‌‌الاستعارة، تعريف الاستعارة ،أنواع الاستعارة

‌‌الاستعارة، تعريف الاستعارة ،أنواع الاستعارة 







‌‌الاستعارة، تعريف الاستعارة ،أنواع الاستعارة












 تعريف الاستعارة :

‌‌أ-  تعريف الاستعارة لغة:

 «استعار: طلب العاريّة. واستعاره الشيء واستعاره منه: طلب منه ان يعيره إياه  واستعاره ثوبا فأعاره إياه».

وفي المعجم الوسيط: «استعار الشيء منه: طلب أن يعطيه إياه عاريّة. ويقال: استعاره إيّاه».

فالدلالة المعجمية للفظ تؤكد أن الاستعارة نقل الشيء من حيازة شخص الى شخص آخر.
ويعلّل أحد القدامي التسمية بقوله  «وإنما لقّب هذا النوع من المجاز بالاستعارة اخذا لها من الاستعارة الحقيقية، لأن الواحد منا يستعير من غيره رداء ليلبسه، ومثل هذا لا يقع الا من شخصين بينهما معرفة ومعاملة، فتقضي تلك المعرفة استعارة احدهم من الآخر، فاذا لم يكن بينهما معرفة بوجه من الوجوه فلا يستعير أحدهما من الآخر من اجل الانقطاع».

‌‌ب-  تعريف الاستعارة اصطلاحا.


جاء في التعريفات : «الاستعارة ادّعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه مع طرح ذكر المشبّه من البيتين كقولك: لقيت أسدا وانت تعني به الرّجل الشجاع».


فالتعريف ركّز على العلاقة القائمة بين التشبيه والاستعارة لأن الاستعارة أساسا تشبيه حذف أحد طرفيه (المشبه أو المشبه به).

وهي في معجم المصطلحات العربية اقتباس قول السكّاكي : «هي تشبيه حذف منه المشبّه به او المشبه، ولا بدّ أن تكون العلاقة بينهما المشابهة دائما، كما لا بدّ من وجود قرينة لفظية أو حالّية مانعة من إرادة المعنى الأصلي للمشبّه به أو المشبّه».

ولم يبعد تعريف الجرجاني عن هذا عندما قال : «اعلم أنّ الاستعارة في الجملة أن يكون لفظ الأصل في الوضع اللغوي معروفا تدلّ الشواهد على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر او غير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله اليه نقلا غير لازم، فيكون هناك كالعاريّة».

واضح من هذه التعريفات انّ الاستعارة مجاز تنزاح فيها الدّلالة عن المعنى الاساسي للفظ الى أحد المعاني الإضافية. ولهذا ذهب المحدثون الى أنها أبلغ من التشبيه : «لأن التشبيه مهما تناهي في المبالغة، فلا بدّ فيه من ذكر المشبّه والمشبّه به. وهذا اعتراف بتباينهما، وأنّ العلاقة ليست الا التشابه والتداني، فلا تصل الى حدّ الاتحاد، 

بخلاف الاستعارة ففيها دعوى الاتحاد والامتزاج، وان المشبه والمشبه به صارا معنى واحدا» وكلام الهاشمي هذا استكمال لما بدأه الجرجاني بقوله :

 «وهي أمدّ ميدانا، وأشدّ افتنانا، وأكثر جريانا، وأعجب حسنا وإحسانا، وأوسع سعة، وأبعد غورا، وأذهب نجدا في الصناعة وغورا، من أن تجمع شعبها وشعوبها، وتحصر فنونها وضروبها».

‌‌2 - مكانة الاستعارة:


رأى أرسطو أن : «أعظم الأساليب حقّا هو أسلوب الاستعارة وهو آية الموهبة».

ولم يزد الغربيّون على ما جاء من إجلالها واحترامها في كلام الجرجاني، ولكن لا بدّ من ذكر بعض أقوالهم لإظهار أهميتها في الدراسات النقدية الحديثة.

أما جان كوهين فيرى أن الاستعارة : «تشكل الخاصيّة الأساسية للغة الشعرية».

ويرى الناقد الأسباني   أورتيجا جيست :«ان الشعر هو اليوم الجسر العالي للاستعارات ويحتمل أن تكون الاستعارة طاقة الانسان الأكثر خصبا»


‌‌3 - أركان الاستعارة:


ذكرنا ان الاستعارة تشبيه بليغ حذف أحد طرفيه، فلا بدّ فيها إذا من:
  1.  مشبّه،
  2.  مشبّه به وما اليهما.
فالمشبّه والمشبّه به، وإن لم يظهرا فيها واضحين، فإنهما مقدران ولهذا أطلق مصطلح (الجامع) على وجه الشّبه. وهكذا تصبح أركانها كما يأتي.

  1.  المستعار له: (المشبّه).
  2.  المستعار منه: (المشبّه به).
  3.  الجامع: (وجه الشبه).
  4.  المستعار: هو عند بعضهم لفظ المشبّه به وان كان محذوفا، وعند السكاكي لفظ المشبّه. لكن لا بدّ من اعتماد رأي الجمهور.
مثال ذلك: بكت السّماء فضحكت الأرض.

شبّهت السماء الممطرة بامرأة تبكي، والأرض المرتوية بامرأة تضحك. أما الاستعارة فتكمن في الفعلين (بكت وضحكت)، إذ شبّه انهمار المطر بالبكاء، وارتواء الأرض بالضحك، فيكون المستعار له (الانهمار والارتواء) والمستعار منه (البكاء والضحك).
لنبحث الآن عن أركان الاستعارة في المثال السابق:
1. المستعار له: المشبّه هو: السماء+ الأرض.
2. المستعار منه: المشبّه به هو: المرأة في الحالين.
3. الجامع: وجه الشّبه (إنهمار المطر- إنهمار الدمع)(اشراق الأرض- اشراق الوجه)
4. المستعار: لفظ المشبه به وإن كان محذوفا في نظر الجمهور (المرأة)

ولا بد من قرينة تهدي الى وجود الاستعارة. وتكمن هذه القرينة في لفظ يشير الى وجودها بعد ما نقل من معناه الحقيقي الى معناه المجازي. وهو هنا (بكت+ ضحكت) فقد نقلا من معناهما الحقيقي (البكاء والضحك) الى معنى مجازي جديد (الإمطار+ الإرواء) وبذلك أشار الى وجود الاستعارة في اللفظين (السماء والأرض).
وليس ضروريا أن تكون القرينة لفظية دائما، فقد تكون حالية مفهومة من السّياق كما في قول المتنبي مخاطبا سيف الدولة  (الكامل):

عيب عليك ترى بسيف في الوغى 

ما يفعل الصمصام بالصمصام؟

ففي لفظ (صمصام) الأول استعارة إذ شبه سيف الدولة بالصمصام (السيف) والقرينة حالية تفهم من السياق. وقال العكبري في معنى البيت:
«أنت سيف في حدّتك ومضائك فلا تحتاج الى سيف».

‌‌4 - أقسام الاستعارة:

قال الخطيب القزويني :«الاستعارة تنقسم باعتبار الطرفين، وباعتبار الجامع، وباعتبار الثلاثة، وباعتبار اللفظ، وباعتبار أمر خارج عن ذلك كله».

وهكذا قسم البلاغيون المحدثون الاستعارة الى أقسام تبعا لاعتبارات محدّدة:

  1.  باعتبار المستعار منه: الاستعارة مكنّية وتصريحية.
  2.  باعتبار الجامع (لفظ الاستعارة): الاستعارة أصلية وتبعية.
  3.  باعتبار الثلاثة (ما يقترن بطرفيها): الاستعارة مرشّحة ومجرّدة ومطلقة وتمثيلية.

 الاستعارة باعتبار المستعار منه

تقسم الاستعارة باعتبار ما يذكر من الطرفين الى:

‌‌1 - الاستعارة المكنيّة:


عرّف السّكاكي الاستعارة المكنية  بقوله : «هي أن تذكر المشبّه وتريد به المشبّه به دالّا على ذلك بنصب قرينة تنصبها. وهي ان تنسب إليه وتضيف شيئا من لوازم المشبّه به المساوية مثل أن تشبّه المنيّة بالسبع، ثم تفردها بالذكر مضيفا اليها على سبيل الاستعارة التخييلية فتقول: مخالب المنيّة نشبت بفلان طاويا لذكر المشبّه به، وهو قولك: الشبيهة بالسّبع».
وشاهد السكّاكي مأخوذ من قول الشاعر (الكامل):

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كلّ تميمة لا تنفع

إذ شبّه الشاعر المنيّة بالسّبع. فالمستعار منه (السبع) محذوف، وكني عنه بشيء من خصائصه (الأظفار). المستعار له (المنيّة) مذكور. القرينة (الأظفار) والجامع بينهما هو الاغتيال.

لمزيد من التوضيح يمكن القول: هي الاستعارة التي حذف منها المستعار منه (المشبّه به) ورمز اليه بما يدلّ عليه من صفاته، ولا بدّ فيها من ذكر المستعار له (المشبّه). مثال ذلك قوله تعالى وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ الذاريات: 41 شبّهت الريح التي لا تحمل المطر بالمرأة العاقر التي لا تحمل الجنين.

فالمستعار منه المرأة محذوف، وكني عنه بصفة من صفاته (العقم) 
والمستعار له: الريح مذكور. 
والقرينة:العقيم. 
والجامع بينهما: عدم الإخصاب.

ومثالها أيضا قول الحجّاج: «وإنّي لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإنّي لصاحبها».

 لقد شبّه الحجّاج رؤوس مخاطبيه بالثمار اليانعة.
 المستعار منه (الثمار اليانعة) محذوف وكني عنه بشيء من خصائصه (الإيناع).
 المستعار له: الرؤوس مذكور. 
القرينة:أينعت.
 والجامع بينهما: الاستدارة والارتفاع فوق جذوع يمكن انفصالها عنها.

‌‌2. الاستعارة التصريحيّة:









هي ما صرّح فيها بلفظ المستعار منه (المشبّه به) وحذف المستعار له (المشبّه) كقول المتنبّي مادحا سيف الدولة ومعرّضا بملك الرّوم من الطويل:

فأقبل يمشي في البساط فما درى

الى البحر يمشي أم الى البدر يرتقي

موطن المجاز هنا (الى البحر يمشي، الى البدر يرتقي). فالبحر والبدر خرجا عن معناهما الحقيقي ليدلا على شخص الممدوح (سيف الدولة) والعلاقة بين الدلالة الحقيقية والدلالة المجازية تقوم على المشابهة، إذ شبّه سيف الدولة بالبحر في جوده على مذهب الأقدمين والمحدثين، وشبّهه بالبدر في رفعة مقامه. وسكت عن المشبه وذكر المشبّه به لهذا كانت الاستعارة تصريحية.

مثال آخر من قول المتنبي أيضا الوافر:

وألقى الشّرق منها في ثيابي

دنانيرا تفرّ من البنان

شّبه دوائر الضوء المتسلّلة إليه عبر أوراق الشجّر بدنانير زئبقية تستعصي على الإمساك بها،
 فالمستعار منه الدنانير مذكور مصرّح بذكره،
 والمستعار له: الدوائر الضوئية محذوفة. 
والقرينة: ألقى الشرق
 والجامع بينهما: الاستدارة والبياض والصّفرة.

ومثالها من القرآن الكريم قوله تعالى كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ابراهيم: 1.
شبّهت الآية الضلال بالظلمات، والهدى بالنور. 
والمستعار منه (الظلمات) مذكور مصرّح به.
 المستعار له: الضلال محذوف.
الجامع بينهما: عدم الاهتداء. القرينة: الحالية.

في الصورة الثانية: 

المستعار منه: النور وقد صرّح به

 المستعار له: الهدى محذوف.

 الجامع بينهما: الاهتداء. والقرينة حالية.

‌‌3. صور مشتركة بين المكنّية والتصريحية.

قال ابن المعتزّ:

جمع الحقّ لنا في إمام

قتل البخل وأحيا السّماحا

شّبه الشاعر البخل والسّماح بانسان يقتل ويحيي.

 فالمستعار له:البخل والسّماح مذكوران. 
والمستعار منه: الإنسان محذوف 
وقد كني عنه بشيء من خصائصه (القتل والإحياء)
 والجامع بينهما: الموت والحياة، 
والقرينة: قتل وأحيا. 

وعلى هذا التفسير تكون الاستعارة مكنّية.لكن إذا أوّلنا البيت على الوجه الآتي:

المستعار منه: القتل والإحياء مذكوران.
 المستعار له: تجنّب البخل محذوف، وتجديد السّماح محذوف أيضا.
 والجامع بينهما:الزّوال والاندثار وتجديد السّماح. 
والقرينة: قتل وأحيا. 

وبهذا التأويل تكون الاستعارة تصريحية. لكن الوجه الاول أبين واظهر لأنه خال من التعسّف في التأويل.

ومن هذا القبيل قول دعبل الخزاعي:

لا تعجبي يا سلم من رجل

ضحك المشيب برأسه فبكى

في لفظ (ضحك) استعارة تصريحية.
 المستعار منه: الضحك مذكور،
 المستعار له: ظهور الشّيب محذوف.
 الجامع بينهما:الإشراق،
 القرينة: المشيب.

 ولكن يمكن تأويل البيت بشكل آخر هو:

المستعار منه: الإنسان محذوف وقد كني عنه بشيء من خصائصه (الضحك). 
المستعار له: الشّيب مذكور. 
الجامع بينهما:التدرّج في ظهور البياض، 
القرينة: الضحك. وعليه تكون الاستعارة مكنيّة.

 تجدر الإشارة الى أن البلاغيين يذهبون الى أن الاستعارة المكنيّة أبلغ من الاستعارة التصريحية لأنّها أكثر قدرة على تشخيص الصور وبعث الحياة فيها

 الاستعارة باعتبار الجامع

يكون لفظ الاستعارة، أي لفظ المستعار منه على رأي الجمهور:

أ. أصلا في الكلام أي جامدا.

ب. تابعا لذلك الأصل أي مشتقا.

وبذلك تنقسم الاستعارة قسمين هما:

‌‌1 - الاستعارة الأصلية:


وهي ما كان فيها لفظ المستعار منه جامدا، أي اسم جنس أو اسم معنى. مثال ذلك قول ابن العميد (الكامل):

قامت تظلّلني ومن عجب

شمس تظلّلني من الشمس

لفظ الاستعارة هو (شمس) في عجز البيت إذ شبّه الفتاة بالشمس لاشراقها. فالمستعار منه: الشمس وقد صرّح بذكره. والشمس اسم جامد. لذلك كانت الاستعارة تصريحية باعتبار المستعار منه.

المستعار له: الفتاة (محذوف).
 والجامع بينهما: الإشراق والجمال.
والقرينة: تظلّلني.
 
وبذلك تكون الاستعارة تصريحية باعتبار المستعار منه، أصلية باعتبار لفظ الاستعارة.

ومنها قوله تعالى وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ الاسراء: 24.

شبّهت الآية الذلّ بطائر.
 فالمستعار منه الطائر غير مذكور في الكلام وكني عنه بشيء منه (الجناح).
 المستعار له: الذلّ. 
والجامع بينهما: الانقياد. 
والقرينة: أخفض. ولفظ الاستعارة (المستعار منه)

الطائر اسم ذات بمنزلة الجامد. وبذلك تكون الاستعارة مكنّية تصريحية.

‌‌2 - تبعيّة:


تكون الاستعارة تبعيّة اذا كان لفظ الاستعارة فيها:

  1. - اسما مشتّقا.
  2. - أو فعلا.
  3. - أو اسم فعل.
  4. - أو اسما مبهما.
  5. - أو حرفا.
مثال ذلك قوله تعالى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً مريم: 4 شبّهت الآية ظهور الشيّب باشتعال النار.
المستعار منه: النار وقد استعار منها الاشتعال.
 المستعار له:الشّيب.
 الجامع بينهما: التّدرّج في الاشراق والوضوح. وقد اشتق من الاشتعال فعل (اشتعل) مصرّحا بذكر المستعار منه، 
فهي اذا: استعارة تصريحية لجهة المستعار منه، وتبعية لأن لفظ الاستعارة فعل (اشتعل).

وقال أبو ماضي (من الكامل):

السّحب تركض في الفضاء الرّحب ركض الخائفين.

ففي قوله: تركض استعارة تصريحية. فالشاعر شبّه حركة السّحب في السّماء، بالركض. والجامع بينهما السّرعة. والقرينة السّحب. لذلك يكون الشاعر قد حذف المستّعار له (تحرّك السّحب) واشتق من الركض فعل تركض مصرّحا بلفظ المستعار منه وهو فعل (تركض) فكانت الاستعارة تصريحية تبعيّة

ويمكن تاويل البيت بشكل آخر هو:

المستعار منه: الإنسان محذوف وقد كني عنه باحدى صفاته (الرّكض).
 والمستعار له: السّحب (مذكور).
 الجامع بينهما: السّرعة والقرينة (تركض).

 فالاستعارة على هذا الوجه من التأويل 

استعارة مكنيّة 
وأصلية باعتبار لفظها.

 الاستعارة باعتبار ما يقترن بطرفيها


تكون الاستعارة باعتبار ما يقترن بها من صفات تلائم المستعار له او المستعار منه.

أ. مرشّحة.

ب. مجرّدة.

ج. مطلقة.

ولا ينظر الى القرينة لأنها جزء من الاستعارة أصيل غير طارئ. أما الصفات فطارئة.

‌‌أ- المرشحة:


هي التي اقترنت بما يلائم المستعار منه فقط، نحو: رأيت أسدا في الجبهة يزأر. فالوصف يزأر يلائم المستعار منه (الأسد)، ولم نضف الى المستعار له (البطل الشجاع) أيّ صفة، أما القرينة فموجودة (في الجبهة).

ولهذا صارت الاستعارة:

تصريحية: لأن المستعار منه (الأسد) مذكور.

أصلية: لأن لفظ المستعار منه (الأسد) جامد.

مرشّحة: لأنه ذكر فيها ما يلائم المستعار منه (يزأر).

ومنها قول المتنبّي البسيط:

أتى الزّمان بنوه في شبيبته

فسرّهم وأتيناه على الهرم

شّبه المتنبّي الزمان بإنسان بجامع التطوّر والتحوّل من حال إلى أخرى. 
والمستعار منه (الإنسان) محذوف وكني عنه بشيء من
خصائصه (بنوه) وهي القرينة. ثم أتى بما يلائم هذه الخاصة حين ذكر شبيبته والهرم. ولكنه لم يذكر ما يلائم المستعار له.

 لذلك كانت الاستعارة:

مكنيّة: لأن المستعار منه (الإنسان) محذوف ورمز إليه بما يدلّ عليه من صفاته (بنوه).

أصلية: لأن لفظ المستعار منه اسم جامد.

مرشّحة: لأنّه ذكر فيها ما يلائم المستعار منه (بنوه).

‌‌ب- المجرّدة:


هي التي اقترنت بما يلائم المستعار له دون المستعار منه، نحو:
رأيت أسدا في الجبهة يرمي العدو بسهامه. فقد ذكر ما يلائم المستعار له (البطل الشجاع) حين قيل: يرمي العدو بسهامه. أما المستعار منه فلم يرد ما يلائمه. لذلك كانت الاستعارة مجرّدة.

ومنه قول نعيمة في النهر المتجمّد:

يا نهر قد نضبت مياهك فانقطعت عن الخرير
.
في البيت: استعارة
 - مكنيّة لأن الشاعر شبّه النهر بإنسان وحذف المستعار منه (الانسان) وكنى عنه بشيء من خصائصه (النداء).
- واستعارة أصلية لأن لفظ المستعار منه اسم جامد.
- ومجرّدة لأن الشاعر أتى بما يلائم المستعار له (نضبت مياهك، وانقطعت عن الخرير) ولم يأت بما يلائم المستعار منه (الانسان)

‌‌ج- المطلقة:

وهي التي اقترنت بما يلائم المستعار منه والمستعار له معا، أو هي التي لم تقترن بما يلائم أيّا منهما، نحو:
رأيت أسدا في الجبهة. لم يرد في هذه الاستعارة ما يناسب المستعار له (البطل)، ولا ما يناسب المستعار منه (الأسد) ولهذا سميت الاستعارة مطلقة.

ونحو: رأيت أسدا في الجبهة يزأر ويرمي العدو بسهامه. لقد ورد في هذه الاستعارة ما يلائم المستعار له (البطل) وهي عبارة (يرمي العدوّ بسهامه). كما ورد فيها ما يلائم المستعار منه (الأسد) وهو الفعل (يزأر) لهذا كانت الاستعارة مطلقة.

وقال المتنبّي:

إذا غامرت في شرف مروم

فلا تقنع بما دون النجوم.

شبّه المتنبّي الغايات البعيدة السامية بالنجوم والجامع بينهم السمّو والرفعة وصعوبة المنال. وحذف المستعار له (الغايات البعيدة) وصرّح بلفظ المستعار منه (النجوم) 

لهذا
 
- كانت الاستعارة تصريحية 
- ولأن لفظ المستعار منه جامد فالاستعارة أصلية. 
- والشاعر لم يأت فيها بما يلائم أيّا من المستعار منه أو المستعار له فصارت الاستعارة مطلقة.
وقال المتنبّي أيضا:

في الخدّ إن عزم الخليط رحيلا

مطر تزيد به الخدود محولا

الدموع الجارية حزنا على فراق الأحبة تشبه في انهمالها على وجه الحبيب المطر المتساقط بغزارة. لكنّ الشاعر بفطنته لاحظ فارقا بينهما لأنّ المطر يخلّف خضرة في الأرض التي يغيثها، في حين تخلّف الدموع المرض والشحوب في وجه الحبيب الشاكي بعاد حبيبه.
- فالاستعارة تصريحية أولا لأنّه صرّح فيها بلفظ المستعار منه (مطر) وحذف المستعار له (الدموع)

-  وهي استعارة أصلية ثانيا لأن لفظ المستعار منه اسم جنس.
 
- واخيرا إنّها استعارة مطلقة لأنّ الشاعر أتى بما يلائم كلّا من المستعار له (الخد) عند ما ذكر الدموع، والمستعار منه (المطر) عند ما ذكر (المحول).

* يجب التنبّه الى أن الحكم على الاستعارة وتصنيفها (مرشّحة أو مجرّدة أو مطلقة) لا يتم إلّا بعد أن تستوفي الاستعارة قرينتها. والقرينة بناء على ذلك لا تعد في جانب أي من المستعار له أو المستعار منه

 الاستعارة التمثيليّة


هي استعارة شائعة في الأمثال السائرة نثرا وشعرا ومن خصائصها:

- حذف المشبّه عادة.

- وحذف أداة التشبيه.

ولذلك عرّفت بأنّها:

تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة معناه الأصلي.

من أمثلتها القول المأثور: يدسّ السّمّ في الدّسّم. وهذا مثل يطلق في وصف من يظهر الخير ويبطن الشرّ. ولقد حذف منه المشبّه لأن تقدير الكلام: من يظهر الخير ويبطن الشرّ كمن يدسّ السّمّ في الدّسم. والمشبه (من يظهر الخير ويبطن الشرّ) محذوف، وأداة التشبيه محذوفة أيضا، ولكن بقي المشبه به. ولقد فهمنا المراد من المثل وهو المعنى المجازي لا المعنى الحقيقي بواسطة القرينة أو السّياق.

وأريد بهذا القول التّمثيل، لهذا سمّيت الاستعارة تمثيلية.

ومن أمثلتها قول الكميت معاتبا مؤيدي بني أمّية في حربهم ضدّ بني هاشم:

فيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها 

ويا حاطبا في غير حبلك تحطب

فالشاعر شبّه هؤلاء بمن يشعل نارا ليضيء درب غيره وتبقى دربه مظلمة أو بمن يحتطب لينتفع غيره بما
يحتطب. ففي كلّ من الصّدر والعجز استعارة تمثيلية.

ومنها أيضا قول المتنبّي (الوافر):

ومن يك ذا فم مرّ مريض

يجد مرّا به الماء الزلالا.

يصاب الإنسان المريض بمرارة في فمه حتى إذا شرب الماء العذب تذوّقه مرّا كالحنظل. ولكنّه لم يقصد هذا المعنى الظاهر من البيت بل قصد فيه حسادّه وعائبي شعره فنسب هذا العيب الى ذوقهم الشعرّي المريض وضعف إدراكهم الأدبي. فالمشبّه هنا حال حسّاده والمشبّه به حال المريض الذي يجد الماء الزّلال مرّا. لهذا كانت الاستعارة تمثيلية.

ومنها ما جاء في المثل «قطعت جهيزة قول كلّ خطيب».

وأصل المثل أنّ قوما اجتمعوا يتشاورون في قضيّة الثأر لأحد قتلاهم وبينما هم يتشاورون جاءت فتاة اسمها جهيزة وأخبرتهم أن القاتل قد قتل، فقال أحد المتحاورين: قطعت جهيزة قول كلّ خطيب. وهو تركيب يتمثّل به في كل موطن يؤتى فيه بالقول الفصّل. فالمشبّه والمشبّه به صورة منتزعة من متعدّد


المصادر

الكتاب: علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»

المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

الناشر: المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس - لبنان



تعليقات