قصيدةالبردة للإمام البوصيري
قصيدة: البردة للإمام البوصيري جاءت بعد بانت سعاد لكعب بن زهير وسبقت نهج البردة لأحمد شوقي وهن من روائع المدائح في ررسول الله صلي الله عليه وسلم
من البحر البسيط
أمنْ تذكر جيرانٍ بذى ســــلمٍ
مزجْتَ دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــدمِ
أَمْ هبَّتِ الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمـــةٍ
وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضـمِ
فما لعينيك إن قلت اكْفُفا هَمَتــا
وما لقلبك إن قلت استفق يهــــمِ
أيحسب الصبُ أنّ الحب منكتـــمٌ
ما بين منسجم منه ومضْطَّــــــرمِ
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـللٍ
ولا أرقْتَ لذكر البانِ والعَلــــمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شــهدتْ
به عليك عدول الدمع والســــقمِ
وأثبت الوجدُ خطَّيْ عبرةٍ وضــنىً
مثل البهار على خديك والعنــــمِ
نعمْ سرى طيفُ منْ أهوى فأرقـني
والحب يعترض اللذات بالألــــمِ
يا لائمي في الهوى العذري معذرة
مني إليك ولو أنصفت لم تلــــمِ
عَدتْكَ حالِيَ لا سِرِّي بمســـــتترٍ
عن الوشاة ولا دائي بمنحســــمِ
محضْتني النصح لكن لست أســمعهُ
إن المحب عن العذال في صــممِ
إنى اتهمت نصيحَ الشيب في عذَلٍ
والشيبُ أبعدُ في نصح عن التهــم
فإنَّ أمَارتي بالسوءِ ما أتعظـــتْ
من جهلها بنذير الشيب والهـــرمِ
ولا أعدّتْ من الفعل الجميل قـرى
ضيفٍ ألمّ برأسي غيرَ محتشـــم
لو كنتُ أعلم أني ما أوقـــرُه
كتمتُ سراً بدا لي منه بالكتــمِ
منْ لي بردِّ جماحٍ من غوايتهـــا
كما يُردُّ جماحُ الخيلِ باللُّجُــــمِ
فلا ترمْ بالمعاصي كسرَ شهوتهـــا
إنَّ الطعام يقوي شهوةَ النَّهـــمِ
والنفسُ كالطفل إن تُهْملهُ شبَّ على
حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطــمِ
فاصرفْ هواها وحاذر أن تُوَليَــهُ
إن الهوى ما تولَّى يُصْمِ أو يَصِـمِ
وراعها وهي في الأعمالِ ســائمةٌ
وإنْ هي استحلتِ المرعى فلا تُسِمِ
كمْ حسنتْ لذةً للمرءِ قاتلــةً
مـن حيث لم يدرِ أنَّ السم فى الدسـمِ
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع
فرب مخمصةٍ شر من التخـــــمِ
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأتْ
من المحارم والزمْ حمية النـــدمِ
وخالف النفس والشيطان واعصِهِما
وإنْ هما محضاك النصح فاتَّهِـــمِ
ولا تطعْ منهما خصماً ولا حكمـــاً
فأنت تعرفُ كيدَ الخصم والحكــمِ
أستغفرُ الله من قولٍ بلا عمــــلٍ
لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقـــــُمِ
أمْرتُك الخيرَ لكنْ ما ائتمرْتُ بـه
وما اسـتقمتُ فما قولى لك استقـمِ
ولا تزودتُ قبل الموت نافلـــةً
ولم أصلِّ سوى فرضٍ ولم اصــــمِ
ظلمتُ سنَّةَ منْ أحيا الظلام إلـــى
إنِ اشتكتْ قدماه الضرَ من ورمِ
وشدَّ من سغبٍ أحشاءه وطـــوى
تحت الحجارة كشْحاً مترف الأدمِ
وراودتْه الجبالُ الشمُ من ذهــبٍ
عن نفسه فأراها أيما شــــممِ
وأكدتْ زهده فيها ضرورتُـــه
إنَّ الضرورة لا تعدو على العِصَمِ
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةُ منْ
لولاه لم تُخْرجِ الدنيا من العـدمِ
محمد سيد الكونين والثقليــــن
والفريقين من عُرْب ومنْ عجــمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحــــدٌ
أبرَّ في قولِ لا منه ولا نعــــمِ
هو الحبيب الذي ترجى شفاعـته
لكل هولٍ من الأهوال مقتحـــمِ
دعا إلى الله فالمستمسكون بــه
مستمسكون بحبلٍ غير منفصـــمِ
فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ
ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمـــسٌ
غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهــــم
من نقطة العلم أو من شكلة الحكمِ
فهو الذي تم معناه وصورتــه
ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النســـمِ
منزهٌ عن شريكٍ في محاســـنه
فجوهر الحسن فيه غير منقســـمِ
دعْ ما ادعتْهُ النصارى في نبيهم
واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
وانسب إلى قدره ما شئت من عظمِ
فإن فضل رسول الله ليس لــــه
حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفــــــمِ
لو ناسبت قدرَه آياتُه عظمــــاً
أحيا اسمُه حين يدعى دارسَ الرممِ
لم يمتحنا بما تعيا العقولُ بـــه
حرصاً علينا فلم نرْتبْ ولم نهـــمِ
أعيا الورى فهمُ معناه فليس يُرى
في القرب والبعد فيه غير مُنْفحـمِ
كالشمس تظهر للعينين من بعُـدٍ
صغيرةً وتُكلُّ الطرفَ من أمَـــمِ
وكيف يُدْرِكُ في الدنيا حقيقتـَه
قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحُلُــــــمِ
فمبلغ العلمِ فيه أنه بشــــــرٌ
وأنه خيرُ خلقِ الله كلهــــــمِ
وكلُ آيٍ أتى الرسل الكرام بها
فإنما اتصلتْ من نوره بهــــمِ
فإنه شمسُ فضلٍ هم كواكبُهــا
يُظْهِرنَ أنوارَها للناس في الظُلـمِ
أكرمْ بخَلْق نبيّ زانه خُلـُـــقٌ
بالحسن مشتملٍ بالبشر متَّســـــمِ
كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ
والبحر في كرمٍ والدهر في هِمَمِ
كانه وهو فردٌ من جلالتــــه
في عسكرٍ حين تلقاه وفي حشـمِ
كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ
من معْدِنَي منطقٍ منه ومُبْتَســم
لا طيبَ يعدلُ تُرباً ضم أعظُمَـــهُ
طوبى لمنتشقٍ منه وملتثـــــم
أبان مولدُه عن طيب عنصــره
يا طيبَ مبتدأٍ منه ومختتــــمِ
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهــــمُ
قد أُنْذِروا بحلول البؤْس والنقـمِ
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ
كشملِ أصحاب كسرى غير ملتئـمِ
والنار خامدةُ الأنفاسِ من أسـفٍ
عليه والنهرُ ساهي العينِ من سدمِ
وساءَ ساوة أنْ غاضت بحيرتُهــا
ورُدَّ واردُها بالغيظ حين ظمــي
كأنّ بالنار ما بالماء من بــــلل
حزْناً وبالماء ما بالنار من ضَــرمِ
والجنُ تهتفُ والأنوار ساطعــةٌ
والحق يظهرُ من معنىً ومن كَلِـمِ
عَمُوا وصمُّوا فإعلانُ البشائر لــمْ
تُسمعْ وبارقةُ الإنذار لم تُشــــَمِ
من بعد ما أخبر الأقوامَ كاهِنُهُمْ
بأن دينَهم المعوجَّ لم يقـــــمِ
وبعد ما عاينوا في الأفق من شُهُب
منقضّةٍ وفق ما في الأرض من صنمِ
حتى غدا عن طريق الوحي منهزمٌ
من الشياطين يقفو إثر مُنـــهزمِ
كأنهم هرباً أبطالُ أبرهــــــةٍ
أو عسكرٌ بالحَصَى من راحتيه رُمِىِ
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهمـــــا
نبذَ المسبِّح من أحشاءِ ملتقــــمِ
جاءتْ لدعوته الأشجارُ ســـاجدةً
تمشى إليه على ساقٍ بلا قــــدمِ
كأنَّما سَطَرتْ سطراً لما كتـــبتْ
فروعُها من بديعِ الخطِّ في اللّقَـمِ
مثلَ الغمامة أنَّى سار سائــــرةً
تقيه حرَّ وطيسٍ للهجير حَــــمِى
أقسمْتُ بالقمر المنشق إنّ لـــه
من قلبه نسبةً مبرورة القســــمِ
وما حوى الغار من خير ومن كرمٍ
وكلُ طرفٍ من الكفار عنه عــِمي
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يَرِما
وهم يقولون ما بالغـار مــن أرمِ
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على
خير البرية لم تنسُج ولم تحُــــمِ
وقايةُ الله أغنتْ عن مضاعفـــةٍ
من الدروع وعن عالٍ من الأطـُمِ
ما سامنى الدهرُ ضيماً واستجرتُ به
إلا ونلتُ جواراً منه لم يُضَــــمِ
ولا التمستُ غنى الدارين من يده
إلا استلمت الندى من خير مستلمِ
لا تُنكرِ الوحيَ من رؤياهُ إنّ لــه
قلباً إذا نامتِ العينان لم يَنَـــم
وذاك حين بلوغٍ من نبوتــــه
فليس يُنكرُ فيه حالُ مُحتلــــمِ
تَبَارَكَ الله ما وحْيٌ بمُكْتَسَبٍ
وَلا نَبِيٌّ عَلَى غَيْبٍ بِمُتَّهَمِ
كَمْ أبْرَأَتْ وَصِبا باللَّمْسِ راحَتهُ
وأَطْلَقَتْ أرِباً مِنْ رِبْقَة ِ اللَّمَمِ
وأحْيَتِ السنَة َ الشَّهْبَاءَ دَعْوَتُهُ
حتى حَكَتْ غُرَّة ً في الأَعْصُرِ الدُّهُمِ
بعارضٍ جادَ أو خلتَ البطاحَ بها
سيبٌ من اليَمِّ أو سيلٌ من العرمِ
دعني ووصفي آياتٍ له ظهرتْ
ظهورَ نارِ القرى ليلاً على علمِ
فالدرُّ يزدادُ حُسناً وهو منتظمٌ
وليسَ ينقصُ قدراً غير منتظمِ
فما تَطاوَلُ آمالُ المَدِيحِ إلى
ما فيهِ مِنْ كَرَمِ الأَخْلاَقِ والشِّيَمِ
آياتُ حقٍّ من الرحمنِ محدثة ٌ
قَدِيمَة ٌ صِفَة ُ المَوْصوفِ بالقِدَم
لم تقترنْ بزمانٍ وهي تخبرنا
عَن المعادِ وعَنْ عادٍ وعَنْ إرَمِ
دامَتْ لَدَيْنا فَفاقَتْ كلَّ مُعْجِزَة
ٍ
مِنَ النَّبِيِّينَ إذْ جاءتْ ولَمْ تَدُمِ
مُحَكَّماتٌ فما تبقينَ من شبهٍ
لذي شقاقٍ وما تبغينَ من حكمِ
ما حُورِبَتْ قَطُّ إلاَّ عادَ مِنْ حَرَبٍ
أَعْدَى الأعادي إليها مُلقِيَ السَّلَمِ
رَدَّتْ بلاغَتُها دَعْوى مُعارِضِها
ردَّ الغيور يدَ الجاني عن الحُرمِ
لها معان كموج البحر في مدد
وفَوْقَ جَوْهَرِهِ فِي الحُسْنِ والقِيَمِ
فما تُعَدُّ وَلا تُحْصَى عَجَائبُها
ولا تُسامُ عَلَى الإكثارِ بالسَّأَمِ
قرَّتْ بها عينُ قاريها فقلت له
لقد ظفِرتَ بِحَبْلِ الله فاعْتَصِمِ
إنْ تَتْلُها خِيفَة ً مِنْ حَرِّ نارِ لَظَى
أطْفَأْتَ نارَ لَظَى مِنْ وِرْدِها الشَّبمِ
كأنها الحوضُ تبيضُّ الوجوه به
مِنَ العُصاة ِ وقد جاءُوهُ كَالحُمَمِ
وَكالصِّراطِ وكالمِيزانِ مَعدِلَة ً
فالقِسْطُ مِنْ غَيرها في الناس لَمْ يَقُمِ
لا تعْجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنكِرُها
تَجاهُلاً وهْوَ عَينُ الحاذِقِ الفَهِمِ
قد تنكرُ العينُ ضوء الشمسِ من رمدٍ
ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماء منْ سَقَم
ياخيرَ من يَمَّمَ العافونَ ساحتَهُ
سَعْياً وفَوْقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ
وَمَنْ هُو الآيَة ُ الكُبْرَى لِمُعْتَبِرٍ
وَمَنْ هُوَ النِّعْمَة ُ العُظْمَى لِمُغْتَنِمِ
سريتَ من حرمٍ ليلاً إلى حرمِ
كما سرى البدرُ في داجٍ من الظلمِ
وَبِتَّ تَرْقَى إلَى أنْ نِلْتَ مَنْزِلَة ً
من قابِ قوسينِ لم تدركْ ولم ترمِ
وقدَّمتكَ جميعُ الأنبياءِ بها
والرُّسْلِ تَقْدِمَ مَخْدُومٍ عَلَى خَدَم
وأنتَ تخترق السبعَ الطِّباقَ بهمْ
في مَوْكِبٍ كنْتَ فيهِ صاحِبَ العَلَمِ
حتى إذا لَمْ تَدَعْ شَأْواً لمُسْتَبِقٍ
من الدنوِّ ولا مرقيً لمستنمِ
خفضتَ كلَّ مقامٍ بالإضافة إذ
نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَم
كيما تفوزَ بوصلٍ أيِّ مستترٍ
عن العيونِ وسرٍّ أيِ مُكتتمِ
فَحُزْتَ كلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشْتَرَكٍ
وجُزْتَ كلَّ مَقامٍ غيرَ مُزْدَحَمِ
وَجَلَّ مِقْدارُ ما وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ
وعزَّ إدْراكُ ما أُولِيتَ مِنْ نِعَمِ
بُشْرَى لَنا مَعْشَرَ الإسلامِ إنَّ لنا
من العناية ِ رُكناً غيرَمنهدمِ
لمَّا دعا الله داعينا لطاعتهِ
بأكرمِ الرُّسلِ كنَّا أكرمَ الأممِ
راعتْ قلوبَ العدا أنباءُ بعثتهِ
كَنَبْأَة ٍ أَجْفَلَتْ غَفْلاً مِنَ الغَنَمِ
ما زالَ يلقاهمُ في كلِّ معتركٍ
حتى حَكَوْا بالقَنا لَحْماً على وضَم
ودوا الفرار فكادوا يغبطونَ بهِ
أشلاءَ شالتْ مع العقبانِ والرَّخمِ
تمضي الليالي ولا يدرونَ عدتها
ما لَمْ تَكُنْ مِنْ ليالِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ
كأنَّما الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سَاحَتَهُمْ
بِكلِّ قَرْمٍ إلَى لحْمِ العِدا قَرِم
يَجُرُّ بَحْرَ خَمِيسٍ فوقَ سابِحَة ٍ
يرمي بموجٍ من الأبطالِ ملتطمِ
من كلِّ منتدبٍ لله محتسبٍ
يَسْطو بِمُسْتَأْصِلٍ لِلْكُفْرِ مُصطَلِم
حتَّى غَدَتْ مِلَّة ُ الإسلام وهْيَ بِهِمْ
مِنْ بَعْدِ غُرْبَتِها مَوْصُولَة َ الرَّحِم
مكفولة ً أبداً منهم بخيرٍ أبٍ
وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ
هُم الجِبالُ فَسَلْ عنهمْ مُصادِمَهُمْ
ماذا رأى مِنْهُمُ في كلِّ مُصطَدَم
وسل حُنيناً وسل بدراً وسلْ أُحُداً
فُصُولَ حَتْفٍ لهُمْ أدْهَى مِنَ الوَخَم
المصدري البيضَ حُمراً بعدَ ما وردت
- من العدا كلَّ مُسْوَّدٍ من اللممِ
وَالكاتِبِينَ بِسُمْرِ الخَطِّ مَا تَرَكَتْ
أقلامهمْ حرفَ جسمٍ غبرَ منعجمِ
شاكي السِّلاحِ لهم سيما تميزهمْ
والوردُ يمتازُ بالسيمى عن السلمِ
تُهدى إليكَ رياحُ النصرِ نشرهمُ
فتحسبُ الزَّهرَ في الأكمامِ كلَّ كمي
كأنهمْ في ظهورِ الخيلِ نبتُ رُباً
مِنْ شِدَّة ِ الحَزْمِ لاَ مِنْ شِدَّة ِ الحُزُم
طارت قلوبُ العدا من بأسهمِ فرقاً
فما تُفَرِّقُ بين البهم والبُهمِ
ومن تكنْ برسول الله نصرتُه
إن تلقهُ الأُسدُ في آجامها تجمِ
ولن ترى من وليٍّ غير منتصرِ
بهِ ولا مِنْ عَدُوّ غَيْرَ مُنْقصمِ
أحلَّ أمَّتَهُ في حرزِ ملَّتهِ
كاللَّيْثِ حَلَّ مَعَ الأشبال في أجَم
كمْ جدَّلَتْ كلماتُ اللهِ من جدلٍ
فيهِ وكم خَصَمَ البُرْهانُ مِنْ خَصِمِ
كفاكَ بالعِلْمِ في الأُمِيِّ مُعْجِزَة ً
في الجاهلية ِ والتأديبِ في اليتمِ
خَدَمْتُهُ بِمَــــديحٍ أسْتَقِيلُ بِهِ
ذُنُوبَ عُمْرٍ مَضَى في الشِّعْرِ والخِدَم
إذ قلداني ما تُخشى عواقبهُ
كَأنَّني بهمــــا هَدْيٌ مِنَ النَّعَم
أطَعْتُ غَيَّ الصِّبَا في الحَالَتَيْنِ ومَا
حصلتُ إلاَّ على الآثامِ والندمِ
فياخسارة َ نفسٍ في تجارتها
لم تشترِ الدِّينَ بالدنيا ولم تَسُمِ
وَمَنْ يَبِعْ آجِـــلاً منهُ بِعاجِلِهِ
يَبِنْ لهُ الغَبْنُ في بَيْعِ وَفي سَلَمِ
إنْ آتِ ذَنْباً فما عَهْدِي بِمُنْتَقِضٍ
مِنَ النبيِّ وَلا حَبْلِي بِمُنْصَرِمِ
فإنَّ لي ذمـــة ً منهُ بتسميتي
مُحمداً وَهُوَ أوفي الخَلْقِ بالذِّمَمِ
إن لم يكن في معادي آخذا بيدي
فضلاً وإلا فقلْ يازَلَّة َ القدمِ
حاشاهُ أنْ يحرمَ الرَّاجي مكارمهُ
أو يرجعَ الجارُ منهُ غيرَ محترمِ
ومنذُ ألزمتُ أفكاري مدائحهُ
وَجَدْتُهُ لِخَلاصِي خيرَ مُلْتَزِم
وَلَنْ يَفُوتَ الغِنى مِنْهُ يداً تَرِبَتْ
إنَّ الحَيا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأكَمِ
وَلَمْ أُرِدْ زَهْرَة َ الدُّنْيا التي اقتطَفَتْ
يدا زُهيرٍ بما أثنى على هرمِ
يا أكرَمَ الخلق مالي مَنْ أَلُوذُ به
سِوَاكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العَمِمِ
وَلَنْ يَضِيقَ رَسولَ الله جاهُكَ بي
إذا الكريمُ تَحَلَّى باسْمِ مُنْتَقِمِ
فإنَّ من جُودِكَ الدنيا وَ ضَرَّتها
ومن علومكَ علمَ اللوحِ والقلمِ
يا نَفْسُ لا تَقْنَطِي مِنْ زَلَّة ٍ عَظُمَتْ
إنَّ الكَبائرَ في الغُفرانِ كاللَّمَمِ
لعلَّ رحمة َ ربي حين يقسمها
تأتي على حسب العصيانِ في القسمِ
ياربِّ واجعل رجائي غير منعكسٍ
لَدَيْكَ وَاجعَلْ حِسابِي غَيرَ مُنْخَزِمِ
والطفْ بعبدكَ في الدارينَِّ إن لهُ
صبراً متى تدعهُ الأهوالُ ينهزمِ
وائذنْ لِسُحْبِ صلاة ٍ منكَ دائمة ٍ
على النبيِّ بمنهلٍّ ومنسجمِ
ما رَنَّحَتْ عَذَباتِ البانِ ريحُ صَباً
وأطْرَبَ العِيسَ حادي العِيسِ بِالنَّغَمِ
ثم الرضي عن أبي بكر وعن عمر
وعن علي وعن عثمان ذي الكرم
والآل والصحب ثم التابعين فهم
أهل التقي والنقي والحلم والكرم
يارب بالمصطفي بلغ مقاصدنا
واغفر لنا ما مضي يا واسع الكرم
واغفرإلهي لكل المسلمين بما
يتلوه في المسجد الاقصي وفي الحرم
بجاه من بيته في طـــيبة حرم
واسمه قسم من أعظم القسم
وهذه بردة المختار قد ختمت
والحمد له في بدء وفي ختم
أبياتها قد أتت ستين مع مائة
فرج بها كربنا يا واسع الكرم