من وضع علم النحو؟

من وضع علم النحو؟

 تعددت آراء الناس واختلفت حول بِضع شخصيات رئيسة ينسب لكلٍ منها فضل السبق في رسم النحو وتقعيده ، أبرزها :


تعددت آراء الناس واختلفت حول بِضع شخصيات رئيسة ينسب لكلٍ منها فضل السبق في رسم النحو وتقعيده ، أبرزها :


  علي بن أبي طالب

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن  خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن معد ابن عدنان ، أمه هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أسلمت وهاجرت وشهدها النبي ويذكر ابن إسحاق أن أول من أسلم بعد خديجة ، وهو ابن عشر سنين ، ويقال : أن النبي بعِثَ يوم الاثنين وأسلم علي  يوم الثلاثاء وهو أحد الخلفاءالراشدين ، تولى الخلافة سنة خمس وثلاثين للهجرة ، ومكث أربع سنوات وتسعة أشهر حتى ُقتِلَ على يد ابن ملجم يوم الجمعة من شهر رمضان لسنة أربعين للهجرة عن عمر ناهز ثمانٍ وخمسين سنة ، .( وقيل : ثلاث وستون سنة


و  روي أن أمير المؤمنين عليا – كرم الله وجهه – هو أول من وضع النحو وسن العربية عندما سمع لحناً من الناس ؛ فصنع كتاباً في أصول العربية فيه : "بسم الله الرحمن الرحيم .. الكلام كله اسم وفعل وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل .

وروي أن أبا الأسود الدؤلي دخل يوماً على أمير المؤمنين علياً بن أبي طالب ؛ فوجد عنده رقعة مكتوباً فيها : "الكلام كله اسم وفعل  وحرف جاء لمعنى .." ؛ فسأله أبو الاسود : ما دعاك لهذا ؟ ؛ فأجابه : رأيت فساداً في كلام بعض أهلي ؛ فأحببت أن أرسم  رسما يعرف به الصواب من الخطأ . ويقال أن أبا الأسود أخذ النحو ولم يظهره لأحدٍ حتى دعاه زياد ليضعه بعدما فشااللحن على ألسنة الناس .

أبو الأسود الدؤلي :

هو أبو بكر ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن  حلَيس ابن نفاثة بن عدي بن الديل الدئِل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ،

والنسبة إليه : (دؤلي) فتفتح الهمزة استثقالاً للكسرة ، وقد يقال :(الدولي) بتخفيف الهمزة وقلبها واوا ، وقد يقال : (الديلي) بقلب .( الهمزة ياءً 

وذكر أبو بكر الزبيدي أنه كان علوي الرأي سكن البصرة ومات فيها سنة تسع وستين هجريا عن عمر ناهز خمسة وثمانين عام ، وهو أول من أسس العربية عندما اضطربت ألسنة العرب وشاع في كلامهم اللحن؛ فوضع قياس العربية ونهج سبلَها ، فصنف أبوابا كثيرة كباب . الفاعل والمفعول به والمضاف وحروف الرفع والنصب والجر والجزم وهناك روايات كثيرة تناقلها الناس واختلفوا حولها وكانت سببا حمل أبا الأسود إلى تدوين النحو وتقعيده ، منها ما ذكره السيرافي عن أبي معمر بن اُلمثنى أن أبا الأسود الدؤلي أخذ علم العربية من علي بن أبي طالب ولم يعلمه لأحدٍ حتى بعث زياد بن أبيه إليه بأن يعمل شيئًا ،  يكون فيه إماما، وينتفع الناس به، ويعرِب به كتاب الله فطلب أبو الأسود إعفائه ، وذات مرة سمع أبو الأسود أحد القراء وهو يقرأ قوله تعالى :(أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) بكسر لام رسوله ، فقال أبو الأسود : ما ظننت أن أمر الناس صار إلى هذا، ورجع إلى زياد ووافقه على أن يحضر له كاتبا لَقِنا ،فأحضره له ، وحينئذٍ طلب أبو الأسود من الكاتب أن ينقط نقطة واحدة فوق الحرف إن رآه فتح فمه ، وإن ضم فمه ينقط الكاتب نقطة بين يدى الحرف، وإن كسر يجعل الكاتب النقطة تحت الحرف ، وإن أتبع ذلك بغنة أو تنوين يجعل الكاتب النقطة نقطتين ، وهذا ما يعرف بنقط أبي الأسود الدؤلي .

وروي أن السبب الذي أوجب عليه وضع النحو أن ابنته أرادت يوما أن تتعجب من شدة الحر ، فقالت : (ما أشدُ الحرَ) فقال لها :القيظ ، وفي رواية أخرى قال لها : إذا كانت الصقعاء من فوقك والرمضاء من تحتك ، وهذه الإجابة يكون قد فهم أنها تستفهم في حين أنها أرادت أن الحر شديد ، وهنا علم أبو الأسود أنها تريد التعجب، فقال لها : قولي يا بنية : (ما أشدَ الحرَ) بفتح الدال والراء ، وبعدها . وضع باب التعجب والفاعل والمفعول به.

ويقال أن ابنته قالت له : (ما أحسنُ السماءَ) بضم النون ، فقاللها: (أي بنية ، نجومها ؟) ، فقالت له : أنا لم أرد أي شيء منها أحسن إنما أتعجب من حسنها ، فقال لها : إذن قولي : (ما أحسنَ السماءَ) وحينئذٍ وضع كتاباً.

وذكر أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود أن أبا الأسود قَدِم البصرة ليستأذن زياد بن أبيه في أن يضع كلاماً للعرب يقيمون به كلامهم؛ لأن العرب قد خالطت الأعاجم وتغيرت ألسنتهم ، فرفض زياد هذا الأمر إلى أن جاءه رجل فقال له : أصلح الله الأمير توفى أبانا وترك بنون ، فقال له زياد : توفي أبانا وترك بنون  ثم سرعان ما استدعى أبا الأسود وقال له : ضع للناس الذي كنت قد نهيتك أن تضع لهم.

ومن أطرف ما روي عن أبي الأسود أنه لقي يوما ابن صديقه ، فسأله عن أبيه ، فقال الابن : أخذته الحمى ، ففضخته فضخا وطبخته طبخا  ، ورضخته رضخا  ، فتركته فرخا، ثم سأله أبو الأسود عن امرأته التي كانت تزا ره وتما ره وتشا ره وتضا ره ، فقال الابن : طلقها وتزوج غيرها ، فحظيت عنده ورضيت  وبظِيت ، فسأله أبو الأسود عن معنى : (بظِيت) ، فقال الابن : حرف من اللغة لم تدر من أي بيض خرج ، ولا في أي  عش درج ، فقال له أبو الأسود : يا بن أخي ، لا خير لك فيما لم أدر 

نصر بن عاصم :

هو نصر بن عاصم بن أبي سعيد الليثي ، ويقال : الدؤلي البصري المقرئ النحوي ، وكان من التابعين ، وهو أحد القراء الفصحاء أخذ عنه العلم أُناس ُ كثر كأبي عمرو بن العلاء وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي ومالك بن دينار ، ومات بالبصرة سنة تسع وثمانين للهجرة،

وقيل أنه مات سنة تسعين ، وذكر الذهبي أن وفاته كانت قبل سنة .( مائة للهجرة 

ويذكر عنه أنه أول من نقط المصحف الشريف ، ويقال أيضا : أنه أول من وضع العربية ، ويروى عن خالد الحذاء أنه سأل نصر بن عاصم عن كيفية قراءة العربية ، فقال  (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كفوا أَحَدٌ (4))ولم ينون ، فأخبره خالد أن عروة ينون فقال: بئسما قال ، وهو للبئس أهل ، ويذكر أن عبد الله بن أبي إسحاق  عندما أخبره خالد بقول نصر بن عاصم ظل يقرأ به حتى مات وروى أن عمرا بن دينار اجتمع هو والزهري ونصر بن عاصم، وعندما تكلم نصر بن عاصم قال الزهري : (إنه ليفَلِّق بالعربية تفليقًا) 

عبد الرحمن بن هرمز :


هو أبو داود عبد الرحمن بن هرمز الأعرج بن أبي سعيد؛ مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وكان قارئًا ونحويا من التابعين أخذ عنه القراءة نافع بن أبي نعيم ، ، ترجع جذوره إلى مدينة رسول الله  وهو قد أخذها عن أبي هريرة وعبد الله بن العباس رضي الله عنهم وروى عنه الحروف أسيد بن أبي أسيد ، ومات عبد الرحمن بن هرمز بالإسكندرية ودفن فيها سنة مائة وسبع عشرة للهجرة، .( وقيل سنة مائة وتسع عشرة للهجرة  وتعج كتب التراث بروايات تؤكد أن عبد الرحمن بن هرمز هو أول من وضع علم العربية ، وفضلاً عن كونه أحد القراء كان أعلم الناس بالنحو وأنساب قريش ، وهو أول من تكلم في النحو بالمدينة . فما أخذ أهلها النحو إلا منه وما نقلوه إلا عنه .

اختلف إلى عبد الرحمن بن هرمزوروي أن مالك بن أنس في علم لم يبثه في الناس ليرد به مقالة أهل الزيغ والضلالة ، فيقال أن هذا العلم هو النحو واللغة قبل إظهارهما ، ويقال أنه من  علم أصول الدين وهكذا اختلفت الروا يات وتعددت حول واضع النحو ففريقًا

يرى أن هذا من سبق إلى وضعه ، وفريقًا يرى أن آخرا قد سبق إلى وضعه ، كلٌ بروايته ، وهناك فريق ثالث يرى أن وضع النحو لا ينسب إلى أصحاب النظرات الأولى وإنما ينسب لمن صاغ هذه النظرات المتناثرة صياغة علمية دقيقة تعتمد على ال قواعد وما فيها من أقيسة وعلل ،

وبهذا يكون عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي  أول نحوي حقيقي بمنظورهم ؛ لأنه تحقق عنده الصياغة الدقيقة للنحو والقائمة على اطراد .( القواعد والاستقراء الدقيق الذي يكفل التعليل والقياس

ولم يقبل هذا الرأي عند البعض ؛ لأن ما صنعه عبد الله بن أبي إسحاق ما هو إلا حلقة من حلقات تطور النحو سبقتها حلقات ، وتلتها أخرى ، فإذا كان عبد الله بن أبي إسحاق قد فرع وقاس فإن قبله أبا الأسود صاحب السبق الأول في نشأة النحو ، وبعده استمر تطوير النحو بين تحليل وتعليل وقياس وبسط واتساع حتى بلغ درجة كبيرة من  النضج على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه ومن جاء بعدهما 

وأرى أن علم النحو كسائر العلوم الأخرى لا يمكن عزو وضعه إلى شخصٍ واحدٍ بعينه ، فكل علم يبدأ بإرهاصات لها أصحابها ، ثم  تؤصل لها بنظريات لها أصحابها ؛ فتصبح بعد ذلك علما يأتي من يطوره من حين إلى آخر ، وعبر هذه السلسلة الطويلة قد يكون نسبة علم لشخص ما من باب ظلم الآخرين ،ومن هنا فإن القول بأن هذا الشخص أو ذاك هو واضع علم النحو أو غيره ؛ هو قول فاسد يحتاج إلى تدقيق .

تعليقات