المجاز والحقيقة والعلاقة بينهما


المجاز والحقيقة والعلاقة بينهما






المجاز والحقيقة والعلاقة بينهما






‌‌



 تعريف المجاز لغة:


جاء في لسان العرب لابن منظور(جوز): «جزت الطريق، وجاز الموضع جوزا وجوازا ومجازا: سار فيه وسلكه  وجاوزت الشيء الى غيره وتجاوزته بمعنى أي أجزته . وتجاوز عن الشيء: أغضى، وتجاوز فيه أفرط».

المجاز لغة يعني إذا السيّر والتجاوز والتسامح والتخطّي، لأنّ اللسان أورد معنى العفو والتسامح عند ما أورد المعنى الديني للفظ:

«تجاوز الله عنه أي عفا».

وفي المعجم الوسيط المجاز: المعبر. ومن الكلام: ما تجاوز ما وضع له من المعنى» فهل نلمح في المعبر معنى التغيير؟ وهل يكون الانتقال من مكان الى آخر كانتقال اللفظ من معنى الى آخر؟

فيدخل اللفظ توسّع في الدلالة أو انزياح دلالي.



‌‌ب-تعريف المجاز اصطلاحا:


جاء في معجم المصطلحات «المجاز: كل الصيّغ البلاغية التي تحتوي تغييرا في دلالة الألفاظ المعتادة. ويندرج تحت هذا كل أنواع المجاز في البلاغة العربية ما عدا الكناية التي لا يمنع استعمال ألفاظها في غير ما وضعت له من إرادة المعنى الأصلي لهذه الألفاظ».

وفي تعريفات الشريف الجرجاني  «هو اسم لما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما كتسمية الشجاع أسدا» واضح أن الجرجاني يتحدّث عن انزياح دلالي شرط وجود مناسبة بين الدلالة الأولى والدلالة الثانية.

‌‌ج- تعريف البلاغيين للمجاز:


عرّفه الجرجاني بقوله : «المجاز كلّ كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني والأول».

يفهم من هذا التعريف ان المجاز مختصّ بالكلمة المفردة في حين وسّع معجم المصطلحات دائرته ليشمل الصّيغ أيضا.

ثم وسّع عبد القاهر تعريفه بقوله : «وإن شئت قلت: كل كلمة جزت بها ما وقعت له في وضع الواضع الى ما لم توضع له من غير أن تستأنف منها وضعا للملاحظة بين ما تجوز بها اليه وبين أصلها الذي وضعت له في وضع واضعها».

فالتوسّع في الشرح والتعريف أبقى المجاز محصورا في الكلمة المفردة ولم يتناول الصيغ كما في معجم المصطلحات.

أما الخطيب القزويني فرأى ان المجاز يكون في المفرد وفي المركّب. وهو عنده  «الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب على وجه يصحّ مع قرينة عدم إرادته، فلا بدّ من العلاقة ليخرج الغلط والكناية» فاذا كان الخطيب القزويني قد تكلم هنا على المجاز المفرد، فانه تكلم في مكان آخر على المجاز المركب الذي يعني «اللفظ المركّب المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه».

وهكذا نصل الى تعريف جامع للمجاز يوسّع دلالته ليشمل المفرد والمركّب. وهذا التوسّع يعبّر عن حقيقة الدلالة البلاغية للمجاز.نستخلص من هذه التعريفات شروط المجاز الآتية:

  1. . وجوب توافر علاقة تسوّغ نقل اللفظ من معناه الحقيقي الى معناه غير الحقيقي.
  2. . امكانية قيام هذه العلاقة على المشابهة أو على غير المشابهة.
  3. . وجوب توافر قرينة لفظية او معنوية تساعد على تمييز المعنى الحقيقي من المعنى المجازي المقصود.

‌‌2. غايات المجاز وفوائده:


من أهم الغايات التي يحققها المجاز ما يأتي:

‌‌1. التوسّع:


للألفاظ معان حقيقية سمّاها الدلاليون المعاني الأصلية للألفاظ وتنحصر هذه المعاني بالدلالة القاموسية للفظ، وهذه المعاني القاموسية ثابتة وموحّدة. لكن الدّلاليين تكلموا أيضا على المعاني الاضافية للفظ. والمعنى الاضافي في نظرهم معنى خاص غير موحّد مرتبط بثقافة المبدع أوّلا وبالصور الجديدة والمعاني الجديدة التي يتجاوز فيها المبدع الموروث اللغوي والتعبيري. إنّه ضرب من الإبداع

في العلاقات القائمة بين الألفاظ يتوسّع فيه يمنة ويسرة ليعطي للمعنى القاموسي للألفاظ معاني إضافية يساعده في انتاجها التخييل. من هنا كان الكلام على توسيع الدلالة التي لا تتحدّد بشكل دقيق الّا اذا رصفت الألفاظ في عبارة او في سياق، فقوله: له عليّ يد، لا ينظر فيه الى معنى اليد الحقيقي بل ينظر الى المعنى الإضافي للفظ وهو الجميل او المساعدة مادية كانت او معنوية. والتوسّع أتى من كون العطاء أصلا أداته اليد فتوسّع المبدعون في دلالتها حتى صارت بمعنى المساعدة والفضل.


‌‌2. التوكيد.


من الغايات التي يحققها المجاز التوكيد لأنه وسيلة من وسائل ترسيخ المعنى بشكل غير مباشر يتطلّب من المتلقّي تخييلا معينا يصبح فيه المعنى أبلغ مّما كان عليه في الحقيقة.

‌‌3. التشبيه.


وهو بارز جدا في المجاز، فعندما نقول: جاء القمر معبّرين بذلك عن وصول فتاة جميلة، نكون قد شبّهنا الفتاة بالقمر وأضفنا الى هذه الفتاة اسما جديدا لما بينها وبين القمر من شبه مع وجود قرينة مانعة من ايراد المعنىالحقيقي. وهكذا يكون:

طلع القمر (على الحقيقة) خاليا من التشبيه. أما

جاء القمر (على المجاز) فهو متضمن تشبيه الفتاة الجميلة بالقمر.

ففي المجاز اذا ابتكار معنى جديد للفظ قد يكون معنى فرديا يكسب صاحبه صفة التّميّز والفرادة، وقد يكون معنى عاما- كما في المثال السابق- يكسب صاحبه صفة المقلّد، فتتراجع عنه صفة الابتكار والاختراع.

والملاحظ أن التوسع الدلالي او الانزياح الدلالي عملية واعية قائمة على رصد الصلات المشتركة بين المعنى الاصلي والمعنى المجازي .. فإذا عدنا الى المثال السابق (جاء القمر) لاحظنا ان العلاقة القائمة بين القمر والوجه الجميل لا تحتاج الى تعليل وتفسير



‌‌الحقيقة:تعريفها:


‌‌أ-تعريف الحقيقة لغة:


جاء في لسان العرب لابن منظور (حقق): «والحقيقة ما يصير اليه حقّ الأمر ووجوبه. وبلغ حقيقة الأمر أي يقين شأنه  والحقيقة في اللغة: ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه، والمجاز ما كان بضدّ ذلك».

فالحقيقة تعني إذا المعنى الأصلي المتعارف عليه في المعجمات وفي أصل الاستعمال. والمجاز موجّه نحو المعاني الإضافية للفظ التي يغلب عليها طابع الجدّة والابتكار والخصوصية.

وقد ذكر الخطيب القزويني تعريفا لغويا آخر مفاده : «والحقيقة إما فعيل بمعنى مفعول، من قولك: حققت الشيء أحقه، إذا أثبتّه، أو فعيل بمعنى فاعل من قولك: حقّ الشيء يحق اذا ثبت، أي المثبّتة أو الثابتة في موضعها الأصلي».

‌‌ب. تعريف الحقيقة اصطلاحا:

جاء في كتاب التعريفات : «الحقيقة: كل لفظ يبقى على موضوعه، وقيل: ما اصطلح الناس على التخاطب [به]».

إنها المعنى الحقيقي للفظ المبرّأ من كلّ المعاني الإضافية.

ويتضح معناها أكثر في تعريف المحدثين الذي جاء فيه  «هي مدلول الكلمة المستعملة فيما وضعت له بحيث تدلّ على معناها بنفسها من غير حاجة الى علاقة أو قرينة، وذلك كاستعمال القمر للكوكب المعروف لا للوجه المشرق مثلا».

وعرّفها الخطيب القزويني  بقوله: «هي الكلمة المستعملة في ما وضعت له في اصطلاح التخاطب».

‌‌مثال توضيحي للحقيقة والمجاز:

قال المتنبّي وقد نظر الى السّحاب الوافر

تعرض لي السّحاب وقد قفلنا 

فقلت اليك إنّ معي السحابا

فشم في القبّة الملك المرجّي

فأمسك بعدما عزم انسكابا

قال العكبري  في شرح هذين البيتين: «يريد أن السحاب أمسك عن الانسكاب لئلا يخجل من وجوده لتقصيره عنه».

لقد ورد لفظ السّحاب مرتين في البيت الأول. وهو مستخدم بمعناه الحقيقي في الصدر، وبمعناه المجازي في العجز لأنّ المقصود به الممدوح الكريم. وهذا مجاز لأن اللفظ استخدم في غير ما وضع له في الاصطلاح، والقرينة تكمن في المشابهة، إذ السحاب يجود بالمطر والكريم يجود بالمال، وفي أحاديث الناس اليومية ما يشبه ذلك.

لهذا نفى بعض البلاغيين وجود مجاز في القرآن الكريم، وردّ عليهم ابن قتيبة بقوله  «إنّ المجاز شائع في كلام العرب، ولو كان المجاز كذبا، وكل فعل ينسب الى غير الحيوان باطلا لكان أكثر كلامنا فاسدا».

والواقع ان الزمخشري ألّف معجم أساس البلاغة وذكر فيه المعنى اللغوي بايجاز كليّ، وفصّل الكلام على المعاني المجازية حتى عدّ المعجم معجم المعاني المجازية، وهو معجم لم يسبق الى مثله.


المصادر

الكتاب: علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»

المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

الناشر: المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس - لبنان



تعليقات