الشيخ محمد بن عبد الوهّاب-مجدد دين التوحيد

 الشيخ محمد بن عبد الوهّاب-مجدد دين التوحيد


محمد بن عبد الوهّاب داعية اسلامي كان يدعو إلي التوحيد الخالص وجاهد في تخليص الدين مما علق به من شوائب شركية وأقوال وأفعال لا ترضي الله.

 " إن الذي أدعو إليه هو دين اللَّه، فلا يُدعى إلا اللَّه، ولا يُنذر إلا للَّه، ولا يُذبح القربان إلا للَّه" تلك كلمات محمد بن غبد الوهاب وملخص دعوته .


محمد بن عبد الوهّاب داعية اسلامي كان يدعو إلي التوحيد الخالص وجاهد في تخليص الدين مما علق به من شوائب شركية وأقوال وأفعال لا ترضي الله.   " إن الذي أدعو إليه هو دين اللَّه، فلا يُدعى إلا اللَّه، ولا يُنذر إلا للَّه، ولا يُذبح القربان إلا للَّه" تلك كلمات محمد بن غبد الوهاب وملخص دعوته .



ولم تذهب صيحة ابن عبد الوهاب عبثا في الجزيرة العربية ولا في أرجاء العالم الإسلامي من مشرقة إلى مغربه، وسرت تعاليمه إلى الهند والعراق والسودان وغيرها من الأقطار النائية.

 وأدرك المسلمون أن علة الهزائم التى تعاقبت عليهم إنما هي في ترك الدين لا في الدين نفسه. وأنهم خلفاء أن يستردوا ما فاتهم من القوة والمنعة باجتناب البدع، والعودة إلى دين السلف الصالح في جوهره ولبابه.

الوهّابية، الوهّابي، الوهّابيون ،مصطلحاتٌ باتت تتكرر كثيرًا في السنوات الأخيرة، ما بين مهاجم ومدافع، ما بين محلل ومحذر، فأفردت الصحف الكبرى صفحاتها لمناقشة هذه الظاهرة، ظاهرة "المد الوهّابي"! وحفز الكتّاب أقلامهم يحللون هذه الظاهرة التي باتت تنتشر انتشارًا واسعًا بين الشباب.

 والغريب في الأمر أن بعض المحسوبين على علماء الدين أصبح لا هم لهم في الدنيا إلا المشاركة في البرامج الحوارية، لا لتفسير آيات اللَّه، بل لتحذير الناس من خطر هذا الفكر المستورد والذي يمثل خطرًا على الإسلام يفوق خطر جحافل التتار التي دمرت الأخضر واليابس! .

ولكن الشيء الذي يدعو للسخرية أن أَيًّا من هؤلاء لم يشرح لنا ما هي الوهابية، بل إن الأمر الهزلي الأكثر مدعاة للسخرية هو أن الوهابية التي تشغل عليهم حياتهم ما هي إلّا شيءٌ وهمي لا وجود له على الإطلاق

انطلق الكثيرون من أصحاب الأهواء والأجندات المخالفة إلي تحذير الناس من خطر الوهّابزم Wahhabism وهذا قد أفاد الدعوة

وصدق الشاعر إذ قال:

وإذا أراد اللَّه نشر فضيلة 

 طُويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت

 ما كان يُعرف طيبُ عَرف العود

فلقد دفعني ذلك أن أفتش في صفحات خلت من التاريخ، علّي أجد شرحًا وافيًا لهذه الظاهرة التي شغلت بال الناس في السنوات الأخيرة، ولأن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، فإننا لا نستطيع أن نحكم على إنسانٍ إلّا من خلال أعماله أو أقواله، لا من خلال ما يقال عنه من أعدائه أو حتى من أصدقائه.

مولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب 

 فالوهابية تنسب أساسًا إلى رجلٍ من صحراء نجد السمه الشيخ محمد ابن عبد الوهاب التميمي، والذي وُلد سنة 1703 م وتوفي سنة 1792 م، هذا الرجل حفظ كتاب اللَّه صغيرًا وتعلم على أيدي علماء مكة والمدينة.

 قبل أن يرحل إلى البصرة لينهل من علمائها أحاديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبعد تنقلاته العديدة بين صحاري نجد والحجاز والعراق، وفي سن التاسعة عشرة قرر هذا الشاب أن يجهر بدعوةٍ عجيبة، لقد قرر محمد ابن عبد الوهاب أن يجهر بدعوة التوحيد!

وقد يعجب المرء من أمر هذا الشاب الصغير الذي يدعو إلى توحيد اللَّه تعالى بعد أكثر من اثني أحد عشر قرنًا من وفاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأين؟! في مهبط الوحي في الجزيرة العربية نفسها!!! فإذا كنت تعتقد أن التوحيد هو مجرد نطقك لشهادة أن لا إله إلا اللَّه فأنت واهمٌ!.

أسباب قيام دعوة محمد بن عبدالوهاب


 ولكي نفهم ذلك أكثر فإنه يجب علينا أن نبحر بها من جديد عبر بوّابة الزمن لكي نرى حال الأمة الإسلامية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق الثامن عشر الميلادي:

الخلافة العثمانية والتي كانت تحكم أغلب ديار الإسلام كانت قد دخلت في طورٍ من الضعف بعد سليمان القانوني رحمه اللَّه، فانشغل العثمانيون في الدفاع عن أراضي المسلمين في أوروبا في ظل هجمات متكررة من روسيا القيصرية في الشرق وفرنسا من الغرب.

في نجد مسقط رأس محمد بن عبد الوهاب كان الناس يحجّون إلى قبر زيد ابن الخطاب رضي اللَّه عنه وأرضاه ويدعونه لتفريج الكرب، وكشف النوب، وقضاء الحاجات.

 وكانت هناك شجرةً اسمها "شجرة الذئب" يتبرك بها الناس، فيطوفون حولها، ويأمها النساء ليعلقن عليها الخرق البالية لكي يسلم أولادهن من الموت والحسد، والرجل الفقير يذهب إلى تلك الشجرة لكي ينال الرزق، والمريض يذهب إليها لتشفيه!.

في الحجاز كان المسلمون يصلون في مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أربع مراتٍ عند وقت كل صلاة، فأتباع المذهب الحنبلي لا يصلون خلف إمامٍ شافعي، وأتباع المالكية لا يصلون خلف إمامٍ يتبع مذهب أبي حنيفة وهكذا، أما في مكة مسقط الوحي فقد كان الناس يطوفون حول قبور الصحابة!.

في مصر انتشرت الطرق الصوفية المختلفة، وتدافعت القوافل من مختلف أصقاع أرض الكنانة إلى مدينة "طنطا" لتحج إلى قبر السيد البدوي كل عام، داعين البدوي لتفريج الهم، وزيادة الرزق!.

 وأصبحت القبور مكانًا يتكسب منه الدجالون، فانهالت عليهم أموال النذر، وأصبحت الموالد مكانًا خصبًا لطالبي الزنى ومتعاطي المخدرات، وشاع السحر والشعوذة أرجاء مصر!.

في العراق عُبد الحسين من دون اللَّه! وأصبحت النجف مكانًا لعبّاد القبور والأضرحة، وأصبحت المناسبات الدينية موسمًا لطالبي المتعة الجنسية.

 فاندفع شباب الشيعة في طرقات الأضرحة الضيقة كل منهم يريد نصيبه من الرذيلة والفاحشة، أما أهل السنة فصاروا يتبركون بقبر أبي حنيفة النعمان في بغداد!.

في المغرب لم يكن الوضع في المغرب أفضل بكثيرٍ من المشرق، فقد كان الناس يدعون السيد عبد القادر الجيلاني من دون اللَّه، وانتشرت الموالد والبدع، وقدم الناس النذور لشيوخ الطرق الصوفية!.

الخلاصة أن العالم الإسلامي كان في صورة لا يحسد عليها، صورها المؤرخ الأمريكي (لوتروب ستودارد) بقوله: "في القرن الثامن عشر كان العالم الإسلامي قد بلغ من الانحطاط أعظم مبلغ، فقد ألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس ثوبًا من الخرافات وقشور الصوفية، وخرج الناس من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات، وانتشر الحج إلى قبور الأولياء، فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يُدعى الإسلام لغضب! ".

وفي ظل هذا الجو القاتم ظهر من صحراء نجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فدعا الناس إلى ترك هذه الخزعبلات والرجوع إلى الإسلام الصحيح -إلى التوحيد- وأوضح لهم أنه لا يكفي المسلم أن يقول عن نفسه موحدًا للَّه من دون أن يُعكس ذلك على أفعاله وأقواله!.

وقد علم الشيخ ابن عبد الوهاب أن أغلب زوّار القبور والأضرحة وحتى الذين يدعون الأموات يدركون أن اللَّه واحدٌ، وهم إنما يذهبون إلى قبور الأولياء الصالحين طلبًا للبركة التي تقربهم إلى اللَّه! .

فقام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتوضيح معنى التوحيد لهؤلاء المساكين بأن اللَّه لا يحتاج إلى واسطة في دعائه! فلقد طلب اللَّه من رسوله الكريم أن يبين للناس ما قد سألوه من أمور مختلفة بقوله (قل) أي قل يا محمد.

 فقال اللَّه عز وجل في كتابه الكريم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222]. {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220]. {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]. ولم يستثنِ اللَّه من ذلك إلا حالة واحدة، هي حالة الدعاء! فقد قال اللَّه في الآية السادسة والثمانين بعد المائة من سورة البقرة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.

وأوضح الشيخ لهم أن اللَّه لم يقل "فقل إني قريب"! فليس هناك واسطةٍ بين دعاء العبد وربه حتى ولو كان صاحب هذه الواسطة هو رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم بين لهم الشيخ ابن عبدالوهاب أنه لا يجوز أبدًا دعاء الأموات، وذكر لهم ما قاله اللَّه في سورة فاطر من أمر دعاء الأموات والأولياء الصالحين:

{....وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)}.

وبين الشيخ محمد بن عبدالوهاب أن اللَّه قد قال أولًا (دعاءكم) ثم قال (شرككم) أي أن دعاء غير اللَّه يُدخل الإنسان في حالة الشرك الأكبر!عند ذلك حورب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ممن كانوا يتكسبون من القبور والأضرحة وأموال النذور.

 فسافر الشيخ من مكانٍ إلى مكان يدعو الناس إلى التوحيد، ودعوته تلقى الصد من أمراء نجد وشيوخها، فقد تعود الناس هناك على البدع والطواف حول القبور.

تحالف محمد بن عبدالوهاب مع أمير نجد محمد بن سعود

 إلى أن وصل الشيخ إلى بلدة في نجد يقال لها "الدرعية" فعرض دعوته في التوحيد على أميرها الشيخ (محمد بن سعود)، فاقتنع الأمير بها، وبايعه على النصرة والمنعة مقابل أن يقيم الشيخ ابن عبد الوهاب دائمًا معهم في الدرعية ليعلم شباب القبيلة الدين الصحيح، فوافق الشيخ ابن عبد الوهاب على ذلك.

فأقام الشيخ بالدرعية مُؤيدًا من حاكمها ابن سعود، فكان أول شيء قام به هناك هو تعليم الناس أهم شيء في دينهم -التوحيد- فرتب الدروس في العقائد، وفي القرآن الكريم، وفي التفسير، وفي الفقه، والحديث، والعلوم العربية، والتاريخ، وغير ذلك من العلوم النافعة.

 فأقبل الناس على العلم، وذاع صيت ذلك الشيخ الذي يعلم الناس أمور التوحيد، فتوافد شباب القبائل المجاورة على الدرعية من كل مكان، وأصبحت الدرعية بؤرة للنور في بحرٍ من الظلمات، وازداد عدد أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب، وأصبحت الدرعية قوة ضاربة في صحراء نجد.

 وبعد سنين قليلة من دعوة ابن عبد الوهاب للتوحيد، وبعد أن تعلم الشباب أصول دينهم الصحيح على يديه، أعطى الشيخ ابن عبد الوهاب إشارة الإذن بالجهاد لنشر أصول التوحيد بين عُبّاد القبور، فذهب الشيخ محمد ابن عبد الوهاب إلى القبة التي بنيت على قبر الصحابي البطل زيد بن الخطاب رضي اللَّه وأرضاه والتي كان الناس يتعبدون بها ويطوفون حولها، فهدمها بنفسه.

 ثم نشر الشباب الموحد بين القبائل العربية لكي يعيدوا إحياء مفهوم التوحيد المنسي، وأرسل المرشدين والدعاة في الصحراء والبوادي ليبينوا للناس مفهوم التوحيد الصحيح، كما أرسل المعلمين والقضاة إلى القرى النائية، فبدأت الناس تعمر المساجد الخاوية من جديد، وعاد الناس لصيام رمضان، فترك الناس العادات البدعية التي ورثوها من آبائهم.

وبعد وفاة الشيخ ابن عبد الوهاب رحمه اللَّه، استطاع أتباعه نشر دعوته في مكة والمدينة، فقام هؤلاء بنشر مفهوم التوحيد بين الحجاج من مختلف البلدان الإسلامية، فانتشرت دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب من البنغال شرقًا إلى المغرب غربًا.

 فاستغل الشباب المسلم من أتباع الشيخ البطل محمد بن عبد الوهاب توافد الحجيج على مكة والمدينة من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، فأخذ أولئك الشباب يعلمون الحجيج مبادئ التوحيد والإسلام الصحيح، فتعلم كثيرٌ من حجاج بيت اللَّه الحرام من مختلف أرجاء العالم من أولئك الموحدين.

 ثم قام أولئك الحجاج بنشر هذه المبادئ التوحيدية في بلدانهم، وهكذا جدد الإمام محمد بن عبد الوهاب دين الأمة الإسلامية بأسرها، وما زال يجددها بعد مماته بفضل كتابه العظيم، كتاب "التوحيد"!.








المصادر:

الكتاب: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

المؤلف: جهاد التُرباني



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-