الكناية : تعريفها، أقسامها ، أنواعها



‌‌

الكناية : تعريفها، أقسامها ، أنواعها









الكناية : تعريفها، أقسامها ، أنواعها












‌‌أ-تعريف الكناية لغة:


جاء في لسان العرب لابن منظور (كنى): الكناية: ان تتكلّم بشيء وتريد غيره.وكنى عن الأمر بغيره يكني كناية: يعني إذا تكلّم بغيره ممّا يدلّ عليه.
فالكناية إذا إيماء الى المعنى وتلميح، أو هي مخاطبة ذكاء المتلقّي فلا يذكر اللفظ الموضوع للمعنى المقصود ولكن يلجأ إلى مرادفه ليجعله دليلا عليه. ومن هنا قول أحدهم (الطويل):

وإنّي لأكنو عن قذور بغيرها 

وأعرب أحيانا بها وأصارح.

لقد استخدم الشاعر (كنوت) والأفصح كنيت لأنّ المصدر كناية، ولم يسمع كناوة. فالكناية في نظر الشاعر عدم استخدام اللفظ الحقيقي بل هي لجوء الى لفظ آخر يشير الى المعنى ويومئ اليه. إنها طريقة للتعبير غير المباشر عن الأشياء.


‌‌ب-تعريف الكناية  اصطلاحا:


جاء في معجم المصطلحات  أن الكناية «لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع جواز إرادة المعنى الأصلي».

هذا التعريف مأخوذ من تعريف السبكي  الذي جاء فيه أنّها:

«لفظ أطلق وأريد به لازم معناه الحقيقي مع قرينة لا تمنع من إرادة المعنى الأصلي مع المعنى المراد».

‌‌ج- تعريفات البلاغيين:


الكناية في نظر عبد القاهر هي : «أن يريد المتكلّم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجيء الى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومئ به إليه ويجعله دليلا عليه».

وهي كما عرّفها السّكاكي  «ترك التصريح بذكر الشيء الى ذكر ما هو ملزمه، لينتقل من المذكور الى المتروك، كما تقول: زيد طويل النّجاد، فينتقل منه الى ملزومه وهو طول القامة».

ولتوضيح هذين التعريفين نعطي المثلين الآتيين:

1. زيد طويل النّجاد (علاقة السيف) فالمثل كناية عن طول قامة زيد. ولكن لا مانع من إيراد المعنى الأصلي وهو طول علاقة السيف.

2. حاتم كثير الرّماد. كناية عن كرمه فهو يشعل دائما نار القرى لهداية الضيفان. ولكن لا مانع أيضا من إيراد المعنى الأصلي وهو وفرة الرّماد حول بيته لأنّ النيران المشتعلة باستمرار تخلّف الرّماد الكثير المتراكم.

ففي الكناية يتجاذب المعنيان الحرفي والمجازي الدلالة وللمتلقّي أن يفكّك الصورة ويدخل الى أعماقها.

 بين الكناية والمجاز.


المجاز- كما ورد سابقا- هو أن يقصد باللفظ معناه المجازي دون جواز تفسيره على المعنى الحقيقي.

أما الكناية فهي أن يقصد بها المعنى المجازي مع جواز أن يقصد بها المعنى الحقيقي كما رأينا.

مثال: 1. نبت الربيع. هنا لا يمكن ان يكون المقصود المعنى الحقيقي للربيع. فالمعنى المقصود هنا هو المعنى المجازي للربيع (العشب) ففي الجملة إذا مجاز
.
مثال: 2. فلان طويل الحزام. الاشارة هنا الى عظم بطن فلان واضحة. وفي المثال نوع من المجاز لأن المعنى تجاوز المعنى الحقيقي (طول الحزام) الى المعنى المجازي (عظم البطن). فالعبارة هنا تحمل معناها الحقيقي

أيضا لأنّ عظيم البطن لا بدّ أن يكون طويل الحزام. وفي هذا القول كناية.
فالكناية إذا تخالف المجاز من جهة إمكان ارادة المعنى الحقيقي مع إرادة لازمة. أما المجاز فلا يجوز فيه إرادة المعنى الحقيقي لوجود القرينة المانعة من إرادته.

 أقسام الكناية:


تقسم الكناية تبعا لما تدل عليه الى ثلاثة أقسام هي:

 كناية عن صفة:


هي الكناية التي يستلزم لفظها صفة يرد هذا النوع من الكناية كثيرا على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية. ففي مصر يقولون: هو ربيب أبي الهول. كناية عن شدّة الكتمان.وفي لبنان يقولون: فلان يشكو قلة الجرذان في بيته كناية عن فقره. كما يقولون: فلان عضّ إصبعه: كناية عن الندم. وهكذا.

وقد وردت الكناية كثيرا في الشعر القديم والحديث، ومنها قول أبي ريشة (الرّمل).

كم نبت أسيافنا في ملعب

وكبت أجيادنا في ملعب.

ففي كلّ من الصدر والعجز كناية لطيفة عن الخيبة والانتكاسة وهي كناية عن صفة.

وكقول المتنبي (الطويل):

بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها 

وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.

ففي الشطر الثاني كناية عن طول الوقوف وهي كناية عن صفة.كما أن في البيت تشبيها بليغا بين المصدر (وقوف) الذي اشتق منه الفعل أقف (في الشطر الأول وبين المصدر وقوف في الشطر الثاني)
.
ومنها أيضا قول الشاعر (الطويل):

أكلت دما إن لم أرعك بضرّة

بعيدة مهوى القرط طيبّة النشر.

ففي الشطر الثاني (بعيدة مهوى القرط) كناية عن صفة هي طول عنق الضرّة.وينقسم هذا النوع من الكناية عند البلاغيين الى قسمين

‌‌1 - كناية قريبة:


وهي التي لا يحتاج فيها للانتقال من المعنى الحقيقي للكلام الى المعنى المجازي الى أكثر من خطوة واحدة.

مثال: جاء في الحديث الشريف: اليد العليا خير من اليد السفلى فاليد العليا كناية عن العطاء واليد السفلى كناية عن الأخذ. فالمقصود من الحديث يدرك بسرعة لعدم وجود واسطة.

‌‌2 - كناية بعيدة:


ويحتاج فيها الى أكثر من خطوة واحدة للوصول الى المعنى المجازي المراد من الكلام.
مثال: فلان كثير الرماد، فالمعنى المجازي هو (الكرم) لكن للوصول إليه لا بدّ من تفسيرات عدّة.

  1. كثرة الرّماد ناجمة عن كثرة الإشعال،
  2. وكثرة الإشعال عائدة الى كثرة الطبخ،
  3. ومن كان كثير الطبخ كان كثير الضيوف،
  4. وكثرة الضيوف تدل على الكرم.

 ب. كناية عن موصوف:


وهي الكناية التي يستلزم لفظها ذاتا أو مفهوما:
ويكنى فيها عن الذات كالرجل والمرأة والقوم والوطن والقلب واليد وما إليه

نقول في لبنان: مدينة الشمس كناية عن بعلبك.

ونقول مخاطبين أبناء مصر: يا أبناء النيل.

ونقول عن العرب: هم أبناء الضاد كناية عن اللغة العربية

ومن أمثلتها قوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ الزخرف: 18.
ففي قوله تعالى (يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) أي في الزينة كناية عن موصوف هو البنات.

وكقول المتنبي مفتخرا (البسيط):

سيعلم الجمع ممّن ضمّ مجلسنا

بأنني خير من تسعى به قدم.

ففي قوله (من تسعى به قدم) كناية عن موصوف هو الإنسان:أراد أنه خير الناس.

ومنها قول جرير (الوافر):

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح.

ففي قوله (من ركب المطايا) كناية عن موصوف هو الناس.

ومنها أيضا قول المتنبي عند فراقه سيف الدولة (الطويل):

وما ربّة القرط المليح مكانه 

بأجزع من رب الحسام المصمّم.

فكنى (بربة القرط) عن المرأة و (برب الحسام) عن الرجل.ففي كليهما كناية عن موصوف.

ومنها أيضا قول شوقي (الخفيف):

يا ابنة اليمّ ما أبوك بخيل

ما له مولعا بمنع وحبس؟

فلقد كنى شوقي (بابنة اليم) عن السفينة، وكنى ب (أبوك) عن البحر ففي كليهما كناية عن موصوف

 ج. كناية عن نسبة:


هي الكناية التي يستلزم لفظها نسبة بين الصفة وصاحبها المذكورين في اللفظ، تنفرد عن النوعين السابقين بأن المعنى الأصلي للكلام غير مراد فيها، وبأننا نصرّح فيها بذكر الصفة المراد إثباتها للموصوف، وإن كنا نميل بها عن الموصوف نفسه الى ما له اتصال به.
أمثلة: هذا بيت شرف. إذ نسبنا الشرف الى أصحاب البيت من طريق إسنادنا هذا الشرف الى البيت نفسه

ومنها قول الكميت (الطويل):

أناس بهم عزّت قريش فأصبحت 

وفيهم خباء المكرمات المطنّب.

ففي قوله: (وفيهم خباء المكرمات المطنّب) كناية عن نسبة المكرمات الى بني هاشم عندما جعلها في خيامهم.

وكقول البحتري (الكامل):

أو ما رأيت المجد ألقى رحله

في آل طلحة ثمّ لم يتحول.

ففي قوله (المجد ألقى رحله في آل طلحة) كناية عن نسبة، إذ جعل المجد يحطّ رحاله في ديار آل طلحة، فنسب المجد إليهم.

وكقول زياد الأعجم (الكامل):

إنّ المروءة والسّماحة والنّدى 

في قبّة ضربت على ابن الحشرج.

ناسبا المروءة والسماحة والندى الى ابن الحشرج، عندما جعلها في قبتّه

‌‌4 - الكناية باعتبار الوسائط (اللوازم) والسياق:


تنقسم الكناية أيضا باعتبار الوسائط (اللوازم) والسياق الى أربعة أقسام هي:

 أ. التعريض:


هو نوع لطيف من الكناية يطلق فيه الكلام مشارا به إلى معنى آخر يفهم من السياق او المقام الذي يتحدث فيه.

مثاله: قولك أمام البخيل: ما أقبح البخل! معرّضا به.

وكقولك أمام المتكبّر: ما أجمل التواضع! معرّضا به
.
ومن ذلك قول المتنبي معرّضا بسيف الدولة وهو يمدح كافور (الطويل):

إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا.

ومنه أيضا قول الحجّاج معرّضا بمن تقدّمه من الأمراء في ولاية العراق (الرجّز).

لست براعي إبل ولا غنم 

ولا بجزّار على ظهر وضم 

ولهذا قيل: لا يحسن التعريض إلّا ثلبا (ذما)، وهو أخفى من الكناية.

ب. التلويح:


هو كناية تكثر فيها الوسائط بلا تعريض، فيكون الفضاء الفاصل بين المعنى المكني عنه والمعنى الحرفي كبيرا. وسمّيت بالتلويح لأنها تقوم على الإشارة من بعيد.

ويتميز التلويح بأمرين:
  1. - بعد ما بين المعنى الحرفي والمعنى المقصود لكثرة الوسائط.
  2. - قرب في الفهم لوضوح العلاقات وسهولة العبور من واسطة الى أخرى ومن النص الحرفي إلى المعنى المكني عنه.
مثاله: قول الشاعر (الوافر)

وما يك فيّ من عيب فإنّي

جبان الكلب، مهزول الفصيل.

المراد بقوله: جبان الكلب كناية عن كرم الرجل بأسلوب التلويح، لأن جبن الكلب ناجم عن دوام منعه عن الهرير في وجه القادمين. ودوام منعه معناه دوام تأديبه وزجره، ودوام تأديبه ناجم عن كثرة القادمين الى دار صاحبه. وكثرة القادمين ناجمة عن كونه سيدا كريما إذ لا يزدحم الناس إلّا على أبواب الكرام.

وفي قوله: مهزول الفصيل كناية عن كرم الرجل بأسلوب التلويح. وقد توصّلنا إلى صفة الكرم عبر الوسائط الآتية:

- الفصيل ولد الناقة ولا يكون هزيلا إلّا اذا لم تتح له فرص الرّضاع من اطباء (أثداء) أمه الناقة.

وأمه لا ترضعه بسبب غيابها عنه غيابا أبديا.

وغيابها الأبدي ناجم عن كون صاحبها قد نحرها لضيوفه لأنّ لحمها طريّ وشهيّ فيه لذّة للآكلين

 ج. الإيماء أو الإشارة:


وهي كناية تتوسط بين التلويح والرمز بقلة الوسائط فيها وبوضوح نسبي في العلاقة بين المعنى الحرفي والمعنى المراد.

وتتميّر بأنها قليلة الوسائط، فتدلّ على المعنى المراد دلالة مباشرة كأنها تومئ إليه.

مثالها قول أبي تمام في وصف الإبل (الوافر):

أبين فما يزرن سوى كريم

وحسبك أن يزرن أبا سعيد.

فإنّه في إفادة أن أبا سعيد كريم لا يخفى كرمه على أحد.

 د. الرّمز:


هو كناية قليلة الوسائط، خفيّة اللوازم أو الكناية القائمة على مسافة قريبة فيكون فيها الخفاء نسبيا كأن نقول: عريض الوسادة كناية عن أنّه أبله.

ومنه قول الشاعر (الكامل):

رمزت إليّ مخافة من بعلها 

من غير ان تبدي هناك كلامها.

فلقد أشار الشاعر الى حبيبة له على سبيل الخفية.

ومن أمثلته: وصف البليد بأنه عريض الوسادة- فعرض الوسادة يستلزم كبرا في الرأس وطولا في العنق وهذان الطولان من مستلزمات البلاهة عند العرب. ومنه أيضا: وصف القاسي بأنّه غليظ الكبد

‌‌5 - أهمية الكناية وجمالياتها:

الغرض من الكناية المبالغة والبعد عن المباشرة. والمبالغة في الصفة أو الصفات سبيل الى تثبيتها في نفوس المتلقّين. لذلك كانت الكناية عند الجاحظ أبلغ من التصريح. وهي أبلغ من الإفصاح عند عبد القاهر. فللكناية قيمة إبلاغية تقدّمها اللمحة الدالّة. 

فالشاعر والمبدع عندما يغطّيان المعنى الحقيقي بهذا الستار الشفّاف، يدعوان المتلقّي إلى اكتشاف هذا المعنى المتواري وراء المعنى المجازي، فيشعر بلذّة الكشف عنه وتفكيك عناصره والتدّرج في رصفها تمهيدا للوصول الى المعنى المقصود. فهناك حركة نفسية دائمة عند المتلقّي يستحضرها الخيال من تجاربه الخاصة، ومن ثقافته وعادات مجتمعه ليصل الى المعنى المراد فيتقرّر المعنى ويتأكّد. والمهمّ في الكناية كمية الصور الذهنيّة التي يستحضرها المتلقّي تباعا كأنّها ومضات تتكثّف وتتراكم لتشكل في النهاية معنى ثابتا يطمئن إليه العقل، ويتأثر به القلب.

والكناية مظهر بلاغي راق لأنّها تقدّم الحقيقة مشفوعة بالأدلّة، والمعقول متلبسا ثوب المحسوس. والكنايات تعبير عن الحياة الاجتماعية بأحاديث يومية راقية معبّرة عن ثقافة المجتمع وذوقه. 
مثال ذلك هذه الكنايات:
  1. - ألقى عصاه، كناية عن الإقامة وترك الترحّل.
  2. - يحمل غصن الزيتون، كناية عن دعوته للسّلام.
  3. - عضّ أصابعه، كناية عن النّدم.
  4. - يمشي على بيض، كناية عن البطء والتثاقل في المشي.
  5. - قلع أسنانه، كناية عن الحنكة ووفرة التجارب.
  6. - بابه مفتوح، كناية عن حسن الاستقبال والكرم ودماثة الخلق.
  7. - ذمّته واسعة، كناية عن تعطيل ضميره وإباحته المحرّمات وأكل الرزق الحرام
  8. - كأنّ على رؤوسهم الطّير، كناية عن الهدوء والصّمت والإصغاء بدقّة


ومن مميّزات أسلوب الكناية عند الجرجاني أنّه لا يدلّ على المعنى مباشرة ولكنّه ينقل المتلقّي من طريق الدلالات ليصل الى المعنى المقصود من وراء ظلال التركيب.

وهذا الذي سمّاه معنى المعنى. من هنا كان الكلام على كناية قريبة وأخرى بعيدة، وعلى كناية جليّة وأخرى خفيّة. ولكنّ هذه الوسائط سبب من أسباب قوّة المعنى وفخامته.


المصادر


الكتاب: علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»

المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

الناشر: المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس - لبنان





تعليقات