العلامات الأولى لظهور مصطلح علوم القرآن والتأليف فيه

العلامات الأولى لظهور مصطلح علوم القرآن والتأليف فيه


في القرن الثاني الهجري  بدأ تدوين العلوم ومن بينها الموضوعات المتصلة بالقرآن الكريم في كتب منفصلة، كل علم يدرس ويدون على حِّدَة، حيث بدأ التأليف في علوم القرآن في موضوعات منفردة بعينها. وفي نوع واحد 

مثل : مؤلف علي بن المديني في أسباب النزول، وألف أبو عبد الله القاسم بن سلام في الناسخ والمنسوخ، وغريب القرآن لأبي بكر السجسستاني. ثم جمعت هذه العلوم في كتاب واحد لتأخذ الشكل المسمى بعلوم القرآن المتعارف عليه الآن. 

بدأ تدوين العلوم ومن بينها الموضوعات المتصلة بالقرآن الكريم في كتب منفصلة، كل علم يدرس ويدون على حِّدَة، حيث بدأ التأليف في علوم القرآن في موضوعات منفردة بعينها. وفي نوع واحد


وقد ذكر الدكتور صبحي الصالح أن بداية ظهور الشكل المعاصر لعلوم القرآن إنما بدأ في كتاب "البرهان في علوم القرآن" للحوفي )توفي 430 هـ.
 بينما حدد كفافي والشريف بداية بلورة المفهوم المعاصر لعلوم القرآن في القرن الثامن على يد الزركشي )توفي 794 هـ في كتابه "البرهان في علوم القرآن".

ولَا شك أن البدايات الأولى لظهور مصطلح علوم القرآن كان مضطربًا في بدايته ومر بعدة مراحل مختلفة حتى استقرَّ رحله إلى المفهوم الَاصطلاحي الذي  رأيناه عند صاحب البرهان في علوم القرآن والسيوطي في الإتقان وغيرهم . 

وقد لَاحظنا هذا الاضطراب على مستويين 

الأول وهو ما يخص اسم العِّلم نفسه فتارة يقولون علم القرآن أوعلم الكتاب وتارة أخرى بجمع كلمة علم فيقولون علوم الكتاب أوعلوم التنزيل إلى أن وصلنا إلى الَاسم العَلم لهذا العلم المعروف بعلوم القرآن .

تعريف القرآن لغة :

القرآن لغةً مأخوذ من قرأ بمعنى : تلا ، وهو مصدر مرادف للقراءة، قال اللحياني  ، وجماعة من أهل اللغة : قرآن : فهو مصدر مهموز على وزن غفران، مشتق من قرأ، سمي بالمقروء أي المتلو، تسمية للمفعول بالمصدر.

وقد جاء استعمال القرآن بهذا المعنى المصدري في قوله تعالى } إِّنَّ عَلَيْنَا جَمْعَه وَ قرْآنَه  فَإِّذَا قرأناه فَاتَّبِّعْ قرآنه القيامة: 17 ، 18 ( أي : قراءته.

ولقد أصبح القرآن علما ًشخصيا على كلام الله تعالى ، ومنه قوله تعالى: إِّنَّ هَذَا القرآن يِّهْدِّي لِّلَّتِّي هِّيَ أَقْوَم وَيبَشر الْمؤْمِّنِّينَ الَّذِّينَ يَعْمَلونَ الصَّالِّحَاتِّ أَنَّ لَهمْ أَجْرًاً كَبِّيرًاً. 

وذهبت طائفة من العلماء إلى أنه اسم جامد غير مهموز، وهو اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل. 

وأرجح الأقوال وأقواها عند أغلب العلماء في معنى القرآن في اللغة : أنه مصدر مشتق مهموز من قرأ يقرأ قراءة وقرآنًا، فهو مصدر كالغفران من غفرالله لك ، والفرقان من فرق الله بين الحق والباطل .

تعريف القرآن في الًاصطلاح:

ويذكر العلماء تعريفًا له يقَرّب معناه ويميزه عن غيره، فيعَرّفونَه بأنه: "كلام الله، المنزل على محمد صلى الله عليه  وسلم المتعبد بتلاوته". فالكلام جنس في التعريف، يشمل كلَ كلام، وإضافته إلى الله يخْرِّج كلامَ غيره من الإنس والجن والملائكة.

و"المنزَّل" يخْرِّج كلامَ الله الذي استأثر به سبحانه(قلْ لَوْ كَانَ الْبَحْر مِّدَادًا لِّكَلِّمَاتِّ  ربِّي لَنَفِّدَ الْبَحر قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِّمَا ت رَبِّي وَلَوْ جِّئْنَا بِّمِّثْلِّهِّ مَدَدًا) الكهف: 109. 

(وَلَوْ أَ نمَا فِّي الْأَرْضِّ مِّنْ شَجَرة أَقْلامٌ وَالْبَحْر يَمدُّه مِّنْ بَعْدِّهِّ سَبْعَة أَبْحر مَا نَفِّدَتْ كَلِّمَا ت اللَّه) لقمان: 27. 

وتقييد المنزَّل بكونه على محمد، صلى الله عليه وسلم يخرج ما أنْزِّلَ على الأنبياء قبله كالتوراة والإنجيل وغيرهما.

والمتعبد بتلاوته يخرج قراءات الآحاد، والأحاديث القدسية، لأن التعبد بتلاوته معناه الأمر بقراءته في الصلاة وغيرها على وجه العبادة، وليست قراءة الآحاد والأحاديث القدسية كذلك.

أمثلة على قراءات الآحاد الشاذة:

 في سورة الكهف :قوله تعالى :( وكَانَ وراءهم مَّلِّكٌ يَأْ خذ كلَّ سَفِّينة غَصْبا ) الكهف: 79 .

قرأ ابن شَنَبوذْ توفي: 328 هـ (يَأْ خذ كلَّ سَفِّينة صالحة غَصْبا ) بزيادة كلمة  صالحة  وسبب شذوذ هذه القراءة أنها غير متواتر ة ، كما أنها مخالفةٌ لرسم المصحف العثماني .

 سورة الجمعة :قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِّينَ آمَنوا إِّذَا نودِّي لِّلصَّلَاةِّ مِّن يَوْمِّ الجمعَةِّ فَاسْعَوْا إِّلَى ذِّكْرِّ الله)  الجمعة: 9 .
قرأ ابن مسعود :  (فامضوا)  بدلَ من  (فاسعوا)  وهي تعتبر تفسيراً للقراءة.الصحيحة (فاسعوا)أي : فاقصدوا وتوجهوا ، وليس فيه دليل على الإسراع في المشي ، وإنما الغرض المضي إليها .

الفرق بين القرآن والحديث القدسي:

هناك عدة فروق بين القرآن الكريم والحديث القدسي أهمها:

 أن القرآن الكريم كلام الله أَوْحَى به إلى رسول الله بلفظه، وتحدى به العرب فعجزوا عن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، ولَا يزا ل التحدي به قائمًا، فهو معجزةٌ خالد ةٌ إلى يوم الدين.

قال تعالى:( قلْ لَئِّنِّ اجْتَمَعَتِّ الْإِّنْس وَالْجِّنُّ عَلَى أَنْ يَأْتوا بِّمِّثْلِّ هَذَا القرآن لََا يَأْتونَ بِّمِّثْلِّهِّ وَلَوْ كَانَ بَعْضهمْ لِّبعْض ظَهِّير)االإسراء : 88 .

وقال تعالى:(أَمْ يَقولونَ ٱفْتَراه قلْ فَأْتواْ بِّعَشْرِّ سوَر مثْلِّهِّ مفْتَرَيَٰات وٱدْعوا مَنِّ ٱسْتَطَعْتم من دونِّ ٱلَِّلّه إِّن كنتمْ صَٰدِّقِّينَ) هود: 13.

قال تعالى: (وَإِّنْ كنْتم  فِّي رَيْب مِّمَّا نَزَّْلنَا عَلَى عَبْدِّنَا فَأْتوا بِّسورَة من مِّثْلِّهِّ وَادْعوا شهَدَاءَ كمْ مِّنْ دونِّ الله إِّنْ كنْتمْ صَادِّقِّينَ * فَإِّنْ لَمْ تَفْعَلوا وَلَنْ تَفْعَلوا فَاتَّقوا النَّارَ التِّي وَ قودهَا النَّا س وَالْحِّجَارَة أعدَّتْ لِّلْكَافِّرينَ) البقرة: 23 ، 24 .

والحديث القدسي لم يقع به التحدي والإعجاز.

 والقرآن الكريم لَا ينْسَب إلَا إلى الله تعالى، فيقال: قال الله تعالى. والحديث القدسي  قد يرْوَى مضافًا إلى الله وتكون النسبة إليه حينئذ نسبة إنشاء.فيقال: قال الله تعالى، أو: يقول الله تعالى، وقد يرْوَى مضافًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكون النسبة حينئذ نسبة إخبار لأنه عليه الصلاة والسلام هو المخْبِّر به عن الله. فيقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل.

كالذي روي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: (يقول اللََّّه تَعالَى: أنا عِّنْدَ ظَن عَبْدِّي بي، وأنا معه إذا ذَكَرَنِّي، فإنْ ذَكَرَنِّي في نَفْسِّهِّ ذَكَرْته في نَفْسِّي، وإنْ ذَكَرَنِّي في مَلَأٍ ذَكَرْته في مَلَأٍ خَيْر منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِّبْرٍ تَقَرَّبْت إلَيْهِّ ذِّ راعاً، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِّراعاً تَقَرَّبْت إلَيْهِّ باعاً، وإنْ أتانِّي يَمْشِّي أتيته هَرْوَلَةً. 

ومنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم  قالَ اللََّّه عزَّ وجلَّ: "يَا ابْنَ آدَمَ أَنفِّقْ أنفِّقْ عليكَ، يَداللََِّّّه مَلَْْأى، لَا تَغِّيضها نَفَقَةٌ، سَحَّاء اللَّيْلَ والنَّهارَ"والمعنى أي:لَا تَنقصها،لَا تَغِّيضها أي: شديدة الَامتِّلاءِّ بالخَيرِّ والعَطاءِّ  اللهِّ مَلْأى أي: كثيرة العَطاءِّ ، سَحَّاء اللَّيلَ والنَّهار مهما عَظمَت أو كَثرت.

  والقرآن الكريم جميعه منقول بالتواتر، فهو قطعي الثبوت، والأحاديث القدسية أكثرها أخبار آحاد، فهي ظنية الثبوت. وقد يكون الحديث القدسي صحيحًا، وقد يكون حسنًا، وقد يكون ضعيفًا.

ما معني خبر الآحاد ؟

ومعنى خبر الآحاد لغةً: ما رواه شخصٌ واحد.

 أما معني خبر الآحاد اصطلاحاً :فهو الخبر الذي لم يجمع شروط التواتر، فيشتمل على ما رواه واحد أو اثنان أو ثلاثة فصاعدًا ما لم يصل إلى عدد التواتر في طبقة واحدة أو في جميع الطبقات.وبالتالي قراءات الآحاد لم تصل إلى حد التواتر

ما معني المتواتر؟.
أما المتواتر، ما ينقله جمع كبير من الناس لَا يتصور تواطؤهم على الكذب.

 والقرآن الكريم من عند الله لفظًا ومعنًى، فهو وحي باللفظ والمعنى. 

والحديث القدسي معناه من عند الله، ولفظه من عند الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحي فهو وحي بالمعنى دون اللفظ، ولذا تجوز روايته بالمعنى عند جمهور المحدثين.

 والقرآن الكريم متَعَبَّدٌ بتلاوته، فهو الذي تتعين القراءة به في الصلاة: (فَاقْرأوا مَا تَيَسَّرَ مِّنَ القرآن )سورة المزمل: 20 .
وقراءته عبادة يثيب الله عليها بما جاء في الحديث:  مَنْ قَرَأحَرْفًا مِّنْ كِّتَابِّ الله فَلَه بِّهِّ حَسَنَةٌ ، وَالحَسَنَة بِّعَشْرِّ أَمْثَالِّهَا، لا أ قول الم حَرْفٌ ، وَلَكِّنْ أَلِّفٌ حَرْفٌ وَلََامٌ حَرْفٌ وَمِّيمٌ حَرْفٌ .

أشهر أسماء القرآن :

وإذا نظرنا إلى أشهر أسماء القرآن الكريم ، فإننا سنجد فيها اسمين يدلَان على كفالة الله بحفظ كتابه كما وعد، كما في قوله تعالى:( إِّنَّا نَحْن نَزَّْلنَا الذكْرَ وَإِّنَّا لَه لَحَافِّظونَ) الحجر: 9 الأول: القرآن .
الثاني : الكتاب .
فالَاسم الأول  القرآن إشارة إلى الحفظ في الصدور. فالقرآن : لفظ مشتق من الفعل قرأ بمعنى تلا ، فهو مرادف للقراءة ، قال تعالى:(إِّ ن هَذَا القرآن يِّهْدِّي لِّلتِّي هِّيَ أَقْوَم )الإسراء: 9  .
ودل على هذا قوله عز وجل:(وَلََا تَعْجَلْ بِّالقرآن مِّنْ قَبْلِّ أَنْ يقْضَى إِّلَيْكَ وَحْيه) طه : 114  أي: لَا تعجل بقراءة القرآن قبل أن ينتهي جبريل من قراءته . وقوله تعالى } (إِّنَّ قرْآنَ الْفَجْرِّ كَانَ مَشْهودًا )الإسراء : 78

أي : قراءة القرآن في هذا الوقت تشهدها الملائكة ويشهدون بها.

والَاسم الثاني الكتاب إشارة إلى الحفظ في السطور، فالكتاب في الأصل مصدر،ثم سمي المكتوب فيه كتابا . قال تعالى: (الم * اللََّّه لََا إِّلَهَ إِّلََّا هوَ الْحَيُّ الْقَيُّو م * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِّتَابَ بِّالْحَق )...آل عمران: 1 - 3  وقال تعالى:(لَقَدْ أَنزَْلنَا إِّلَيْكمْ كِّتَاباً فِّيهِّ ذِّكْركمْ )الأنبياء - 10 

وقال الدكتور محمد دراز : روعي في تسميته قرآناً كونه متلوا بالألسن ، كما روعي في تسميته كتاباً كونه مدوناً بالأقلام .
 فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه. وفي تسميته بهذين الَاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين لَا في موضع واحد .
 أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور جميعا، فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الأصحاب، المنقول إلينا جيلا بعد جيل، على هيئته التي وضع عليها أول مرة.
 ولَا ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفاظ بالإسناد الصحيح المتواتر.



محاضرة للدكتور/علي حسن عبدالغني

تعليقات