ما الفرق بين القصيدة والأرجوزة؟
ماهو الرجز؟
سمي الناس باسم الرجز المشطور والمنهوك وما جرى مجراهما.
ماهي القصيدة؟
وسمي الناس القصيد ما طالت أبياته.
أنواع الرجز
الرجز ثلاثة أنواع غير المشطور والمنهوك والمقطع: فأما الأول منها فنحو أرجوزة عبدة بن الطبيب:
باكرني بسحرة عواذلي
وعذلهن خبل من الخبل
يلمنني في حاجة ذكرتها
في عصر أزمان ودهر قد نسل
والنوع الثاني نحو قول الآخر:
القلب منها مستريح سالم
والقلب مني جاهد مجهود
والنوع الثالث قول الآخر
قد هاج قلبي منزل
من أم عمرو مقفر
فهذه داخلة في القصيد، وليس يمتنع أيضاً أن يسمى ما كثرت بيوته من مشطور الرجز ومنهوكه قصيدة؛ لأن اشتقاق القصيد من " قصدت إلى الشيء " كأن الشاعر قصد إلى عملها على تلك الهيئة، والرجز مقصود أيضاً إلى عمله كذلك.
ومن المقصد ما ليس برجز وهم يسمونه رجزاً لتصريع جميع أبياته؛ وذلك هو مشطور السريع، نحو قول الشاعر أنشدناه أبو عبد الله محمد بن جعفر النحوي عن أبي علي الحسين بن إبراهيم الآمدي، عن ابن دريد، عن أبي حاتم السجستاني، عن أبي زيد الأنصاري:
هل تعرف الدار بأعلى ذي القور
غيرها نأج الرياح والمور
ودرست غير رماد مكفور
مكتئب اللون مريح ممطور
وغير نؤى كبقايا الدعثور
أزمان عيناء سرور المسرور
عيناء حوراء من العين الحور
وأنشد أبو عبد الله لابن المعتز:
ومقلة قد بات يبكيها
فيض نجيع من مآقيها
وكلها طول تمنيها
بأنجم الليل تراعيها
ومهجة قد كاد يفنيها
طول سقام ثابت فيها
وبرؤها في كف مبليها
كما ابتلاها فهو يشفيها
ليس لها من حبها ناصر
من ذا على الأحباب يعديها
وهذا عند الجوهري من البسيط، والذي أنشد أبو عبد الله على قول الجوهري هو من الرجز، وجعل الجزء الآخر مستفع لن مفروق فيه الوتد، فأسكن اللام؛ لأن آخر البيت لا يكون متحركاً، فخلفه مفعولات
وأما المنهوك المنسرح
صبراً بني عبد الدار
فهو عند الجوهري من الرجز، ومثله
ويل أم سعد سعداً
إلا أنه أقصد منه.
فعلى كل حال تسمى الأرجوزة قصيدة طالت أبياتها أو قصرت، ولا تسمى القصيدة أرجوزة إلا أن تكون من أحد أنواع الرجز التي ذكرت، ولو كانت مصرعة الشطور كالذي قدمته؛ فالقصيد يطلق على كل الرجز، وليس الرجز مطلقاً على كل قصيد أشبه الرجز بالشطر.
قال النحاس: القريض عند أهل اللغة العربية الشعر الذي ليس برجز، يكون مشتقاً من قرض الشيء أي: قطعه، كأنه قطع جنساً، وقال أبو إسحاق: وهو مشتق من القرض، أي: القطع والتفرقة بين الأشياء، كأنه ترك الرجز وقطعه من شعره.
وكان أقصر ما صنعه القدماء من الرجز ما كان على جزأين، نحو قول دريد بن الصمة يوم هوازن:
يا ليتني فيها جذع
أخب فيها وأضع
حتى صنع بعض المتعقبين وأظنه علي بن يحيى، أو يحيى، بن علي المنجم أرجوزة على جزء واحد، وهي:
طيف ألم بذي سلم
بعد العتم يطوي الأكم
جاد بفم وملتزم
فيه هضم إذا يضم
ويقال: إن أول من ابتدع ذلك سلم الخاسر، يقول في قصيدة مدح بها موسى الهادي:
موسى المطر غيث بكر
ثم انهمر ألوى المرر
كم اعتسر ثم ايتسر
وكم قدر ثم غفر
عدل السير باقي الأثر
خير وشر نفع وضر
خير البشر فرع مضر
بدر بدر والمفتخرلمن غبر
والجوهري يسمي هذا النوع المقطع.
وقد رأى قوم أن مشطور الرجز ليس بشعر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
هل أنت إلا إصبع دميت
وفي سبيل الله ما لقيت
بكسر التاء، ورواية أخرى بسكونها وتحريك الياء بالفتح قبلها وليس هذا دليلاً، وإنما الدليل في قول النبي صلى الله عليه وسلم عدم القصد والنية؛ لأنه لم يقصد به الشعر ولا نواه؛ فلذلك لا يعد شعراً وإن كان كلاماً متزناًز
وإلا فالرجاز شعراء عند العرب وفي متعارف اللسان، إلا أن الليث روى أنهم لما ردوا على الخليل قوله " إن المشطور ليس بشعر " قال: لأحتجن عليهم بحجة إن لم يقروا بها كفروا، قال: فعجبنا من قوله حتى سمعنا حجته.. وقد رواه قوم دميت بإسكان الياء والتاء جميعاً ولا يكون حينئذ موزوناً.
والراجز قلما يقصد؛ فإن جمعهما كان نهاية نحو أبي النجم؛ فإنه كان يقصد، وأما غيلان فإنه كان راجزاً ثم صار إلى التقصيد، وسئل عن ذلك فقال: رأيتني لا أقع من هذين الرجلين على شيء، يعني العجاج وابنه رؤبة.
وكان جرير والفرزدق يرجزان، وكذلك عمر بن لجأ كان راجزاً مقصداً، ومثله حميد الأرقط، والعماني أيضاً، وأقلهم رجزاً الفرزدق.
وليس يمتنع الرجز على المقصد امتناع القصيد على الراجز، ألا ترى أن كل مقصد يستطيع أن يرجز وإن صعب عليه بعض الصعوبة.
وليس كل راجز يستطيع أن يقصد، واسم الشاعر وإن عم المقصد والراجز فهو بالمقصد أعلق، وعليه أوقع، فقيل لهذا شاعر، ولذلك راجز، كأنه ليس بشاعر، كما يقال خطيب أو مرسل أو نحو ذلك.
المصادر
الكتاب: العمدة في محاسن الشعر وآدابه
المؤلف: أبو على الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (ت ٤٦٣ هـ)
المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد
الناشر: دار الجيل