بالجرعة، فأقبل سعيد حتى نزل العذيب، فجهز الأشتر غليه ألف فارس مع يزيد بن قيس الأرحبي، وعبد الله بن كنانة العبدي، فقال: سيروا وأزعجاه وألحقاه بصاحبه، فإن أبى فاضربا عنقه. فأتياه، فلما رأى منهما الجد رجع. وصعد الأشتر منبر الكوفة، وقال: يا أهل الكوفة ما غضبت إلا لله ولكم، وقد وليت أبا موسى الأشعري صلاتكم، وحذيفة بن اليمان فيئكم، ثم نزل وقال: يا أبا موسى اصعد. فقال: ما كنت لأفعل، ولكن هلموا فبايعوا لأمير المؤمنين وجددوا البيعة في رقابكم فأجابه الناس وكتب إلى عثمان بما صنع، فأعجب عثمان، فقال عتبة بن الوعل شاعر أهل الكوفة:

تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب 

 وأمر علينا الأشعري لياليا

فقال عثمان: نعم وشهورا وسنين إن عشت، وكان الذي صنع أهل الكوفة بسعيد أول وهن دخل على عثمان حين اجترئ عليه.

وعن الزهري قال: ولي عثمان، فعمل ست سنين لا ينقم عليه الناس شيئا، وإنه لأحب إليهم من عمر؛ لأن عمر كان شديدا عليهم، فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثم إنه توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر، وكتب لمروان بخمس مصر أو بخمس إفريقية، وآثر أقرباءه بالمال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ الأموال، واستسلف من بيت المال، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك.

قلت: ومما نقموا عليه أنه عزل عمير بن سعد عن حمص، وكان صالحا زاهدا، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عمرو بن العاص عن مصر، وأمر ابن أبي سرح عليها، ونزع أبا موسى الأشعري عن البصرة، وأمر عليها عبد الله بن عامر، نزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص.

وقال القاسم بن الفضل: حدثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، قال: دعا عثمان ناسا من الصحابة فيهم عمار فقال: إني سائلكم وأحب أن تصدقوني: نشدتكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشا على سائر الناس، ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟فسكتوا، فقال: "لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتا بني أمية حتى يدخلوها".

وعن أبي وائل أن عبد الرحمن بن عوف كان بينه وبين عثمان كلام، فأرسل إليه: لم فررت يوم أحد وتخلفت عن بدر وخالفت سنة عمر؟ فأرسل إليه: تخلفت عن بدر؛ لأن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلتني بمرضها، وأما يوم أحد فقد عفا الله عني، وأما سنة عمر فوالله ما استطعتها أنا ولا أنت.

بين علي وعثمان

وقد كان بين علي وعثمان شيء فمشى بينهما العباس، فقال علي: والله لو أمرني أن أخرج من داري لفعلت، فأما أداهن أن لا يقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل.

وقال سيف بن عمر، عن عطية، عن يزيد الفقعسي، قال: لما خرج ابن السوداء إلى مصر نزل على كنانة بن بشر مرة، وعلى سودان بن حمران مرة، وانقطع إلى الغافقي فشجعه الغافقي فتكلم، وأطاف به خالد بن ملجم، وعبد الله بن رزين، وأشباه لهم، فصرف لهم القول، فلم يجدهم يجيبون إلى شيء ما يجيبون إلى الوصية، فقال: عليكم بناب العرب وحجرهم، ولسنا من رجاله، فأروه أنكم تزرعون، ولا تزرعوا العام شيئا حتى تنكسر مصر، فتشكوه إلى عثمان فيعزله عنكم، ونسأل من هو أضعف منه ونخلوا بما نريد، ونظر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان أسرعهم إلى ذلك محمد بن أبي حذيفة، وهو ابن خال معاوية، وكان يتيما في حجر عثمان، فكبر، وسأل عثمان الهجرة إلى بعض الأمصار، فخرج إلى مصر، وكان الذي دعاه إلى ذلك أنه سأل عثمان العمل، فقال: لست هناك.

قال: ففعلوا ما أمرهم به ابن السوداء، ثم إنهم خرجوا ومن شاء الله مهم، وشكوا عمرا واستعفوا منه، وكلما نهنه عثمان عن عمرو قوما وسكتهم انبعث آخرون بشيء آخر، وكلهم يطلب عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فقال لهم عثمان: أما عمرو فسننزعه عنكم ونقره على الحرب ثم ولى ابن أبي سرح خراجهم، وترك عمرا على الصلاة. فمشى في ذلك سودان، وكنانة بن بشر، وخارجة، فيما بين عبد الله بن سعد، وعمرو بن العاص، وأغروا بينهما حتى تكاتبا على قدر ما أبلغوا كلواحد، وكتبا إلى عثمان، فكتب ابن أبي سرح: إن خراجي لا يستقيم ما دام عمرو على الصلاة. وخرجوا فصدقوه واستعفوا من عمرو، وسألوا ابن أبي سرح، فكتب عثمان إلى عمرو: إنه لا خير لك في صحبة من يكرهك فأقبل. ثم جمع مصر لابن أبي سرح.وقد روي أنه كان بين عمار بن ياسر، وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان.

وقال سيف، عن مبشر، وسهل بن يوسف، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال: قدم عمار بن ياسر من مصر وأبي شاك، فبلغه، فبعثني إليه أدعوه، فقام معي وعليه عمامة وسخة وجبة فراء. فلما دخل على سعد قال له: ويحك يا أبا اليقظان إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الذي بلغني عنك من سعيك في فساد بين المسلمين، والتاليب على أمير المؤمنين، أمعك عقلك أم لا؟! فأهوى عمار إلى عمامته وغضب فنزعها، وقال: خلعت عثمان كما خلعت عمامتي هذه. فقال سعد: "إنا لله وإنا إليه راجعون" ويحك حين كثرت شيبتك ورق عظمك ونفد عمرك خلعت ربقة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عريانا. فقام عمار مغضبا موليا وهو يقول: أعوذ بربي من فتنة سعد. فقال سعد: ألا في الفتنة سقطوا، اللهم زد عثمان بعفوه وحلمه عندك درجات. حتى خرج عمار من الباب، فأقبل علي سعد يبكي حتى أخضل لحيته وقال: من يأمن الفتنة يا بني لا يخرجن منك ما سمعت منه، فإنه من الأمانة، وإني أكره أن يتعلق به الناس عليه يتناولونه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحق مع عمار ما لم تغلب عليه دلهة الكبر". فقد دله وخرف.

من قام علي عثمان؟

وممن قام على عثمان محمد بن أبي بكر الصديق، فسئل سالم بن عبد الله فيما قيل عن سبب خروج محمد قال: الغضب والطمع، وكان من الإسلام بمكان، وغره أقوام فطمع، وكانت له دالة، ولزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره.

وحج معاوية، فقيل: إنه لما رأى لين عثمان واضطراب أمره، قال: انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فأهل الشام على الطاعة فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي. قال: فأبعث إليك جندا. قال: أنا أقتر على جيران رسول الله الأرزاق بجند تساكنهم! قال: يا أمير المؤمنين والله لتغتالن ولتغزين قال: حسبي الله ونعم الوكيل.

وقد كان أهل مصر بايعوا أشياعهم من أهل الكوفة والبصرة وجميع من أجابهم، واتعدوا يوما حيث شخص أمراؤهم، فلم يستقم لهم ذلك، لكن أهل الكوفة ثار فيهم يزيد بن قيس الأرحبي واجتمع عليه ناس، وعلى الحرب يومئذ القعاع بن عمرو، فأتاه وأحاط الناس بهم

فناشدوهم، وقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء، فوالله إني لسامع مطيع، وإني لازم لجماعتي إلا أني أستعفي من إمارة سعيد. ولم يظهروا سوى ذلك، واستقبلوا سعيدا فردوه من الجرعة، واجتمع الناس على أبي موسى، فأقره عثمان.

ولما رجع الأمراء لم يكن للسبئية سبيل إلى الخروج من الأمصار، فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون، وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف، وأنهم يسألون عثمان عن أشياء لتطير في الناس ولتحقق عليه. فتوفوا بالمدينة، فأرسل عثمان رجلين من بنيمخزوم ومن بني زهرة، فقال: انظرا ما يريدون، وكانا ممن ناله من عثمان أدب، فاصطبرا للحق ولم يضطغنا، فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما، فقالا: من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة قالا: فكيف تصنعون؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس، ثم نرجع إليهم ونزعم لهم أنا قد قررناه بها، فلم يخرج منها ولم يتب، ثم نخرج كأننا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه، فإن أبى قتلناه.فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك، وقال: اللهم سلم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شقوا، فأما عمار فحمل علي ذنب ابن أبي لهب وعركة بي، وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى أن الحقوق لا تلزمه، وأما ابن سارة فغنه يتعرض للبلاء.

رد عثمان علي الثوار

وأرسل إلى المصريين والكوفيين ونادى: الصلاة جامعة -وهم عنده في أصل المنبر- فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم بالأمر، وقام الرجلان، فقال الناس: اقتل هؤلاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى نفسه أو إلى أحد، وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله، فاقتلوه".

وقال عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، إن هؤلاء قالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تتم، ألا وإني قدمت بلدا فيه أهلي فأتممت لهذا.


قالوا: وحميت الحمى، وإني والله ما حميت إلا ما حمي قبلي، وإني قد وليت وإني لأكثر العرب بعيرا وشاء، فمالي اليوم غير بعيرين لحجتي، أكذاك؟ قالوا: نعمقال: وقالوا: كان القرآن كتبا فتركتها إلا واحدا ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد، وإنما أنا في ذلك تابع هؤلاء، أفكذاك؟ قالوا: نعم.

وقالا: إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رده، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو رده، أفكذاك؟ قالوا: نعم

وقالوا: استعملت لأحداث. ولم استعمل إلا مجتمعا مرضيا، وهؤلاء أهل عملي فسلوهم، وقد ولي من قبلي أحدث منه، وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذاك؟ قالوا: نعم.

وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه. وإني إنما نفلته خمس الخمس، فكان مائة ألف، وقد نفل مثل ذلك أبو بكر وعمر، وزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم، وليس ذلك لهم، أكذاك؟ قالوا: نعم.

وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم. فأما حبهم فلم يوجب جورا، وأما إعطاؤهم، فإنما أعطيهم من مالي، ولا استحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد. وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، وجعل ولده كبعض من يعطى.

قال: ورجع أولئك إلى بلادهم وعفا عنهم قال: فتكاتبوا وتواعدوا إلى شوال، فلما كان شوال خرجوا كالحجاج حتى نزلوا بقرب المدينة، فخرج أهل مصر في أربع مائة، وأمراؤهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر الليثي، وسودان بن حمران السكوني، وقتيرة السكوني، ومقدمهم الغافقي بن حرب العكي، ومعهم ابن السوداءوخرج أهل الكوفة في نحو عدد أهل مصر، فيهم زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم، ومقدمهم عمرو بن الأصم.

خروج أهل البصرة ومصر والكوفة علي عثمان

وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة، وذريح بن عباد العبديان، وبشر بن شريح القيسي، وابن محرش الحنفي، وعليهم حرقوص بن زهير السعدي.
فأما أهل مصر فكانوا يشتهون عليا، وأما أهل البصرة فكانوا يشتهون طلحة، وأما أهل الكوفة فكانوا يشتهون الزبير، وخرجوا ولا تشك كل فرقة أن أمرها سيتم دون الأخرى، حتى كانوا من المدينة على ثلاث، فتقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب. وتقدم ناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم ناس من أهل مصر، ونزل عمتهم بذي المروة، ومشى فيما بين أهل البصرة وأهل مصر زياد بن النضر، وعبد الله بن الأصم ليكشفوا خبر المدينة، فدخلا فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وطلحة، والزبير، وعليا، فقالا: إنما نؤم هذا البيت، ونستعفي من بعض عمالنا، واستأذنوهم للناس بالدخول، فكلهم أبى ونهى، فرجعا. فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا، ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير، وقال كل فريق منهم: إن بايعنا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم كررنا حتى نبغتهم.

فأتى المصريون عليا وهو عسكر عند أحجار الزيت، وقد سرحابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فسلم على علي المصريون، وعرضوا له، فصاح بهم وطردهم، وقال: لقد علم الصالحون أنكم ملعونون، فارجعوا لا صحبكم الله، فانصرفوا، وفعل طلحة والزبير نحو ذلك.

فذه القوم وأظهروا أنهم راجعون إلى بلادهم، فذهب أهل المدينة إلى منازلهم، فلما ذهب القوم إلى عساكرهم كروا بم، وبغتوا أهل المدينة ودخلوها، وضجوا بالتكبير، ونزلوا في مواضع عساكرهم، وأحاطوا، بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن.

ولزم الناس بيوتهم، فأتى علي -رضي الله عنه- فقال: ما ردكم بعد ذهابكم؟ قالوا: وجدنا مع بريد كتابا بقتلنا. وقال الكوفيون والبصريون: نحن نمنع إخواننا وننصرهم فعلم الناس أن ذلك مكر منهم.

وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم، فساروا إليه على الصعب والذلول، وبعث معاوية إليه حبيب بن مسلمة، وبعث ابن أبي سرح معاوية بن حديج، وسار إليه من الكوفة القعقاع بن عمرو.

فلما كان يوم الجمعة صلى عثمان بالناس وخطب قال: يا هؤلاء الغزاء الله الله، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب، فإن الله لا يمحو السيئ إلا بالحسن. فقام محمد بن مسلمة، فقال: أنا أشهد بذلك، فاقعده حكيم بن جبلة فقام زيد بن ثابت فقال: ابغني الكتاب. فثار إليه من ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وتكلم فأفظع، وثار القوم بأجمعهم، فحصبوا الناس حتى أخرجوهم، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه، فاحتمل وأدخل الدار.

وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن ينصرهم إلا ثلاثة، فإنهم كانوا يراسلونهم، وهم: محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن جعفر، وعمار بن ياسر.

قال: واستقتل أناس: منهم زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وسعد بن مالك، والحسن بن علي، ونهضوا لنصرة عثمان، فبعث إليهم يعزم عليهم لما انصرفوا، فانصرفوا وأقبل علي حتى دخل على عثمان هو وطلحة والزبير يعودونه من صرعته، ثم رجعوا إلى منازلهم.

وقال عمرو بن دينار عن جابر قال: بعثنا عثمان خمسين راكبا، وعلنيا محمد بن مسلمة حتى أتينا ذا خشب، فإذا رجل معلق المصحف في عنقه، وعيناه تذرفان، والسيف بيده وهو يقول: ألا إن هذا -يعني المصحف- يأمرنا أن نضرب بهذا، يعني السيف، على ما في

هذا، يعني المصحف، فقال: محمد بن مسلمة: اجلس فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، فجلس فلم يزل يكلمهم حتى رجعوا.

وقال الواقدي: حدثني ابن جريج، وغيره عن عمرو عن جابر أن المصريين لما أقبلوا يريدون عثمان دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال: اخرج إليهم فارددهم وأعطهم الرضا، وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن البياع، فأتاهم ابن مسلمة، فلم يزل بهم حتى رجعوا، فلما كانوا بالبويب رأوا جملا عليه ميسم الصدقة، فأخذوه، فإذا غلام لعثمان، ففتشوا متاعه، فوجدوا قصبة من رصاص، فيها كتاب في جوف الإداوة في الماء. إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن أفعل بفلان كذا وبفلان كذا من القوم الذين شرعوا في قتل عثمان، فرجع القومثانية، ونازلوا عثمان وحصروه.

قال الواقدي: فحدثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه قال: أنكر عثمان أن يكون كتب ذلك الكتاب وقال: فعل ذلك بلا أمري.

وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد فذكر طرفا من الحديث، إلى أن قال: ثم رجعوا راضين، فبينما هم بالطريق ظفروا برسول إلى عامل مصر أن يصلبهم ويفعل ويفعل، فردوا إلى المدينة، فأتوا عليا فقالوا: ألم تر إلى عدو الله، فقم معنا قال: والله لا أقوم معكم قالوا: فلم كتبت إلينا؟ قال: والله ما كتبت إليكم. فنظر بعضهم إلى بعض، وخرج علي من المدينة، فانطلقوا إلى عثمان، فقالوا: أكتبت فينا بكذا؟ فقال: إنما هما اثنان، تقيمون رجلين من المسلمين -يعني شاهدين- أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا علمت، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم على الخاتم. فقالوا: قد أحل الله دمك، ونقض العهد والميثاق. وحصروه في القصر.

وقال ابن سيرين: إن عثمان بعث إليهم عليا فقال: تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما سخطتم. فأقبل معه ناس من وجوههم، فاصطلحوا على خمس: على أن المنفي يقلب، والمحروم يعطى، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويستعمل ذو الأمانة والقوة، كتبوا ذلك في كتاب، وأن يردوا ابن عامر إلى البصرة وأبا موسى إلى الكوفة وقال أبو الأشهب، عن الحسن قال: لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر السماء، وإن رجلا رفع مصحفا من حجرات النبي صلى الله عليه وسلم ثم نادى: ألم تعلموا أن محمدا قد برئ ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعا.

وقال سلام: سمعت الحسن، قال: خرج عثمان يوم الجمعة، فقام إليه رجل، فقال: أسألك كتاب الله. فقال: ويحك أليس معك كتاب الله! قام: ثم جاء رجل آخر فنهاه، وقام آخر، وآخر، حتى كثروا، ثم تحاصبوا حتى لم أر أديم السماء.

وروى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام، قال: بينما عثمان يخطب، فقام رجل فنال منه، فوذأته فاتذأ، فقال رجل: لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلا، فإنه من شيعته، فقلت له: لقد قلت القول العظيم في الخليفة من بعد نوح.

وذأته: زجرته وقمعته. وقالوا لعثمان "نعثلا" تشبيها له برجل مصري اسمه نعثل كان طويل اللحية، والنعثل: الذكر من الضباع، وكان عمر يشبه بنوح في الشدة.

وقال ابن عمر: بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جهجاه الغفاري، فأخذ من يده العصا فكسرها على ركبته، فدخلت منها شظية في ركبته، فوقعت فيها الأكلة.

وقال غيره: ثم إنهم أحاطوا بالدار وحصروه، فقال سعد بن إبراهيم، عن أبيه: سمعت عثمان يقول: إن وجدتم في الحق أن تضعوا رجلي في القيود فضعوهماوقال ثمامة بن حزن القشيري: شهدت الدار وأشرف عليهم عثمان، فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم. فدعيا له، كأنهما جملان أو حماران، فقال: أنشدكما الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس يها ماء عذب غير بئر رومة، قال: "من يشتريها فيكون دلوه كدلاء المسلمين، وله في الجنة خير منها". فاشتريتها، وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من الماء المالح؟ قالا: اللهم نعم قال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة بخير له منها في الجنة"، فاشتريتها وزدتها في المسجد، وأنت تمنعوني اليوم أن أصلي فيها؟ قالا: اللهم نعم قال: أنشدكما الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة، فتحرك وعليه أبو بكر وعم وأنا فقال: "اسكن فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان". قالا: اللهم نعم فقال: الله أكبر شهدا ورب الكعبة أني شهيد.

ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن بنحوه، وزاد فيه أنه جهز جيش العسرة. ثم قال: ولكن طال عليكم أمري فاستعجلتم، وأردتم خلع سربال سربلنيه الله، وإني لا أخلعه حتى أموت أو أقتل.

وعن ابن عمر، قال: فأشرف عليهم وقال: علام تقتلونني؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل قتل نفسا". فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت رجلا ولا كفرت.

قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: إني لمع عثمان وهو محصور، فكنا ندخل إليه مدخلا -إذا دخل إليه الرجل- سمع كلام من على البلاط، فدخل يوما فيه وخرج إلينا وهو متغير اللون فقال: إنهم يتوعدوني بالقتل، فقلنا: يكفيكهم الله.

وقال سهل السراج، عن الحسن قال عثمان: لئن قتلوني لا يقاتلون عدوا جميعا أبدا، ولا يقتسمون فيئا جميعا أبدا، ولا يصلون جميعا أبدا.

وقال مثله عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي ليلى الكندي، وزاد فيه: ثم أرسل إلى عبد الله بن سلام فقال: ما ترى؟ فقال: الكف الكف، فإنه أبلغ لك في الحجة. فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم رضي الله عنه وأرضاه.

وقال الحسن: حدثني وثاب، قال: بعثني عثمان، فدعوت له الأشتر، فقال: ما يريد الناس؟ قالك إحدى ثلاث: يخيرونك بين الخلع، وبين أن تقتص من نفسك، فإن أبيت فإنهم قاتلوك. فقال: ما كت لخلع سربالا سربلنيه الله، وبدني ما يقوم لقصاص.

وقال حميد بن هلال: حدثنا عبد الله بن مغفل، قال: كان عبد الله بن سلام يجيء من أرض له على حمار يوم الجمعة، فلما هاجوا بعثمان قال: يا أيها الناس لا تقتلوا عثمان، واستعتبوه، فوالذي نفسي بيده ما قتلت أمة نبيها فصلح ذات بينهم حتى يهريقوا دم سبعين ألفا، وما قتلت أمة خليفتها فيصلح الله بينهم حتى يهريقوا دم أربعين ألفًان وما هلكت أمة حتى يرفعوا القرآن على السلطان: قال: فلم ينظرو فيما قال، وقتلوه، فجلس على طريق علي بن أبي طالب، فقال له: لا تأت العراقوالزم منبر رسول الله، فوالذي نفسي بيده لئن تركته لا تراه أبدًا. فقال من حول علي: دعنا نقتله. قال: دعوا عبد الله بن سلام، فإنه رجل صالح.

قال عبد الله بن مغفل: كنت استأمرت عبد الله بن سلام في أرض أشتريها، فقال بعد ذلك: هذه رأس أربعين سنة، وسيكون بعدها صلح فاشترها. قيل لحميد بن هلال: كيف ترفعون القرآن على السلطان؟ قال: ألم تر إلى الخوراج كيف يتأولون القرآن على السلطان؟

ودخل ابن عمر على عثمان وهومحصور، فقال: ما ترى؟ قال: أرى أن تعطيهم ما سألوك من وراء عتبة بابك غير أن لا تخلع نفسك. فقال: دونك عطاءك -وكان واجدًا عليه- فقال: ليس هذا يوم ذاك. ثم خرج ابن عمر إليهم فقال: إياكم وقتل هذا الشيخ، والله لئن

قتلتموه لم تحجوا البيت جميعا أبدا، ولم تجاهدوا عدوكم جميعا أبدا، ولم تقتسموا فيئكم جميعا أبدا إلا أن تجتمع الأجساد والأهواء مختلفة، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون نقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، عن ابن عمر.

وعن أبي جعفر القارئ، قال: كان المصريون الذين حصروا عثمان ستة مائة: رأسهم كنانة بن بشر، وابن عديس البلوي، وعمرو بن الحمق، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة، رأسهم حكيم بن جبلة، وكانوا يدا واحدة في الشر، وكانت حثالة من الناس قد ضووا إليهم، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين خذلوه كرهوا الفتنة وظنوا أن الأمر لا يبلغ قتله، فلا قتل ندموا على ما ضيعوا في أمره، ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا فيوجوه أولئك التراب لانصرفوا خاسئين.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن، قال: لما كثر الطعن على عثمان تنحى علي إلى ماله بينبع، فكتب إليه عثمان: أما بعد فقد بلغ الحزام الطبيين، وخلف السيل الزبى، وبلغ الأمر فوق قدره، وطمع في الأمر من لا يدفع عن نفسه:


فإن كنت مأكولا فكن خير آكل


 وإلا فأدركني ولما أمزق


والبيت لشاعر من عبد القيس.


الطبي: موضع الثدي من الخيل.


وقال محمد بن جبير بن مطعم: لما حصر عثمان أرسل إلى علي: إن ابن عمك مقتول، وإنك مسلوب.

وعن أبان بن عثمان قال: لما ألحوا على عثمان بالرمي، خرجت حتى أتيت عليا فقلت: يا عم أهلكتنا الحجارة فقام معي، فلم يزل يرمى حتى فتر منكبه، ثم قال: يا ابن أخي، اجمع حشمك، ثم يكون هذا شأنك.

وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي جعفر محمد بن علي: إن عثان بعث إلى علي يدعوه وهو محصور، فأراد أن يأتيه، فتعلقوا به ومنعوه، فحسر عمامة سوداء عن رأسه وقال: اللهم لا أرضى قتله ولا آمر به.

وعن أبي إدريس الخولاني، قال: أرسل عثمان إلى سعد، فأتاه، فكلمه فقال له سعد:

أرسل إلى علي، فإن أتاك ورضى صلح الأمر قال: فأنت رسولي إليه فأتاه فقام معه

علي، فمر بمالك الأشتر، فقال الأشترلأصحابه: أين يريد هذا؟ قالوا: يريد عثمان، فقال: والله لئندخل عليه لتقتلن عن آخركم، فقام إليه في أصحابه حتى اختلجه عن سعد وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتله فأسرعوا. فدخلوا عليه فقتلوه.

وعن أبي حبيبة قال: لما اشتد الأمر قالوا لعثمان -يعني الذين عنده في الدار- ائذن لنا في القتال، فقال: أعزم على من كانت لي عليه طاعة أن لا يقاتل.

أبو حبيبة هو مولى الزبير، روى عنه موسى بن عقبة.

وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه. وحدثني عبد الحميد بن عمران، عن أبي، عن مسور بن مخرمة "ح" وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمه، عن ابن الزبير. "ح" وحدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قالوا: بعث عثمان المسور بن مخرمة إلى معاوية يعلمه أنه محصور، ويأمره أن يجهز إليه جيشا سريعا. فلما قدم على معاوية ركب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة، ومعاوية بن حديج، فساروا من دمشق إلى عثمان عشرا. فدخل معاوية نصف الليل، وقبل رأس عثمان، فقال: أين الجيش؟ قال: ما جئت إلا في ثلاثة رهط فقال: عثمان: لا وصل الله رحمك، ولا أعز نصرك، ولا جزاك خيرا، فوالله لا أقتل إلا فيك، ولا ينقم علي إلا من أجلك. فقال: بأبي أنت وأمي، لو بعثت إليك جيشا فسمعوا به عاجلوك فقتلوك، ولكن معي نجائب، فاخرج معي، فما شعر بي أحد، فوالله ما هي إلا ثلاث حتى نرى معالم الشام. فقال: بئس ما أشرت به، وأبى أن يجيبهفأسرع معاوية راجعا. ورد المسور يريد المدينة فلقي معاوية بذي المروة راجعا، وقدم على عثمان وهو ذام لمعاوية غير عاذر له.

فلما كان في حصره الآخر، بعث المسور ثانيا إلى معاوية لينجده، فقال: إن عثمان أحسن فأحسن الله به، ثم غير فغير الله به، فشددت عليه، فقال: تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم: اذهب فادفع عنه الموت، وليس ذلك بيدي، ثم أنزلني في مشربة على رأسه، فما دخل علي داخل حتى قتل عثمان.

وأما سيف بن عمر، فروى عن أبي حارثة وأبي عثمان، قالا: لما أتى معاوية الخبر أرسل إلى حبيب بن مسلمة الفهري فقال: أشر علي برجل منفذ لأمري، ولا يقصر، قال: ما أعرف لذاك غيري قال: أنت لها وجعل على مقدمته يزيد بن شجعة الحميري في ألف وقال: إن قدمت يا حبيب وقد قتل، فلا تدعن أحدا أشار إليه ولا أعان عليه إلا قتلته، وإن أتاك الخبر قبل أن تصل، فأقم حتى أنظر. وبعث يزيد بن شجعة في ألف على البغال، يقودون

الخيل، معهم الإبل عليها الروايا فأغذ السير، فأتاه قتله بقرب خيبر. ثم أتاه النعمان بن بشير، معه القميص الذي قتلوه فيه، فيه الدماء وأصابع امرأته نائلة، قد قطعوها بضربة سيف، فرجعوا، فنصب معاوية القميص على منبر دمشق، والأصابع معلقة فيه، وآلى رجال من أهل الشام لا يأتون النساء ولا يمسون الغسل إلا من حلم، ولا ينامون على فراش حتى يقتلوا قتلة عثمان، أو تفنى أرواحهم، وبكوه سنة.

وقال الأوزاعي: حدثني محمد بن عبد الملك بن مروان، أن المغيرة بن شعبة، دخل على عثمان وهو محصور، فقال: إنك إمام العامةوقد نزل بك ما ترى، وإني أعرض عليك خصالا: إما أن تخرج فتقاتلهم، فإن معك عددا وقوة، وإما أن تخرق لك بابا سوى الباب الذي هم عليه، فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام، فإنهم أهل الشام، وفيهم معاوية فقال: إني لن أفارق دار هجرتي، ولن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء.

وقال نافع عن ابن عمر: أصبح عثمان حدث الناس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام، فقال: "أفطر عندنا غدًا"، فأصبح صائما، وقتل من يومه.

وقال محمد بن سيرين: ما أعلم أحدا يتهم عليا في قتل عثمان، وقتل وإن الدار غاصة، فيهم ابن عمر، والحسن بن علي، ولكن عثمان عزم عليهم أن لا يقاتلوا.

ومن وجه آخر، عن ابن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عمر، ومروان، وابن الزبير، كلهم شاك السلاح، حتى دخلوا على عثمان، فقال: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فقال ابن الزبير ومروان: نحن نعزم على أنفسنا أن لا نبرح.وخرج الآخرون.

وقال ابن سيرين: كان مع عثمان يومئذ في الدار سبع مائة، لو يدعهم لضربوهم حتى يخرجوهم من أقطارها.وروي أن الحسن بن علي ما راح حتى جرح.

وقال عبد الله بن الزبير: قلت لعثمان: قاتلهم، فوالله لقد أحل اللهلك قتالهم، فقال: لا أقاتلهم أبدا، فدخلوا عليه وهو صائم وقد كان عثمان أمر ابن الزبير على الدار، وقال: أطيعوا عبد الله بن الزبير.

وقال ابن سيرين: جاء زيد بن ثابت في ثلاث مائة من الأنصار، فدخل على عثمان، فقال: هذه الأنصار بالباب. فقال: أما القتال فلا.

وقال أبو صالح، عن أبي هريرة، قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: طاب الضرب. فقال: أيسرك أن يقتل الناس جميعا وأنا معهم؟ قلت: لا، قال: فإنك إن قتلت رجلا واحدا، فكأنما قتلت الناس جميعا. فانصرفت ولم أقاتل.

وعن أبي عون مولى المسور قال: ما زال المصريون كافين عن القتال، حتى قدمت أمداد العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سرح من مصر، فقالاك نعالجه قبل أن تقدم الأمداد.

وعن مسلم أبي سعيد قال: أعتق عثمان عشرين مملكا ثم دعا بسراويل، فشدها عليه ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال: إني رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة، وأبا بكر، وعمر، فقال: "اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة". ثم نشر المصحف بين يديه، فقتل وهو بين يديه.

وقال ابن عون، عن الحسن: أنبأني وثاب مولى عثمان قال: جاء رويحل كأنه ذئب، فاطلع من باب، ثم رجع، فجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلا، فدخل حتى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه، فقال: ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك. فقال: أرسل لحيتي يا ابن أخي. قال: فأا رأيته استعدى رجلا من القوم عليه يعينه، فقام إلى عثمان بمشقص، حتى وجأ به في رأسه ثم تعاوروا عليه حتى قتلوهوعن ريطة مولاة أسامة قالت: كنت في الدار، إذ دخلوا، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فهزها، فقال: يا ابن أخي دع لحيتي فإنك لتجذب ما يعز على أبيك أن تؤذيها. فرأيته كأنه استحيى، فقام، فجعل بطرف ثوبه هكذا: ألا ارجعوا ألا ارجعوا. قالت: وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة، فضرب بها جبهته فرأيت الدم يسيل، وهو يمسحه ويقول: "اللهم لا يطلب بدمي غيرك"، وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأقعصه، وتعاوروه بأسيافهم، فرأيتهم ينتهبون بيته.

وقال مجالد، عن الشعبي قال: جاء رجل من تجيب من المصريين، والناس حول عثمان، فاستل سيفه، ثم قال: أفرجوا، ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان، فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان السيف لتمنع عنه، فحز السيف أصابعها.وقيل: الذي قتله رجل يقال له: حمار.

وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد، أن محمد بن أبي بكر تسور من دار عمرو بن حزم على عثمان، ومعه كنانة بن بشر، وسودان، وعمرو بن الحمق، فوجدوه عند نائلة يقرأ في المصحف، فتقدمهم محمد، فأخذ بلحيته، وقال: يا نعثل قد أخزاك الله فقال: لست بنعثل ولكنني عبد الله، وأمير المؤمنين. فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان قال: يا ابن أخي دع لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت. فقال: ما يراد بك أشد من قبضتي، وطعن جنبه بمشقص، ورفع كنانة مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاهبالسيف قال عبد الرحمن بن عبد العزيز: فسمعت ابن أبي عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمود حديد، وضربه سودان المرادي فقتله، ووثب عليه عمرو بن الحمق، وبه رمق، وطعنه تسع طعنات، وقال: ثلاث لله، وست لما في نفسي عليه.

وعن المغيرة قال: حروه اثنين وعشرين يوما، ثم أحرقوا الباب، فخرج من في الدار.
وقال سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد، قال: فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فخرج وتركه ثم دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فأهوى إليه بالسيف، فاتقاه بيده فقطعها، فقال: أما والله إنها لأول كف خطت المفصل ودخل عليه رجل يقال له: الموت الأسود، فخنقه قبل أن يضرب بالسيف، قال: فوالله ما رأيت شيئا ألين من حلقه، لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان تردد في جسده.

وعن الزهري قال: قتل عند صلاة العصر، وشد عبد لعثمان على كنانة بن بشر فقتله، وشد سودان على العبد فقتله.

وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد، قال: ضربوه فجرى الدم على المصحف على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [البقرة: 137] .

وقال عمران بن حدير، إلا يكن عبد الله بن شقيق حدثني: أن أولقطرة قطرت من دمه على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} فإن أبا حريث ذكر أنه ذهب وهو وسهيل المرى، فأخرجوا إليه المصحف، فإذا قطرة الدم على {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} قال: فإنها في المصحف ما حكت.

وقال محمد بن عيسى بن سميع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان؟ قال: قتل مظلوما، ومن خذله كان معذورا، ومن قتله كان ظالما، وإنه لما استخلف كره ذلك نفر من الصحابة؛ لأنه كان يحب قومه ويوليهم، فكان يكون منهم ما تنكره الصحابة فيستعتب فيهم، فلا يعزلهم، فلما كان في الست الحجيج الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وما أشرك معهم، فولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فمكث عليها، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه. وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى ابن مسعود وأبي ذر وعمار فحنق عليه قومهم، وجاء المصريون يشكون ابن أبي سرح، فكتب إليه يتهدده فأبى أن يقبل، وضرب بعض من أتاه ممن شكاه فقتله.

فخرج من أهل مصر سبع مائة رجل، فنزلوا المسجد، وشكوا إلى الصحابة ما صنع ابن أبي سرح بهم، فقام طلحة فكلم عثمان بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة تقول له: أنصفهم من عاملك، ودخل عليه علي، وكان متكلم القوم، فقال: إنما يسألونك رجلا مكان رجل، وقد ادعوا قبله دما، فاعزله، واقض بينهم فقال: اختاروا رجلا أوله فأشاروا عليه بمحمد بن أبي بكر، فكتب عهده، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح. فلما كان محمد على مسيرة ثلاث من المدينة، إذا هم بغلام أسود على بعير مسرعا فسألوه فقال: وجهني أمير المؤمنين إلى عامل مصر، فقالوا له: هذا عامل أهل مصر، وجاؤوا به إلى محمد، وفتشوه فوجدوا إداوتهتتقلقل، فشقوها، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح، فجمع محمد من عنده من الصحابة، ثم فك الكتاب، فإذا فيه: إذا أتاك محمد، وفلان، وفلان فاستحل قتلهم، وأبطل كتابه، واثبت على عملك. فلما قرأوا الكتاب رجعوا إلى المدينة، وجمعوا طلحة، وعليا، والزبير، وسعدا، وفضوا الكتاب، فلم يبق أحد إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك غضبا وحنقا أعوان أبي ذر، وابن مسعود، وعمار.

وحاصر أولئك عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة، والزبير، وعمار، ثم دخل على عثمان، ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال: هذا الغلام والبعير لك؟ قال: نعم، قال: فهذا كتابك؟ فحلف أنه ما كتبه ولا أمر به، قال: فالخاتم خاتمك؟ قال: نعم فقال: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به! وعرفوا أنه خط مروان وسألوه أن يدفع إليهم مروان، فأبى وكان عنده في الدار، فخرجوا من عنده غضابا، وشكوا في أمره، وعلموا أنه لا يحلف بباطل ولزموا بيوتهم.

وحاصره أولئك حتى منعوه الماء، فأشرف يوما، فقال: أفيكم علي؟ قالوا: لا قال: أفيكم سعد؟ قالوا: لا فسكت، ثم قال: ألا أحد يسقينا ماء. فبلغ ذلك عليا، فبعث إليه بثلاث قرب فجرح في سببها جماعة حتى وصلت إليه، وبلغ عليا أن عثمان يراد قتله فقال: إنما أردنا منه مروان، فأما عثمان، فلا ندع أحدا يصل إليه.

وبعث إليه الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من الصحابة أبناءهم، يمنعون الناس منه، ويسألونه إخراج مروان، فلما راى ذلك محمد بن أبي بكر، ورمى الناس عثمان بالسهام، حتى خضب الحسن بالدماء على بابه، وأصاب مروان سهم، وخضب محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي، فخشي محمد أن يغضب بنو هاشم لحالالحسن، فاتفق هو وصاحباه، وتسوروا من دار، حتى دخلوا عليه، ولا يعلم أحد من أحل الدار؛ لأنهم كانوا فوق البيوت، ولم يكن مع عثمان إلا امرأته. فدخل محمد فأخذ بلحيته، قال: والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني فتراخت يده، ووثب الرجلان عليه فقتلاه، وهربوا من حيث دخلوا، ثم صرخت المرأة، فلم يسمع صراخها لما في الدار من الجلبة، فصعدت إلى الناس وأخبرتهم، فدخل الحسن والحسين وغيرهما فوجوده مذبوحا.

وبلغ عليا وطلحة والزبير الخبر، فخرجوا -وقد ذهبت عقولهم- ودخلوا فرأوه مذبوحا، وقال علي: كيف قتل وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزبير، وابن طلحة، وخرج غضبان إلى منزله. فجاء الناس يهرعون إليه ليبايعوه، قال: ليس ذاك إليكم، إنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضوه فهو خليفة. فلم يبق أحد من البدريين إلا أتى عليا، فكان أول من بايعه طلحة بلسانه، وسعد بيده، ثم خرج إلى المسجد فصعد المنبر، فكان أول من صعد إليه طلحة، فبايعه بيده، ثم بايعه الزبير وسعد والصحابة جميعا، ثم نزل فدعا الناس، وطلب مروان، فهرب منه هو وأقاربه.

وخرجت عائشة باكية تقول: قتل عثمان، وجاء علي إلى امرأة عثمان، فقال: من قتله؟ قالت: لا أدري، وأخبرته بما صنع محمد بن أبي بكر فسأله علي، فقال: تكذب، قد والله دخلت عليه، وأنا أريد قتله، فذكر لي أبي، فقمت وأنا تائب إلى الله والله ما قتلته ولا أمسكته، فقالت: صدق، ولكنه أدخل اللذين قتلاه.

وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جدهقال: اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد قتل عثمان، فقال أبو جهم بن حذيفة: أما من بايعنا منكم فلا يحول بيننا

وبين قصاص. فقال عمار: أما دم عثمان فلا فقال: يا ابن سمية، أتقتص من جلدات جلدتهن، ولا تقتص من دم عثمان! فتفرقوا يومئذ عن غير بيعة.

وروى عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: قال مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم -يعني عليا عن عثمان- قال: فقلت: ما بالكم تسبونه على المنابر! قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك. رواه ابن أبي خيثمة. بإسناد قوي، عن عمر.

وقال الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن سعيد بن أبي زيد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: كان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم، وخمسون ومائة ألف دينار، فانتهيت وذهبت، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات بقيمة مائتي ألف دينار.

وقال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: بلغني أن الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا.

وقال ليث بن أبي سليم، عن طاووس، عن ابن عباس سمع عليا يقول: والله ما قتلت -يعني عثمان- ولا أمرت، ولكن غلبت، يقول ذلك ثلاثا. وجاء نحوه عن علي من طرق، وجاء عنه أنه لعن قتلة عثمان.

وعن الشعبي قال: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك:

كعب بن مالك يرثي عثمان بن عفان


فكف يديه ثم أغلق بابه 


 وايقن أن الله ليس بغافل


وقال لأهل الدار: لا تقتلوهم


 عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل


فكيف رأيت الله صب عليهم الـ 


ـعداوة والبغضاء بعد التواصل


وكيف رأيت الخير أدبر بعده


 عن الناس إدبار النعام الجوافل


ورثاه حسان بن ثابت بقوله:


من سره الموت صرفا لا مزاج له 


 فليأت مأدبة في دار عثمانا


ضحوا بأشمط عنوان السجود به 


 يقطع الليل تسبيحا وقرآنا


صبرا فدى لكم أمي وما ولدت


 قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا









المصادر 

سير أعلام النبلاء




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-