أَهاجَتكَ سَلمى أَم أَجَدَّ بُكورُها-كثيرعزة


أَهاجَتكَ سَلمى أَم أَجَدَّ بُكورُها-كثيرعزة



 قصيدة:أَهاجَتكَ سَلمى أَم أَجَدَّ بُكورُها من البحر الطويل  كثير عزة



أَهاجَتكَ سَلمى أَم أَجَدَّ بُكورُها لكثير عزة من البحر الطويل



 كثيرعزة: كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر  بن مخلد، أبو صخر الخزاعي الشاعر:واسم أمه جمعة بنت الأشيم بن خالد، وقيل: جمعة بنت كعب بن عمرو. وقيل:كانت كنية جده أبي أمه أبا جمعة، فلذلك قيل: ابن أبي جمعة. 

وكان  كثيرعزة شاعرا مجيدا إلا أنه كان رافضيا يقول بإمامة محمد بن الحنفية، وأنه أحق من الحسن والحسين بالإمامة ومن سائر الناس.

 وأنه حي مقيم بجبل رضوى لا يموت. ومدح عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، وكان يقول بالتناسخ والرجعة. وكان يقول: أنا يونس بن متى، يعني أن روحه نسخت في. 

وقال  كثيرعزة يوما: ما يقول الناس في؟ قيل: يقولون أنك الدجال، فقال:
إني لأجد في عيني ضعفا منذ أيام.

وكان  كثيرعزة بمكة وقد ورد على الأمراء الأمر بلعن علي رضي الله عنه، فرقي المنبر وأخذ بأستار الكعبة وقال:

لعن الله من يسب عليا 

 وبنيه من سوقة وإمام

أيسب المطهرون أصولا

 والكرام الأخوال والأعمام

يأمن الطير والحمام ولا 

 يأمن آل الرسول عند المقام

فأنزلوه عن المنبر وأثخنوه ضربا بالنعال وغيرها فقال:

إن امرأ كانت مساوئه 

 حب النبي بغير ذي عتب

وبني أبي حسن ووالدهم 

 من طاب في الأرحام والصلب

أترون ذنبا أن أحبهم 

 بل حبهم كفارة الذنب

وكان كثير دميم الخلقة فاستزاره عبد الملك، فازدراه لدمامته، فقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه  ، فقال كثير:

ترى الرجل النحيف فتزدريه 

 وفي أثوابه أسد مزير

فقال له: إن كنا أسأنا اللقاء فلسنا نسيء الثواء، حاجتك، قال: تزوجني عزة، فأراد أهلها على ذلك، فقالوا: هي بالغ وأحق بنفسها، فقيل لها، فقالت: أبعد ما تشبب بي وشهرني في العرب ما لي إلى ذلك سبيل.


كان عبد الملك بن مروان يحب النظر إلى  كثيرعزة إذ دخل عليه آذنه يوما، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا كثير بالباب، فاستبشر عبد الملك وقال: أدخله يا غلام، فأدخل كثير- وكان دميما حقيرا تزدريه العين- فسلم بالخلافة، فقال عبد الملك: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال كثير: مهلا يا أمير المؤمنين، فإنما الرجل بأصغريه:لسانه وقلبه، فإن نطق نطق ببيان، وإن قاتل قاتل بجنان، وأنا الذي أقول:

وجربت الأمور وجربتني 

 فقد أبدت عريكتي الأمور

وما تخفى الرجال علي إني 

 بهم لأخو مثابته خبير

ترى الرجل النحيف فتزدريه

 وفي أثوابه أسد مزير

ويعجبك الطرير فتبتليه

 فيخلف ظنك الرجل الطرير

وما عظم الرجال لهم بزين

 ولكن زينها كرم وخير

بغاث الطير أطولها جسوما 

ولم تطل البزاة ولا الصقور

بغاث الطير أكثرها فراخا 

 وأم الصقر مقلات نزور

لقد عظم البعير بغير لب

 فلم يستغن بالعظم البعير

فيركب ثم يضرب بالهراوي

 ولا عرف لديه ولا نكير

ثم قال له: يا كثير أنشدني في إخوان ذكروك بهذا، فأنشده:

خير إخوانك المنازل في المر 

وأين الشريك في المرّ أينا

الذي إن حضرت سرك في الحي 

وإن غبت كان أذنا وعينا

ذاك مثل الحسام أخلصه القين 

 جلاه الجلاء فازداد زينا

أنت في معشر إذا غبت عنهم 

 بدلوا كل ما يزينك شيئا

وإذا ما رأوك قالوا جميعا

 أنت من  أكرم الرجال علينا

فقال له عبد الملك: يغفر الله لك يا كثير، فأين الإخوان غير أني أقول:

صديقك حين تستغني كثير

 وما لك عند فقرك من صديق

فلا تنكر على أحد إذا ما 

 طوى عنك الزيارة عند ضيق

وكنت إذا الصديق أراد غيظي

 على حنق وأشرقني بريقي

غفرت ذنوبه وصفحت عنه 

مخافة أن أكون بلا صديق

وكان كثير يعشق عزة بنت حميد  بن وقاص، وهي من بني ضمرة، وتشبب بها، وكانت حلوة مليحة، وكان ابتداء عشقه لها  أنه كان كثير مر بنسوة من بني ضمرة ومعه غنم، فأرسلن إليه عزة وهي صغيرة، فقالت: تقول لك النسوة: بعنا كبشا من هذه الغنم وأنسئنا بثمنه إلى أن ترجع، فأعطاها كبشا فأعجبته حينئذ، فلما رجع جاءته امرأة منهن بدراهمه، فقال: أين الصبية التي أخذت مني الكبش؟  قالت: وما تصنع بها، هذه دراهمك، قال: لا آخذ دراهمي إلا ممن دفعت إليه، وقال:

قضى كل ذي دين فوفى غريمه 

وعزة ممطول معنى غريمها

وفي رواية أنه أنشدهن:

نظرت إليها نظرة وهي عاتق 

على حين أن شبت وبان نهودها

نظرت إليها نظرة ما يسرني 

 بها حمر أنعام البلاد وسودها

وكنت إذا ما جئت سعدا بأرضها 

 أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها

من الخفرات البيض ود جليسها 

 إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

ثم أحبته عزة أشد من حبه إياها، ودخلت إليه يوما وهو يبري السهام فحدثته وهو يبري فبرى ذراعه وسال الدم وهو لا يعلم.

وقد حكي عنه أنه لم يكن بالصادق في محبته. وروينا أن عزة تنكرت له فتبعها وقال: يا سيدتي قفي أكلمك، قالت وهل تركت عزة فيك بقية لأحد، فقال: لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك، قالت: فكيف بما قلت في عزة؟ قال: أقلبه لك، فسفرت عن وجهها وقالت: أغدرا يا فاسق، ومضت، فقال:

ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي

 من السم جدحات بماء الذرارح

فمت ولم تعلم علي خيانة

 وكم طالب للربح ليس برابح

خرج كثير يلتمس عزة ومعه شنينة فيها ماء فأخذه العطش فتناول الشنينة فإذا هي غطم ما فيها شيء من الماء  ، فرفعت له نار فأمها، فإذا بقربها مظلة بفنائها عجوز، فقالت له: من أنت؟ قال: أنا كثير، قالت: قد كنت أتمنى ملاقاتك فالحمد للَّه الذي أرانيك، قال: وما الذي تلتمسينه عندي؟ قالت: ألست القائل:

إذا ما أتينا خلة كي تزيلها

 أبينا وقلنا الحاجبية أول

سنوليك عرفا إن أردت وصالنا 

 ونحن لتلك الحاجبية أوصل

قال: بلى، قالت: أفلا قلت كما قال سيدك جميل:

يا رب عارضة علي وصالها 

 بالجد تخلطه بقول الهازل

فأجبتها في القول بعد تأمل

 حبي بثينة عن وصالك شاغلي

لو كان في قلبي كقدر قلامة 

 فضلا وصلتك أو أتتك رسائلي

قال: دعي هذا واسقيني ماء، قالت: والله لا سقيتك شيئا، قال: ويحك إن العطش قد أضر بي، قالت ثكلت بثينة إن طعمت عندي قطرة ماء، فكان جهده أن ركضت راحلته ومضى يطلب الماء، فما بلغه حتى أضحى النهار وقد أجهده العطش.

قال أبو بكر بن الأنباري: وحدثني أبي، قال: حدثنا أبو عكرمة وأحمد بن عبيدة، قالا:لما أتى يزيد بن عبد الملك بأسارى بني المهلب أمر بضرب أعناقهم، فكان كثير حاضرا، فقام وأنشأ يقول:

فعفو أمير المؤمنين وحسبة 

 فما يحتسب من صالح لك يكتب

أساءوا فإن تغفر فإنك قادر

 وأفضل حلم حسبة حلم مغضب

فقال يزيد: يا كثير أطت بك الرحم قد وهبناهم لك، وأمر برفع القتل عنهم.

قال أبو بكر: أطت: حنت.

خرج كثير يريد عبد العزيز بن مروان فأكرمه ورفع منزلته وأحسن جائزته وقال:سلني ما شئت من الحوائج، قال: نعم أحب أن تنظر لي من يعرف قبر عزة فيقفني عليه، فقال رجل من القوم: إني لعارف به، فانطلق به الرجل حتى انتهى إلى قبرها، فوضع يده عليه وعيناه تجريان وهو يقول:

وقفت على ربع لعزة ناقتي

 وفي الترب رشاش من الدمع يسفح

فيا عز أنت البدر قد حال دونه 

 رجيع تراب والصفيح المصرح

وقد كنت أبكي من فراقك خيفة 

 فهذا لعمري اليوم إياي أنزح

فهلا فداك الموت من أنت قربه 

 ومن هو أسوأ منك حالا وأقبح

ألا لا أرى بعد ابنة النضر لذة 

 بشيء ولا ملحا لمن يتملح

فلا زال وادي رمس عزة سائلا 

 به نعمة من رحمة الله تسفح

أرب لعيني البكا كل ليلة

 فقد كان مجرى دمع عيني يقرح

إذا لم يكن ماء تجلتنا دما 

 وشر البكاء المستعار الممنح

ومن شعر كثير:

خليلي هذا رسم عزة فاعقلا 

 قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت

وما كنت أدري قبل عزة ما البكا

 ولا مرجفات الحزن حتى تولت

فقلت لها يا عز كل مصيبة 

 إذا وطنت يوما لها النفس ذلت

أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها 

 وحلت بلاغا لم تكن قبل حلت

وو الله ما قاربت إلا تباعدت 

 بصرم ولا أكثرت إلا أقلت

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة 

 لدينا ولا مولية إن تقلت

فلا يحسب الواشون أن صبابتي 

 بعزة كانت غمرة فتجلت

وكنا ارتقينا من صعود من الهوى

 فلما علوناه ثبت وزلت

وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا 

 فلما توافينا شددت وحلت

وللعين أسراب إذا ما ذكرتها 

 وللقلب أسرار إذا العين ملت

توفي كثير عزة وعكرمة في هذه السنة في يوم واحد، فصلي عليهما في مكان واحد بعد الظهر، فقال الناس: مات أفقه الناس وأشعر الناس. وكان كثير يقول عند موته لأهله: لا تبكوا علي فإني بعد أربعين يوما أرجع


أَهاجَتكَ سَلمى أَم أَجَدَّ بُكورُها

وَحُفَّت بِأَنطاكِيّ رَقمٍ خُدورُها

عَلى هاجِراتِ الشَولِ قَد خَفَّ خَطرُها

وَأَسلَمَها لِلظاعِناتِ جُفورُها

قَوارِضُ حَضنَيْ بَطنِ يَنبُعَ غُدوَةً

قَواصِدُ شَرقِيِّ العَناقينِ عيرُها

عَلى جِلَّةٍ كَالهَضبِ تَختالُ في البُرى

فَأَحمالُها مَقصورَةٌ وَكؤورُها

بُروكٌ بِأَعلى ذي البُلَيدِ كَأَنَّها

صَريمَةُ نخلٍ مُغطَئِلٌّ شَكيرُها

مِنَ الغُلبِ مِن عِضدانِ هامَةَ شُرِّبَت

لِسَقيٍ وَجَمَّت لِلنَواضِحِ بيرُها

غَدَت أُمُّ عَمرو وَاِستَقَلَّت خُدورُها

وَزالَت بِأَسدافٍ مِنَ اللَيلِ عيرُها

تَبَدَّت فَصادَتهُ عَشِيَّةَ بَينِها

وَقَد كُشِفَت مِنها لِبَينٍ سُتورُها

بِجيدٍ كَجيدِ الرِئمِ حالٍ تزينُهُ

غَدائِرُ مُستَرخي العِقاصِ يَصورُها

تَلوثُ إِزارَ الخَزِّ مِنها بِرَملَةٍ

رَداحٍ كَساها هائِلَ التُربِ مورُها

أَجَدَّت خُفوفاً مِن جَنوبِ كُنانَةٍ

إِلى وَجمَةٍ لَمّا اِسجَهَرَّت حَرورُها

وَمَرَّت عَلى التَقوى بِهِنَّ كَأَنَّها

سَفائِنُ بحرٍ طابَ فيها مَسيرُها

أَو الدَومُ مِن وادي غُرانَ تَرَوَّحَت

لَهُ الريحُ قَصراً شَمأَلٌ وَدَبورُها

نَظَرتُ وَقَد حالَت بَلاكِثُ دونَهُم

وَبُطنانُ وادي بِرمَةٍ وَظهورُها

إِلى ظُعنٍ بِالنَعفِ نَعفِ مَياسِرٍ

حَدَتها تَواليها وَمارَت صُدورُها

عَلَيهِنَّ لُعسٌ مِن ظِباء تَبالَةٍ

مُذَبذَبَةُ الخِرصانِ بادٍ نُحورُها

فَلَمّا بَلَغنَ المُنتَضى بَينَ غَيقَةٍ

وَيَليَلَ مالَت فَاِحزَأَلَّت صُدورُها

وَأَتبَعتُها عَينَيَّ حَتّى رَأَيتُها

أَلَمَّت بِفِعرى وَالقَنانِ تَزورُها

وَمازِلتُ أَستَدمي وَما طَرَّ شارِبي

وِصالَكِ حَتّى ضَرَّ نَفسي ضَميرُها

فَإِنّي وَتَأميلي عَلى النَأيِ وَصلَها

وَأَجبالُ تُرعى دونَنا وَثَبيرُها

وَعَنَّ لَنا بِالجِزعِ فَوقَ فُراقِدٍ

أَيادي سَبا كَالسَحلِ بيضاً سُفورُها

نَشيمُ عَلى أَرضِ اِبنِ لَيلى مَخيلَةً

عَريضاً سَناها مُكرَهِفّاً صَبيرُها

فَأَصبَحتُ لَو أَلمَمتُ بِالحَوفِ شاقَني

مَنازِلُ مِن حُلوانَ وَحشٌ قُصورُها

أَقولُ إِذا ما الطَيرُ مَرَّت مُخيفَةً

سوانِحُها تَجري وَلا أَستَثيرُها

فَدَتكَ اِبنَ لَيلى ناقَتي حَدَثَ الرَدى

وَراكِبُها إِن كانَ كونٌ وَكورُها

تَقولُ اِبنَةُ البَكريِّ يَومَ لَقيتُها

لَعَمرُكَ وَالدُنيا مَتينٌ غُرورُها

لَأَصبَحتَ هَدَّتكَ الحَوادِثُ هَدَّةً

نَعَم فَشَواةُ الرَأسِ بادٍ قَتيرُها

وَأَسلاكَ سَلمى وَالشَبابَ الَّذي مَضى

وَفاةُ اِبنِ لَيلى إِذ أَتاكَ خَبيرُها

فَإِن تَكُ أَيّامُ اِبنِ لَيلى سَبَقنَني

وَطالَت سِنِيَّ بَعدَهُ وَشُهورُها

فَإِنّي لَآتٍ قَبرَهُ فَمُسَلَّمٌ

وَإِن لَم تُكَلِّم حُفرَةٌ مَن يَزورُها

وَما صُحبَتي عَبدَ العَزيزِ وَمِدحَتي

بِعارِيَةٍ يَرتَدُّها مَن يُعيرُها

شَهِدتُ اِبنَ لَيلى في مَواطِنَ جَمَّةٍ

يَزيدُ بِها ذا الحلمِ حِلماً حُضورُها

تَرى القَومَ يُخفونَ التَبَسُّمَ عِندَهُ

وَيُنذِرهُم عورَ الكَلامِ نَذيرُها

فَلا هاجِراتُ القَولِ يُؤثِرنَ عندَهُ

وَلا كَلِماتُ النُصحِ مُقصىً مُشيرُها

فَلَستُ بِناسيهِ وَإِن حيلَ دونَهُ

وَجالَ بِأَحوازِ الصَحاصِحِ مورُها

وَإِن طُوِيَت من دونِهِ الأَرضُ وَاِنبَرى

لَنُكبِ الرِياحِ وَفيُها وَحَفيرُها

حَياتِيَ ما دامَت بِشَرقِيِّ يَلبَنٍ

بَرامٌ وَأَضحَت لَم تُسَيَّر صُخورُها

وَلَكِن صَفاءُ الوِدِّ ما هَبَّتِ الصَبا

وَما لَم تَزَل حِسمى رُباها وَقورُها












حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-