عرفتُ نساءهنا - نزار قباني
عرفت نساءاً هنا
ووجهاً جميلاً هنا
وقواماً رشيقاً هناك
وغنيتُ أحلى القصائد
تحت نوافذ كل بلد
ولكنني لم أقل مرة
لأية سيدة جالستني.
وأية عابرة صافحتني.
أحبك حتى الأبد
فليس هنالك في لغة العشق
شيء يسمى الأبد
فكل الجميلات يأتين يوماً
ويرحلن يوماً
ويبقى الوحيد الأحد
أنا أكتب الشعر للشعر
لا للوصول إلى جنة المعجبات.
ولا أخلط الشعر بالعشق
والجنس بالأغنيات
ولست أساوم يوماً على مقتنياتي
فأقدس مقتنياتي، هي الكلمات
أنا قد أكون رقيقاً وعذباً
ولكنني لا أبيح لنفسي
ابتزاز الجميلات والساذجات
ولست أبيح لنفسي اغتيال اللغة
وذبح التعابير والمفردات.
فقلبي، إذا ما عشقتُ
يدق بصدر اللغات
إذا كنت أنت.. مدينة حبي
ستبقى القصيدة عاصمة الكبرياء
أنا قد أكون أحبك
لكنني لا أورط نفسي بتنميق أي كلام
ولا أتسلى برشوة نهديك
عند الصباح وعند المساء
أنا رجل لا يريق دم الياسمين
ولا يتعدى على كبرياء الرخام
أنا لا أضيع رأسي
أمام كؤوس الجمال.
ولا أترنح ذات اليمين وذات الشمال
ولا أتورط في قول ما لا يقال
وأعرف كيف أقيس المسافة
بين قصائد شعري وبين سرير الوصال
أنا لست أغرق، حين أحبك،
في شبر ماء
ولا أتفاصح. لا أتثاقف.
لا أتجمل كالديك.. في لحظات اللقاء
ولا أتمسكن كالذئب بين الظباء..
أنا لا أغش بأوراق حبي
ولا أستطيع الكتابة فوق الهواء
أنا لا أمثل دور العشيق
وراء الستارة
فحبك ليس مجازاً
وليس استعارة
ولكنه حجر.
في أساس الحضارة
أنا لا أقول بأني
سأطلِع من ناظريك القمر
ولا أدعي أنني
سوف أسقط من شفتيك الثمر
ولا أدعي أن حبي
يغير مجرى القضاء ومجرى القدر
فلا تقلقي من سلوكي الغريب.
أنا شاعر يتسلى بأخذ الصور
أنا شاعر لا يزال على شفتيه
حليب الطفولة
فلا تسمعي ما يقول رجال القبيلة عني
فإني مذ كنت في بطن أمي
رفضت قرار القبيلة
أنا لا أثرثر
حين أكون بحالة عشق كثيرا
ولا أدعي أنني قد نقلت الجبال
لأجلك أنت.. وأني شققت البحورا.
ولكنني أكتفي بسكوتي
فتغدو أصابع كفي طيورا
ويصبح صمتي حريرا
أنا قد أموت اشتهاءً وعشقاً
ولكنني لا أقايض شِعري
بطرف كحيل.
وخصر نحيل.
ونهد يخبئ لي الطيبات
فإن القصيدة أجمل سيدة في حياتي
فهل بعد نشر اعترافي
تسامحني السيدات؟؟