أسيد بن حضير- ورث المكارم عن أبيه وجده

أسيد بن حضير- ورث المكارم عن أبيه وجده


أسيد بن حضير :ورث المكارم كابرا عن كابر.

فأبوه حضير الكتائب كان زعيم الأوس٬ وكان واحدا من كبار أشراف العرب في الجاهلية٬ ومقاتليهم الأشداء.



أسيد بن خضير - بطل يوم السقيفة








من هو أسيد بن خضير؟

 يقول الشاعرفي أسيد بن حضير:


لو أن المنايا حدن عن ذي مهابة


لهبن خضيرا يوم غلق واقما 


يطوف به٬ حتى اذا الليل جنه 


تبوأ منه مقعدا متناغما


قصة اسلام أسيد بن حضير

ورث أسيد بن حضير عن أبيه مكانته٬ وشجاعته وجوده٬ فكان قبل أن يسلم٬ واحدا من زعماء المدينة وأشراف العرب٬ ورماتها الأفذاذ..فلما اصطفاه الاسلام٬ وهدي الى صراط العزيز الحميد٬ تناهى عزه.وتسامى شرفه٬ يوم أخذ مكانه٬ وأخذ واحدا من انصار الله وأنصار رسوله٬ ومن السابقين الى الاسلام العظيم..

ولقد كان اسلام أسيد بن حضير  يوم أسلم سريعا٬ وحاسما وشريفا..فعندما أرسل الرسول عليه السلام مصعب بن عمير الى المدينة ليعلم ويفقه المسلمين من الأنصار الذين بايعوا النبي عليه السلام عل الاسلام بيعة العقبة الأولى٬ وليدعو غيرهم الى دين الله.

يومئذ٬ جلس أسيد بن حضير٬ وسعد بن معاذ٬ وكانا زعيمي قومما٬ يتشاوران في أمر هذا الغريب الذي جاء من مكة يسف ه دينهما٬ ويدعو اى دين جديد لا يعرفونه..وقال سعد لأسيد:" انطلق الى هذا الرجل فازجره"..

وحمل أسيد حربته٬ وأغذ السير الى حيث كان مصعب في ضيافة أسعد بن زرارة من زعماء المدينة الذين سبقوا الى الاسلام.

وعند مجلس مصعب بن عمير  وأسعد بن زرارة رأى أسيد بن حضير جمهرة من الناس تصغي في اهتمام للكلمات الرشيدة التي يدعوهم بها الى الله٬ مصعب بن عمير..وفجأهم أسيد بغضبه وثورته..وقال له مصعب:" هل لك في أن تجلس فتسمع.. فان رضيت أمرنا قبلته٬ ون كرهته٬ كففنا عنك ما تكره".

كان أسيد بن حضير رجلا.. وكان مستنير العقل ذكي القلب حتى لقبه أهل المدينة بالكامل.. وهو لقب كان يحمله أبوه من قبله..فلما رأى مصعبا يحتكم به الى المنطق والعقل٬ غرس حربته في الأرض٬ وقال لمصعب:لقد أنصفت: هات ما عندك..وراح مصعب يقرأ عليه من القرآن٬ ويفس ر له دعوة الدين الجديد. الدين الحق الذي أمر محمد عليه الصلاة والسلام بتبليغه ونشر رايته.ويقول الذين حضروا هذا المجلس:" والله لقد عرفنا في وجه أسيد الاسلام قبل أن يتكلم..عرفناه في اشراقه وتسهله".

مصعب بن عمير يشرح الاسلام لأسيد بن خضير

لم يكد مصعب ينتهي من حديثه حتى صاح  أسيد بن حضير مبهورا:" ما أحسن هذا الكلام وأجمله..كيف تصنعون اذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين".؟ قال له مصعب:" تطهر بدنك٬ وثوبك٬ وتشهد شهادة الحق٬ ثم تصلي"..

ان شخصية أسيد شخصية مستقيمة قوية مستقيمة وناصعة٬ وهي اذ تعرف طريقها ٬ لا تتردد لحظة أمام ارادتها الحازمة..ومن ثم ٬ قام أسيد في غير ارجاء ولا ابطاء ليستقبل الدين الذي انفتح له قلبه٬ وأشرقت به روحه٬ فاغتسل وتطهر٬ ثم سجد ﷲ رب العالمين٬ معلنا اسلامه٬ مودعا أيام وثنيته٬ وجاهليته..!!

كان على أسيد بن حضير أن يعود ل سعد بن معاذ٬ لينقل اليه أخبار المهمة التي كلفه بها.. مهمة زجر مصعب بن عمير واخراجه..وعاد الى سعد..وما كاد يقترب من مجلسه٬ حتى قال سعد لمن حوله:" أقسم لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به".!!أجل..لقد ذهب بوجه طافح بالمرارة٬ والغضب والتحدي.وعاد بوجه تغشاه السكينة والرحمة والنور.

حيلة أسيد بن حضير ليدخل سعد بن معاذ في الاسلام

وقرر أسيد بن حضير أن يستخدم ذكاءه قليلا..انه يعرف أن سعد بن معاذ مثله تماما في صفاء جوهره ومضاء عزمه٬ وسلامة تفكيره وتقديره..ويعلم أنه ليس بينه وبين الاسلام سوى أن يسمع ما سمع هو من كلام الله٬ الذي يحسن ترتيله وتفسيره سفير الرسول اليهم مصعب بن عمير.لكنه لو قال لسعد: اني أسلمت٬ فقم وأسلم٬ لكانت مجابهة غير مأمونة العاقبة.

إذن فعليه أن يثير حمية سعد بطريقة تدفعه الى مجلس مصعب حتى يسمع ويرى..فكيف السبيل لهذا..؟كان مصعب كما ذكرنا من قبل ينزل ضيفا على أسعد بن زرارة..وأسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ..

هنالك قال أسيد لسعد:" لقد حد ثت أن بني الحارثة قد خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه٬ وهم يعلمون أنه ابن خالتك"..وقام سعد٬ تقوده الحمية والغضب٬ وأخذ الحربة٬ وسار مسرعا الى حيث أسعد ومصعب٬ ومن معهما من المسلمين..

ولما اقترب من المجلس لو يجد ضوضاء ولا لغطا٬ وانما هي السكينة تغشى جماعة يتوسطهم مصعب بن عمير٬ يتلو آيات الله في خشوع٬ وهم يصغون اليه في اهتمام عظيم..هنالك أدرك الحيلة التي نسجها له أسيد لكي يحمله على السعي الى هذا المجلس٬ والقاء السمع لما يقوله سفير الاسلام مصعب بن عمير.ولقد صدقت فراسة أسيد في صاحبه٬ فما كاد سعد يسمع حتى شرح الله صدره للاسلام٬ وأخذ مكانه في سرعة الضوء بين المؤمنين السابقين.

كان أسيد بن حضير يحمل في قلبه ايمانا وثيقا ومضيئا..وكان ايمانه بفيء عليه من الأناة والحلم وسلامة التقدير ما يجعله أهلا للثقة دوما..وفي غزوة بني المصطلق تحركت مغايظ عبدالله بن أبي فقال لمن حوله من أهل المدينة:" لقد أحللتمومهم بلادكم٬ وقاسمتموهم أموالكم..أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحو لوا الى غير دياركم..أما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"..

موقف أسيد بن حضير من المنافق عبدالله بن أبي

سمع الصحابي الجليل زيد بن الأرقم هذه الكلمات٬ بل هذه السموم المنافقة المسعورة٬ فكان حقا عليه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم..وتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا٬ وقابله أسيد بن حضير فقال له النبي عليه السلام:أوما بلغك ما قال صاحبكم..؟؟ قال أسيد:وأي صاحب يا رسول الله..؟؟ قال الرسول:عبدالله بن أبي !!قال أسيد:وماذا قال..؟؟ قال الرسول:زعم انه ان رجع الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.قال أسيد:فأنت والله٬ يا رسول الله٬ تخرجه منها ان شاء الله.. هو والله الذليل٬ وأنت العزيز..

ثم قال أسيد:" يا رسول الله ارفق به٬ فوالله لقد جاءنا الله بك وان قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه على المدينة ملكا٬ فهو يرى أن الاسلام قد سلبه ملكا"..بهذا التفكير الهادئ العميق المتزن الواضح٬ كان أسيد دائما يعالج القضايا ببديهة حاضرة وثاقبة..

وفي يوم السقيفة٬ اثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعلن فريق من الأنصار٬ وعلى رأسهم سعد بن عبادة أحقيتهم بالخلافة٬ وطال الحوار٬ واحتدمت المناقشة٬ كان موقف أسيد بن حضير ٬ وهو كما عرفنا زعيم أنصاري كبير٬ كان موقفه فعالا في حسم الموقف٬ وكانت كلماته كفلق الصبح في تحديد الاتجاه..

موقف أسيد بن حضير يوم سقيفة بني ساعدة

وقف أسيد بن حضير فقال مخاطبا فريق الأنصار من قومه:" تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين..فخليفته اذن ينبغي أن يكون من المهاجرين..ولقد كنا أنصار رسول الله..وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته".وكانت كلماته٬ بردا٬ وسلاما..

ولقد عاش أسيد بن حضير رضي الله عنه عابدا٬ قانتا٬ باذلا روحه وماله في سبيل الخير٬ جاعلا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار نصب عينيه:" اصبروا.. حتى تلقوني على الحوض".ولقد كان لدينه وخلقه موضع تكريم الصديق وحبه. 

كذلك كانت له نفس المكانة والمنزلة في قلب أمير المؤمنين عمر٬ وفي أفئدة الصحابة جميعا.وكان الاستماع لصوته وهو يرتل القرآن احدى المغانم الكبرى التي يحرص الأصحاب عليها..ذلك الصوت الخاشع الباهر المنير الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن الملائكة دنت من صاحبه ذات ليلة لسماعه..

وفي شهر شعبان عام عشرين للهجرة٬ مات أسيد بن حضير..وأبى أمير المؤمنين عمر الا أن يحمل نعشه فوق كتفه.وتحت ثرى البقيع وارى الأصحاب جثمان مؤمن عظيم..وعادوا الى المدينة وهم يستذكرون مناقبه ويرددون قول الرسول الكريم عنه:" نعم الرجل.. أسيد بن حضير"..



المصادر

رجال حول الرسول

خالد محمد خالد



تعليقات